الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

وقوله : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } {[67574]} [ 4 ] أي : فمن لم يجد ما يشتري به رقبة ، فعليه صيام شهرين متتابعين لا يفصل بينهما ولا بين شيء من أيامهما بإفطار وهو متعمد ، فإن أفطر لعذر بنى {[67575]} على ما صام ولا شيء عليه ، فإن أفطر لغير عذر ابتدأ الصيام ، فإن أفطر لسفر أحدثه ابتدأ الصوم ، فإن ابتدأ الصوم فأيسر أتم صومه ، ولا يرجع إلى العتق عند مالك ، وإن {[67576]} ابتدأ الصيام أو ابتدأ الإطعام إن لم يقدر على الصيام ثم جامع قبل إكمال الصيام أو الإطعام ، ابتدأ الصيام والإطعام ، كأن جماعه ناسيا أو عامدا ، ويجزيه {[67577]} الصيام بالأهلة وإن كان الشهران ثمانية وخمسين أو ستا {[67578]} وخمسين يوما ، فإن ابتدأ الصوم في غير أول الشهر صام ثلاثين يوما ، وشهرا على الهلال ، وقيل يصوم ستين يوما ، وإذا ظاهر وله دار وخادم لزمه العتق عند مالك {[67579]} . وقوله : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } أي : فمن لم يستطع الصوم فعليه

أن يطعم ستين مسكينا مدا من [ حنطة ] {[67580]} بمد هشام ، هذا قول مالك وهو مد وثلثان بمد النبي صلى الله عليه وسلم {[67581]} .

وروى ابن وهب عن مالك أنه يعطي لكل مسكين مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم {[67582]} فإن أعطى مدا بمد هشام أجزأه إذا أعطاهم في جميع الكفارات مما هو أكثر عيش ذلك البلد {[67583]} أجزاه ، ولا يجزي في ذلك عرض ولا دارهم ولا دقيق ولا سويق {[67584]} .

قال ابن {[67585]} القاسم فأن أطعم لكفارته {[67586]} ثلاثين مسكينا من حنطه ثم طاق العسر {[67587]} حتى صار عيشهم الثمر أو الشعير {[67588]} ، فلا بأس أن يعطي تمام الستين ثمرا أو شعيرا . وقد قال الأوزاعي {[67589]} إن أعطى في الكفارة ثمنها أجزأه ، وكذلك قال أصحاب الرأي ، ولا يجوز أن يعطي الثلاثين مثل ما يعطي لستين فيكون عليهم العطاء ، ولابد من العدد ، وإذا ظاهر فمات أو ماتت ولم يكفر ورثها وورثته .

والظهار عند مالك على كل حر وعبد من المسلمين في كل زوجة حرة كانت أو أمة أو كتابية ، إلا أنه إذا ظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فالظهار لازم {[67590]} . ويلزم السكران ظهاره كما يلزمه الطلاق ، ولا يلزم المكره الظهار {[67591]} . وفي الظهار من الأمة ، الكفارة تامة عند مالك ، ويلزم العبد في الظهار صيام شهرين كالحر {[67592]} ولا يعتق إلا بإذن مولاه . وإذا ظاهر الرجل من امرأته مرارا لم تلزمه إلا كفارة واحدة ، ( وأما المظاهر ) {[67593]} من امرأتيه أو ثلاث أو أربع في ظهار واحد لم تلزمه إلا كفارة واحدة . وكل من ظاهر من امرأته بامرأة مسن ذوات المحارم من النسب أو الرضاع لزمه ، كقوله : أنت علي كظهر أختي ( أو كظهر ابنة ابنتي ) {[67594]} أو كظهر أختي من الرضاع ، وكذلك عند مالك إذا قال لها أنت علي كظهر/ أبي : يلزمه الظهار {[67595]} . وكذلك يلزمه الظهار لو قال لامرأته : أنت علي ( كظهر أخي وكقدم أخي ) {[67596]} ونحوه من العورات ، وإنما خص هذا اللفظ في اليمين بالظهر دون البطن ، لأن الظهر موضع الركوب من البهائم ، والمرأة مركوبة ، إذا غشيت ، فكأنه إذا قال أنت علي كظهر أمي ، قال : ركوبك للنكاح حرام علي كركوب أبي للنكاح/ ، فأقام الظهر مقام الركوب ، من غير بني آدم إنما يركب على ظهر ، فهو استعارة لطيفة {[67597]} {[67598]} . ثم قال { ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله } أي : ألزمت من ظاهر ذلك من الكفارات كي تقروا {[67599]} بتوحيد الله وبرسوله إذا عملتم بما أمرتم به . وقال الزجاج معناه : ذلك التغليظ عليكم لتؤمنوا بالله ورسوله {[67600]} . ثم قال { وتلك حدود الله } أي : فرائضه التي حدها لكم {[67601]} .

