مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصف

{ سبح ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ، يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } .

وجه التعلق بما قبلها هو أن في تلك السورة بيان الخروج جهادا في سبيل الله وابتغاء مرضاته بقوله : { إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي } وفي هذه السورة بيان ما يحمل أهل الإيمان ويحثهم على الجهاد بقوله تعالى : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } وأما الأول بالآخر ، فكأنه قال : إن كان الكفرة بجهلهم يصفون لحضرتنا للمقدسة بما لا يليق بالحضرة ، فقد كانت الملائكة وغيرهم من الإنس والجن يسبحون لحضرتنا ، كما قال : { سبح لله ما في السماوات وما في الأرض } أي شهد له بالربوبية والوحدانية وغيرهما من الصفات الحميدة جميع ما في السماوات والأرض و{ العزيز } من عز إذا غلب ، وهو الذي يغلب على غيره أي شيء كان ذلك الغير ، ولا يمكن أن يغلب عليه غيره و{ الحكيم } من حكم على الشيء إذا قضى عليه ، وهو الذي يحكم على غيره ، أي شيء كان ذلك الغير ، ولا يمكن أن يحكم عليه غيره ، فقوله : { سبح لله ما في السماوات وما في الأرض } يدل على الربوبية والوحدانية إذن ، ثم إنه تعالى قال في البعض من السور : سبح لله ، وفي البعض : يسبح ، وفي البعض : { سبح } بصيغة الأمر ، ليعلم أن تسبيح حضرة الله تعالى دائم غير منقطع لما أن الماضي يدل عليه في الماضي من الزمان ، والمستقبل يدل عليه في المستقبل من الزمان ، والأمر يدل عليه في الحال .