في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصف مدنية وآياتها أربع عشرة

هذه السورة تستهدف أمرين أساسيين واضحين في سياقها كل الوضوح ، إلى جانب الإشارات والتلميحات الفرعية التي يمكن إرجاعها إلى ذينك الأمرين الأساسيين :

تستهدف أولا أن تقرر في ضمير المسلم أن دينه هو المنهج الإلهي للبشرية في صورته الأخيرة ، سبقته صور منه تناسب أطوارا معينة في تاريخ البشرية ، وسبقته تجارب في حياة الرسل وحياة الجماعات ، تمهد كلها لهذه الصورة الأخيرة من الدين الواحد ، الذي أراد الله أن يكون خاتمة الرسالات . وأن يظهره على الدين كله في الأرض . .

ومن ثم يذكر رسالة موسى ليقرر أن قومه الذين أرسل إليهم آذوه وانحرفوا عن رسالته فضلوا ، ولم يعودوا أمناء على دين الله في الأرض : ( وإذ قال موسى لقومه : يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم . فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ، والله لا يهدي القوم الفاسقين ) . . وإذن فقد انتهت قوامة قوم موسى على دين الله ؛ فلم يعودوا أمناء عليه ، مذ زاغوا فأزاغ الله قلوبهم ، ومذ ضلوا فأضلهم الله والله لا يهدي القوم الفاسقين .

ويذكر رسالة عيسى ليقرر أنه جاء امتدادا لرسالة موسى ، ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، وممهدا للرسالة الأخيرة ومبشرا برسولها ؛ ووصلة بين الدين الكتابي الأول والدين الكتابي الأخير : وإذ قال عيسى ابن مريم : يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم ، مصدقا لما بين يدي من التوراة ، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . . وإذن فقد جاء ليسلم أمانة الدين الإلهي التي حملها بعد موسى إلى الرسول الذي يبشر به .

وكان مقررا في علم الله وتقديره أن تنتهي هذه الخطوات إلى قرار ثابت دائم ، وأن يستقر دين الله في الأرض في صورته الأخيرة على يدي رسوله الأخير : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) .

هذا الهدف الأول الواضح في السورة يقوم عليه الهدف الثاني . فإن شعور المسلم بهذه الحقيقة ، وإدراكه لقصة العقيدة ، ولنصيبه هو من أمانتها في الأرض . . يستتبع شعوره بتكاليف هذه الأمانة شعورا يدفعه إلى صدق النية في الجهاد لإظهار دينه على الدين كله - كما أراد الله - وعدم التردد بين القول والفعل ؛ ويقبح أن يعلن المؤمن الرغبة في الجهاد ثم ينكص عنه ، كما يبدو أنه حدث من فريق من المسلمين كما تذكر الروايات . . ومن ثم يجيء في مطلع السورة بعد إعلان تسبيح الكون وما فيه لله . . ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ? كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون . إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .

ثم يدعوهم في وسط السورة إلى أربح تجارة في الدنيا والآخرة : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ? تؤمنون بالله ورسوله ، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم . ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ومساكن طيبة في جنات عدن ، ذلك الفوز العظيم . وأخرى تحبونها : نصر من الله وفتح قريب ، وبشر المؤمنين ) .

ثم يختم السورة بنداء أخير للذين آمنوا ، ليكونوا أنصار الله كما كان الحواريون أصحاب عيسى أنصاره إلى الله ، على الرغم من تكذيب بني إسرائيل به وعدائهم لله : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين : من أنصاري إلى الله ? قال الحواريون : نحن أنصار الله . فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) . .

هذان الخطان واضحان في السورة كل الوضوح ، يستغرقان كل نصوصها تقريبا . فلا يبقى إلا التنديد بالمكذبين بالرسالة الأخيرة - وهذه قصتها وهذه غايتها - وهذا التنديد متصل دائما بالخطين الأساسيين فيها . وذلك قول الله تعالى ، عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعد ذكر تبشير عيسى - عليه السلام - به : ( فلما جاءهم بالبينات قالوا : هذا سحر مبين . ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ? والله لا يهدي القوم الظالمين . يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ، ولو كره الكافرون ) . .

وفيه يتضح في ضمير المسلم أن دينه هو دين الله في صورته الأخيرة في الأرض ؛ وأن أمانة العقيدة في البشرية كلها موكولة إليه ؛ يعلم أنه مكلف أن يجاهد في سبيل الله ، كما يحب الله ؛ ويتضح طريقه ، فلا يبقى في تصوره غبش ، ولا يبقى في حياته مجال للتمتمة والغمغمة في هذه القضية ، أو للتردد والتلفت عن الهدف المرسوم والنصيب المقسوم في علم الله وتقديره منذ بعيد .

وفي أثناء توجيهه إلى هذا الهدف الواضح يوجه كذلك إلى خلق المسلم وطبيعة ضميره . وهو أن لا يقول ما لا يفعل ، وألا يختلف له قول وفعل ، ولا ظاهر وباطن ، ولا سريرة وعلانية . وأن يكون هو نفسه في كل حال . متجردا لله . خالصا لدعوته . صريحا في قوله وفعله . ثابت الخطو في طريقه . متضامنا مع إخوانه . كالبنيان المرصوص . .

( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ) . .

تجيء هذه التسبيحة من الوجود كله لله العزيز الحكيم ، في مطلع السورة التي تعلن للمسلمين أن دينهم هو الحلقة الأخيرة في دين الله ؛ وأنهم هم الأمناء على هذا الدين الذي يوحد الله ، وينكر على الكافرين المشركين كفرهم وشركهم ، والذي يدعوهم للجهاد لنصرته ، وقد قدر الله أن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون . فيوحي هذا المطلع أن الأمانة التي يقوم عليها المسلمون هي أمانة الوجود كله ؛ وأن العقيدة التي يطلب إليهم الجهاد فيها هي عقيدة كل ما في السماوات وما في الأرض ؛ وأن ظهور هذا الدين على الدين كله ، هو ظاهرة كونية تتسق مع اتجاه الكون كله إلى الله العزيز الحكيم .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

أهداف سورة الصف

( سورة الصف مدنية ، وآياتها 14 آية ، نزلت بعد سورة التغابن )

وهي سورة تدعو إلى وحدة الصف ، وتماسك الأمة ، وتحث على الجهاد ، وتنفّر من الرياء ، وتبين أن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى الأرض ، وأن رسالات السماء كانت دعوة هادفة لبناء الإنسان والدعوة إلى الخير والعدل ، وقد أرسل الله موسى بالتوراة ، فلما انحرف اليهود عن تعاليم السماء أرسل الله عيسى عليه السلام مجددا لناموس التوراة ، ومبشرا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .

وقد كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، متممة للرسالات السابقة ، مشتملة على مبادئ الحق واليسر والعدل والمساواة ، وقد كره المشركون انتصار النور والخير فحاولوا مقاومة هذه الدعوة وإطفاء نورها ، ولكن الله أيد الإسلام حتى طوى ممالك الفرس والروم ، وعمّ المشارق والمغارب .

وقد حاولت الصليبية الحاقدة اجتياح بلاد الإسلام في فترات متعددة ، من بينها الحروب الصليبية التي انتهت بهزيمة المعتدين وانتصار المسلمين ، ووجهت الصليبية ضرباتها للمسلمين في الأندلس ، وحاولت تصفية الإسلام أيام الدولة العثمانية ، وأطلقت على تركيا لقب : الرجل المريض ، وعلى البلاد التي تحت يدها : تركة الرجل المريض ، فلما قام كمال أتاتورك بإعلان إلغاء الخلافة الإسلامية كبر له الغرب وهلل ، وتراجعت جيوشه من أمام تركيا ، وجعلوا من أتاتورك بطلا عملاقا لقضائه على الخلافة الإسلامية .

وفي هذه الأيام تقوى الحركة الإسلامية في تركيا ، وتمتلئ المساجد والمدارس الإسلامية بالباحثين وتشتد سواعد الحزب الإسلامي هناك ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون .

سبب نزول السورة

جمهور المفسرين على أن صدر هذه السورة نزل حين اشتاق المسلمون إلى معرفة أحب الأعمال إلى الله ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } . ( الصف : 4 ) .

