السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية في قول الأكثرين ، وذكر النحاس عن ابن عباس أنها مكية ، وهي أربع عشرة آية ومائتان وإحدى وعشرون كلمة وتسعمائة حرف .

{ بسم الله } الملك الأعظم الذي لا كفء له { الرحمن } الذي عم بفضله كل أحد من خلقه { الرحيم } الذي خص من شاء من عباده فهيأه لعبادته وأهله .

{ سبح لله } أي : أوقع التنزيه الأعظم للملك الأعظم { ما في السماوات } من جميع الملائكة وغيرها كالأفلاك والنجوم { وما في الأرض } كذلك من الآدميين وغيرهم كالشجر والثمار . وقيل : اللام مزيدة ، أي : نزه الله وأتى بما دون من ، قال الجلال المحلي : تغليباً للأكثر ا . ه .

فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى قال في بعض السور سبح لله بلفظ الماضي ، وفي بعضها يسبح بلفظ المضارع ، وفي بعضها فسبح بلفظ الأمر ؟ .

أجيب : بأن الحكمة في ذلك تعليم العبد أن يسبح الله تعالى على الدوام كما أن الماضي يدل عليه في الماضي من الزمان ، والمستقبل يدل عليه في المستقبل من الزمان ، والأمر يدل عليه في الحال فإن قيل : هلا قيل سبح لله السماوات والأرض وما فيهما ، وهو أكثر مبالغة أجيب : بأن المراد بالسماء جهة العلو فيشمل السماء وما فيها ، وبالأرض جهة السفل فيشمل الأرض وما فيها { وهو } أي : وحده { العزيز } أي : الغالب على غيره أي شيء كان ذلك الغير ، ولا يمكن أن يغلب عليه غيره { الحكيم } أي : الذي يضع الأشياء في أتقن مواضعها . روى الدرامي في مسنده قال : أنبأنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال : قعدنا مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا ، فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه ، فأنزل الله تعالى : { سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم } .