اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصف [ مدنية ]{[1]} في قول الأكثرين . وذكر النحاس [ عن ابن عباس ]{[2]} : أنها مكية ، وهي أربع عشرة آية ومئتان وإحدى وعشرون كلمة وتسعمائة حرف .

قوله تعالى :{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 1 ) } .

قال ابن الخطيب{[56365]} : وجه تعلق هذه السورة بما قبلها ، هو أن في السورة التي قبلها ، بين الخروج إلى الجهاد في سبيل الله ، وابتغاء مرضاته بقوله : { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وابتغاء مَرْضَاتِي }[ الممتحنة : 1 ] ، وفي هذه السورة بين ما يحمل المؤمن ، ويحثّه على الجهاد ، فقال :{ إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ }[ الصف : 3 ] .

فإن قيل : ما الحكمة في أنه - تعالى - قال في بعض السور : «سبَّح للَّهِ » بلفظ الماضي ، وفي بعضها : «يُسَبِّحُ » بلفظ المضارع ، وفي بعضها بلفظ الأمر ؟ .

فالجواب : أن الحكم في ذلك تعليم العبد ، أن تسبيح الله تعالى دائم لا ينقطع ، كما أن الماضي يدل عليه في الماضي من الزمان ، والمستقبل يدل عليه في المستقبل من الزمان والأمر يدل عليه في الحال{[56366]} .

و«العَزِيزُ » : هو الغالب على غيره أي شيءٍ كان ذلك الغير ، ولا يمكن أن [ يحكم ]{[56367]} عليه غيره ، و«الحَكِيمُ » : هو الذي يحكم على غيره ، أي شيء كان ذلك الغير .

فإن قيل : هلاَّ قيل : سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وما فيهما وهو أكثر مبالغة ؟ فالجواب{[56368]} : إنما يكون كذلك ، إذا كان المراد التَّسبيح بلسان الحال ، أما إذا كان المراد من التسبيح المخصوص باللسان فالبعض بوصف معين ، فلا يكون كذلك .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[56365]:ينظر: الفخر الرازي 29/269.
[56366]:في أ: المكان.
[56367]:في أ: يغلب.
[56368]:ينظر: السابق 29/270.