فلما أخبرهم الله بأن أفضل الأعمال بعد الإيمان هو الجهاد في سبيل الله ، كره قوم الجهاد ، وشق عليهم أمره : فقال الله سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } . ( الصف : 2-3 ) .

هدفا السورة

لسورة الصف هدفان رئيسيان :

الهدف الأول : الدعوة إلى الجهاد والحثّ عليه ، والتحذير من كراهيته والفرار منه ، وبيان ثوابه وفضله ، وأنه تجارة رابحة . وتبع ذلك ترسيخ العقيدة ، ووجوب اتفاق الظاهر مع الباطن ، ووجوب الطاعة للقائد ، وتماسك الأمة ، وترابط بنيانها حتى تصبح صفا واحدا ، محكم الأساس ، قوي الوشيجة والرباط ، كأنه بنيان مرصوص .

فالآيات الأربع الأولى دعوة للجهاد ، وتحذير من الخوف والجبن ، وبيان أن العقيدة السليمة تستتبع التضحية والفداء ، حتى يصبح جيش الإسلام قوي البناء متلاحم الصفوف .

والآيات ( 10-12 ) صورة رائعة لفضل الجهاد وثوابه فهو أربح تجارة ، وأفضل سبيل للمغفرة ودخول الجنة ، وهو باب النصر والفتح ، والبشرى للمؤمنين بالسيادة والعزة .

والهدف الثاني : بيان وحدة الرسالات ، فالرسالات الإلهية كلها دعوة إلى التوحيد ، وثورة على الباطل ، وإصلاح للضمير ، وإرساء لمعالم الفضيلة ، ومحاربة للرذيلة .

وقد دعا الرسل جميعا إلى توحيد الله ، وتكفل كل رسول بإرشاد قومه وهدايتهم ونصحهم إلى ما فيه الخير ، وتحذيرهم من الانحراف والشر .

وفي سورة الصف نجد الآية الخامسة تبين رسالة موسى لقومه ، وتذكر عنت اليهود ، وإيذاءهم لموسى وتجريحهم له ، وانصرافهم عن روحانية الدعوة إلى مادية المال .

وفي الآية السادسة نجد عيسى عليه السلام يجدد أمر الناموس ، ويصيح باليهود صيحات ضارعة ، ويعظهم ويدعوهم للإيمان ، ويحثهم على الصدقة ، والعناية بالروح ، وتقديم الخير لوجه الله .

والمسيح يبشر برسالة أحمد خاتم المرسلين ، فالرسالات كلها حلقات متتابعة في تاريخ الهداية والإصلاح ، والإسلام كان ختام هذه الرسالات وآخرها ، والمهيمن عليها ، فقد حفظ تاريخها في القرآن ، ودعا إلى الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل .

قال تعالى : { آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } . ( البقرة : 285 ) .

وروى البخاري في صححيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يقولون : لو وُضعت هذه اللبنة ، فأنا هذه اللبنة وأنا خاتم الرسل " i

وقال تعالى : { قُولُوا آمنّا بِاللّهِ وما أُنْزِل إِليْنا وما أُنْزِل إِلى إِبْراهِيم وإِسْماعِيل وإِسْحاق ويعْقُوب والْأسْباطِ وما أُوتِي مُوسى وعِيسى وما أُوتِي النّبِيُّون مِنْ ربِّهِمْ لا نُفرِّقُ بيْن أحدٍ مِنْهُمْ ونحْنُ لهُ مُسْلِمُون } . ( البقرة : 136 ) .

وفي آخر آية في السورة دعوة للمسلمين أن ينصروا دين الله ، كما نصر الحواريون دين عيسى ، أيام كان دينه توحيدا خالصا ، والعاقبة دائما للمتقين .

والعبرة المستفادة من هذه الدعوة هي استنهاض همة المؤمنين بالدين الأخير ، الأمناء على منهج الله في الأرض ، ورثة العقيدة والرسالة الإلهية ، المختارين لهذه المهمة الكبرى .

استنهاض همتهم لنصرة الله ، ونصرة دينه ورسالته وشريعته : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ . . . }( الصف : 14 ) .