{ وللكافرين عذاب أليم } أي : ولمن كفر بحدود الله في الآخرة عذاب مؤلم ؛ أي : موجع .


[67574]:ساقط من ع.
[67575]:ع. ح: "بنا": وهو لحن.
[67576]:ع: "وإذا".
[67577]:ع: "ويجري به".
[67578]:ع : "ستة".
[67579]:انظر : تفسير القرطبي 17/283، وبداية المجتهد 2/111، والمدونة 2/306 والكافي 285، والفقه على المذاهب الأربعة 4/512.
[67580]:ساقط من ح.
[67581]:انظر : أحكام ابن العربي 4/1756، وشرح الزرقاني على الموطأ 3/178 والكافي 285، والمدونة 2/309.
[67582]:ع: "عليه السلام".
[67583]:ساقط من ع.
[67584]:انظر: أحكام ابن العربي 4/1765، وتفسير القرطبي 17/286، وشرح الزرقاني على الموطأ 3/178. والمدونة 2/309.
[67585]:هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي القرشي أبو محمد، من سادات أهل المدينة فقها وعلما وديانة وحفظا للحديث، روى أن أبيه وابن المسيب ونافع مولى ابن عمرو، وعنه الزهري وهشام بن عروة ومالك والأوزاعي والثوري وغيرهم (ت 126هـ). انظر: الجرح والتعديل 5/278، تذكرة الحفاظ 1/127، وسير أعلام النبلاء 6/5 وتهذيب التهذيب 6/254.
[67586]:ح: لكفارة".
[67587]:ع: "السعر" وهو تحريف.
[67588]:راجع المدونة 2/310.
[67589]:هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، من قبيلة الأوزاع، إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتاب المرسلين، عرف عليه القضاء فامتنع، سمع من الزهري وعطاء، وروى عنه الثوري، وأخذ عنه عبد الله بن المبارك وجماعة كبيرة (ت 157 هـ). انظر: حلية الأولياء 6/135، وتهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 298، ووفيات الأعيان 3/127، وفهرست ابن النديم 1/332.
[67590]:انظر: البيان والتحصيل 5/172، وبداية المجتهد 2/108، وشرح الرزقاني على الموطأ 3/179.
[67591]:انظر: المدونة 2/298، وأحكام ابن العربي 4/1751، والكافي 282.
[67592]:ع: "كالحر عند مالك".
[67593]:ع: "وإذا ظاهر".
[67594]:ع: "كظهر بنتي".
[67595]:انظر: البيان والتحصيل 5/173 -183، وبداية المجتهد 2/105 -113، وشرح الزرقاني على الموطأ 3/178، والمدونة 2/295 -297. والكافي 282 -283.
[67596]:ع: كرأس أمي وكقدم أختي".
[67597]:ع: لكيفة": وهو تحريف.
[67598]:راجع المدونة 2/295، والكافي 282، والفقه على المذاهب الأربعة 4/490.
[67599]:ح: "تصدقوا".
[67600]:انظر: معاني الزجاج 5/136.
[67601]:انظر: إعراب النحاس 4/374.