الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { فإطعام ستين مسكيناً } قال : كهيئة الطعام في اليمين مدين لكل مسكين .

وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال : ثلاث فيهن مد ، كفارة اليمين ، وكفارة الظهار ، وكفارة الصيام .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي أتى أهله في رمضان بكفارة الظهار .

وأخرج عبد الرزاق عن عطاء والزهري وقتادة قالوا : العتق في الظهار والصيام والطعام كل ذلك من قبل أن يتماسّا .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : «كان الظهار في الجاهلية يحرم النساء فكان أوّل من ظاهر في الإِسلام أوس بن الصامت ، وكانت امرأته خولة بنت خويلد ، وكان الرجل ضعيفاً ، وكانت المرأة جلدة ، فلما تكلم بالظّهار قال : لا أراك إلا قد حرمت عليّ فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك تبتغي شيئاً يردّك عليّ فانطلقت ، وجلس ينتظرها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وماشطة تمشط رأسه ، فقالت : يا رسول الله إن أوس بن الصامت من قد علمت من ضعف رأيه وعجز مقدرته ، وقد ظاهر مني فابتغ لي يا رسول الله شيئاً إليه قال يا خويلة : ما أمرنا بشيء في أمرك وإن نؤمر فسأخبرك ، فبينا ماشطته قد فرغت من شق رأسه وأخذت في الشق الآخر أنزل الله عز وجل ، وكان إذا أنزل عليه الوحي تربد لذلك وجهه حتى يجد برده فإذا سرّي عنه عاد وجهه أبيض كالقلب ، ثم تكلم بما أمر به ، فقالت ماشطته : يا خويلة إني لأظنه الآن في شأنك فأخذها أفكل ثم قالت : اللهم بك أعوذ أن تنزل فيّ إلا خيراً فإني لم أبغ من رسولك إلا خيراً فلما سرّي عنه قال : يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك فقرأ { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } إلى قوله : { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } فقالت : والله يا رسول الله ما له خادم غيري ولا لي خادم غيره ، قال : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } قالت : والله إنه إذا لم يأكل في اليوم مرتين يسدر بصره ، قال : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً } قالت : والله ما لنا في اليوم إلا وقية ، قال : فمريه فلينطلق إلى فلان فليأخذ منه شطر وسق من تمر فليتصدق به على ستين مسكيناً وليراجعك » .

وأخرج عبد الرزاق في المصنف من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن «عن سلمة بن صخر الأنصاري أنه جعل امرأته عليه كظهر أمه ، حتى يمضي رمضان فسمنت وتربصت فوقع عليها في النصف من رمضان ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يعظم ذلك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «أتستطيع أن تعتق رقبة ؟ فقال : لا ، قال : أفتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا ، قال : أفتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً ؟ قال : لا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا فروة بن عمرو أعطه ذلك العرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر أو ستة عشر صاعاً فليطعمه ستين مسكيناً ، فقال : أعليّ أفقر مني فوالذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اذهب به إلى أهلك » .

وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي في السنن عن أبي العالية قال : «كانت خولة بنت دبيج تحت رجل من الأنصار ، وكان سيء الخلق ضرير البصر فقيراً ، وكانت الجاهلية إذا أراد الرجل أن يفارق امرأته قال : أنت عليّ كظهر أمي ، فادارعته بعض الشيء فقال : أنت عليّ كظهر أمي ، وكان له عيل أو عيلان ، فلما سمعته يقول ما قال احتملت صبيانها فانطلقت تسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوافقته عند عائشة ، وإذا عائشة تغسل شق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقامت عليه ، ثم قالت : يا رسول الله إن زوجي فقير ضرير البصر سيء الخلق ، وإني نازعته في شيء فقال : أنت عليّ كظهر أمي ، ولم يرد الطلاق ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال : ما أعلم إلا قد حرمت عليه ، فاستكانت وقالت : أشتكي إلى الله ما نزل بي ومصيبتي ، وتحولت عائشة تغسل شق رأسه الآخر فتحولت معها فقالت : مثل ذلك قالت : ولي منه عيل أو عيلان ، فرفع النبي رأسه إليها فقال : ما أعلم إلا قد حرمت عليه ، فبكت وقالت : أشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتي ، وتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة : وراءك فتنحت ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ثم انقطع الوحي ، فقال يا عائشة : أين المرأة ؟ قالت : ها هي ، قال : ادعيها ، فدعتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهبي فجيئي بزوجك ، فانطلقت تسعى فلم تلبث أن جاءت فأدخلته على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو كما قالت : ضرير فقير سيء الخلق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم { بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي } إلى آخر الآية ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أتجد رقبة ؟ قال : لا ، قال : أفتستطيع صوم شهرين متتابعين ؟ قال : والذي بعثك بالحق إني إذا لم آكل المرة والمرتين والثلاثة يكاد يغشى عليّ ، قال : أفتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً ؟ قال : لا إلا أن تعينني فيها فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفر يمينه » .

وأخرج البزار والحاكم والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : «أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني ظاهرت من امرأتي فرأيت بياض خلخالها في ضوء القمر فأعجبتني فوقعت عليها قبل أن أكفر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألم يقل الله { من قبل أن يتماسّا } قال : قد فعلت يا رسول الله ، قال : أمسك حتى تكفّر » .

وأخرج عبد الرزاق وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس «أن رجلاً قال : يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر ، قال : وما حملك على ذلك ؟ قال : ضوء خلخالها في ضوء القمر ، قال : فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله » .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة والطبراني والبغوي في معجمه والحاكم وصححه والبيهقي «عن سلمة بن صخر الأنصاري قال : كنت رجلاً قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري ، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقاً من أن أصيب منها في ليلى فأتابع في ذلك ولا أستطيع أن أنزع حتى يدركني الصبح ، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء ، فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري ، فقلت : انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بأمري ، فقالوا : لا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا القرآن ، أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها ، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك ، فخرجت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري فقال : أنت بذاك ؟ قلت : أنا بذاك ، قال : أنت بذاك ؟ قلت : أنا بذاك قال : أنت بذاك ؟ قلت : أنا بذاك ، وها أنا ذا فامض فيّ حكم الله فإني صابر لذلك قال : أعتق رقبة فضربت صفحة عنقي بيدي قلت : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها ، فصم شهرين متتابعين ، قلت : وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام ؟ قال : فأطعم ستين مسكيناً ، قلت : والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وبني ما لنا عشاء ، قال : اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له ، فليدفعها إليك ، فأطعم عنك منها وسقاً ستين مسكيناً ، ثم استعن بسائرها عليك وعلى عيالك ، فرجعت إلى قومي فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة ، أمر لي بصدقتكم فدفعوها إليه » .