فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصف وهي أربع عشرة آية وهي مدنية ، وهو المختار ، ونسبل إلى الجمهور ، قال ابن عباس : نزلت بالمدينة ، وعن ابن الزبير مثله ، وعن ابن عباس أيضا بمكة ، ولعل هذا لا يصح عنه ، وبه قال عكرمة والحسن وقتادة ، وجزم به الزمخشري ويؤيد كونها مدنية ما أخرجه أحمد : " عن عبد الله بن سلام قال : تذاكرنا أيكم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ فلم يقم أحد منا فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا رجلا ، فجمعنا وقرأ علينا هذه السورة يعني سورة الصف كلها " وأخرجه ( {[1]} ) ابن أبي حاتم ، وقال في آخره فنزلت فيهم هذه السورة ، وأخرجه أيضا الترمذي وابن حبان والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين ، والبيهقي في الشعب والسنن .

بسم الله الرحمن الرحيم :

{ سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ( 1 ) يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ( 2 ) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( 3 ) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ( 4 ) وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ( 5 ) وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ( 6 ) } .

{ سبح لله ما في السموات وما في الأرض } قد تقدم الكلام على هذا ، ووجه التعبير في بعض السور بلفظ الماضي كهذه السورة ، وفي بعضها بالمضارع ، وفي بعضها بلفظ الأمر ، الإرشاد إلى مشروعية التسبيح في كل الأوقات ماضيها ومستقبلها وحالها ، وقد قدمنا نحو هذا في أول سورة الحديد ، وأعاد الموصول هنا وفي الحشر والجمعة والتغابن جريا على الأصل ، وأسقطه في الحديد موافقة لقوله فيها : له ملك السموات والأرض .

وقوله : { هو الذي خلق السموات والأرض } ، ولم يقل : سبح لله السموات والأرض وما فيهما ، فيكون أكثر مبالغة لأن المراد بالسماء جهة العلو فيشمل السماء وما فيها ، وبالأرض جهة السفل فيشمل الأرض وما فيها ، { وهو العزيز } أي الغالب الذي لا يغالب ، { الحكيم } في أفعاله وأقواله .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.