المقصد الإجمالي للسورة

قال الفيروزبادي :

معظم مقصود سور الصف هو : عتاب الذين يقولون أقوالا لا يعلمون بمقتضاها ، وتشريف الغزاة والمصلين ، والتنبيه على جفاء بني إسرائيل ، وإظهار دين المصطفى صلى الله عليه وسلم على سائر الأديان ، وبيان التجارة الرابحة مع الرحمن الرحيم ، والبشارة بنصر أهل الإيمان على الكفر والخذلان .

وحدة الصف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 1 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ( 2 ) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ( 3 ) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ( 4 ) }

المفردات :

سبح لله : نزهه عما لا يليق ومجّده ، ودلّ عليه .

1

1- { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

جميع ما في السماوات ، من ملائكة وأجرام وكواكب ، وشموس وأقمار ، وجميع ما في الأرض من الحيوانات والنباتات وغيرهما ، يسبّح لله بلسان الحال ، فوجود هذا النظام البديع ، من سماء مرفوعة ، وأرض مبسوطة وجبال راسية ، وبحار جارية ، وهواء وفضاء ونبات ، وليل ونهار ، وشمس وقمر ، وظلام ونور ، كل ذلك يدل على وجود قدرة عالية تمسك بنظام هذا الكون وتحفظ توازنه .

وقد يكون التسبيح بلسان المقال ، بمعنى أن يخلق الله في هذه الكائنات وسائل للتسبيح والتعظيم لله ، كما قال تعالى : { وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده ولكن لاّ تفقهون تسبيحهم . . . }( الإسراء : 44 ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصف وتسمى سورة عيسى وسورة الحواريين .

{ سبح لله ما في السموات } [ آية الحديد 1 ص 400 ] .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية في قول الجميع ، فيما ذكر الماوردي . وقيل : إنها مكية ، ذكره النحاس عن ابن عباس . وهي أربع عشرة آية .

تقدم{[14922]} .


[14922]:راجع جـ 17 ص 235.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصف{[1]} وتسمى الحواريين .

مقصودها الحث{[2]} على الاجتهاد التام في{[3]} الاجتماع على قلب{[4]} واحد في جهاد من دعت الممتحنة إلى البراءة منهم ، بحملهم على الدين الحق ، أو محقهم عن جديد الأرض أقصى المحق ، تنزيها للملك{[5]} الأعلى عن الشرك ، وصيانة لجنابه الأقدس عن الإفك ، ودلالة على الصدق في البراءة منهم والعداوة لهم ، فهي{[6]} نتيجة سورة التوبة ، وأدل ما فيها على هذا المقصد الصف بتأمل آيته ، وتدبر ما له{[7]} من جليل النفع في أوله وأثنائه [ وغايته-{[8]} ] ، وكذا الحواريون ( بسم الله ) الملك الأعظم الذي له الأمر كله لأنه لا كفوء له ( الرحمان ) الذي عم بنعمة{[9]} البيان عما يرضيه ممن شاقه ، فقد شرك لكل أحد أن يرده أو يقبله ( الرحيم ) الذي خص{[10]} بإتمام الإنعام الموصل إلى دار السلام من شاء من عباده فهيأه لذلك وأهله .

لما ختمت الممتحنة بالأمر بتنزيهه سبحانه عن{[64786]} تولي من يخالف أمره بالتولي عنهم والبراءة منهم اتباعاً لأهل الصافات المتجردين عن كل ما سوى الله لا سيما عمن{[64787]} كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ، افتتحت الصف بما هو كالعلة لذلك فقال :{ سبح لله } أي أوقع التنزيه الأعظم للملك الأعظم الذي له{ ما في السموات } من جميع الأشياء التي لا يغفل من أفلاكها ونجومها وغير ذلك من{[64788]} جواهرها وأعراضها{[64789]} في طلوعها وأفولها وسيرها في ذهابها ورجوعها وإنشاء السحاب وإنزال المياه وغير ذلك . ولما كان الخطاب مع غير الخلص أكده فقال :{ وما في الأرض } أي بامتثال جميع ما يراد منه مما هو كالمأمور بالنسبة إلى أفعال العقلاء من نزول المياه وإخراج النبات من النجم والشجر وإنضاج الحبوب والثمار - وغير ذلك من الأمور الصغار والكبار .

ولما كان امتثال غير العاقل وعصيان العاقل ربما{[64790]} أوهم نقصاً قال :{ وهو } أي وحده لا شريك له { العزيز } أي العظيم النفع الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ، ويعسر الوصول إليه{[64791]} { الحكيم * } أي الذي يضع الأشياء في أتقن مواضعها ، فما مكّن العاقل من المعصية إلا لإظهار صفات الكمال من العلم والقدرة والحلم{[64792]} والكرم والرحمة والغضب وغير ذلك ، وقد علم بهذا التنزيه وختم آيته بهاتين الصفتين أنه تعالى منزه عما تضمنه يأس الكفار المذكور من{[64793]} أنه لا بعث وعن {[64794]}أن يجعل سبحانه لهم{[64795]} حظاً في الآخرة لأن كلاًّ من عدم البعث والتسوية بين المسيء والمحسن نقص{[64796]} .

وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : افتتحت بالتسبيح لما ختمت به سورة الممتحنة من قوله

{ لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم }[ الممتحنة : 13 ] وهم اليهود ، {[64797]}وقد تقدم{[64798]} الإيماء إلى ما استوجبوا به هذا فأتبع بالتنزيه لما تقدم بيانه فإنه مما تعقب به ذكر جرائم المرتكبات ولا يرد في غير ذلك ، ثم أتبع ذلك بأمر العباد بالوفاء وهو الذي حد لهم{[64799]} في الممتحنة ليتنزهوا عن حال مستوجبي الغضب بنقيض الوفاء والمخالفة بالقلوب والألسنة{[64800]}{ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم }[ آل عمران : 167 ] .

{ لياً بألسنتهم وطعناً في الدين }[ النساء : 46 ] .

{ من الذين قالوا آمنا{[64801]} بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم }[ المائدة : 41 ] .

{ ويقولون آمنا بالله والرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم }[ النور : 47 ] وبمجموع هذا استجمعوا {[64802]}اللعنة والغضب فقيل للمؤمنين :{ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون }[ الصف : 2 ] احذروا أن تشبه أحوالكم حال من استحق المقت واللعنة والغضب ، ثم أتبع بحسن الجزاء لمن{[64803]} وفى قولاً وعقداً ولساناً وضميراً ، وثبت على ما{[64804]} أمر به فقال :{ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً }[ الصف : 4 ] الآية ثم تناسج ما بعد . ولما كان الوارد من هذا الغرض في سورة الممتحنة قد جاء على طريق{[64805]} الوصية وسبيل النصح والإشفاق ، أتبع في سورة الصف بصريح العتب في ذلك والإنكار ليكون بعد ما{[64806]} تمهد في السورة قبل أوقع في الزجر ، وتأمل كم بين قوله سبحانه :{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء }{[64807]}[ الممتحنة : 1 ] وما تضمنته من اللطف{[64808]} وبين قوله : { لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون }[ الصف : 2 ] انتهى .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[64786]:- من م، وفي الأصل وظ: عمن.
[64787]:- من م، وفي الأصل وظ: من.
[64788]:- من ظ وم، وفي الأصل: إعراضها وجواهرها.
[64789]:- من ظ وم، وفي الأصل: إعراضها وجواهرها.
[64790]:- من ظ وم، وفي الأصل: وبما.
[64791]:- زيد من ظ وم.
[64792]:- من ظ وم، وفي الأصل: الحكم.
[64793]:- زيد من ظ وم.
[64794]:- من ظ وم، وفي الأصل: إنه يجعل لهم سبحانه.
[64795]:- من ظ وم، وفي الأصل: إنه يجعل لهم سبحانه.
[64796]:- من ظ وم، وفي الأصل: انتهى.
[64797]:- من ظ وم، وفي الأصل: قدم.
[64798]:-من ظ وم، وفي الأصل: قدم.
[64799]:- من ظ وم، وفي الأصل: بهم.
[64800]:- زيد من ظ.
[64801]:- زيد من ظ وم.
[64802]:- في ظ: استحقوا.
[64803]:- من ظ وم، وفي الأصل: لم.
[64804]:- زيد من ظ وم.
[64805]:- من ظ وم، وفي الأصل: سبيل.
[64806]:- زيد من ظ وم.
[64807]:- تكرر في الأصل فقط.
[64808]:- في م: التلطف.