في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

1

ولكن أولئك القوم لم ينظروا للمسألة من هذا الجانب أصلا . إنما نظروا إليها من جانب آخر ساذج شديد السذاجة ، بعيد كل البعد عن إدراك حقيقة الحياة والموت ، وعن إدراك أي طرف من حقيقة قدرة الله . فقالوا : ( أئذا متنا وكنا ترابا ? ذلك رجع بعيد ) !

والمسألة إذن في نظرهم هي مسألة استبعاد الحياة بعد الموت والبلى . وهي نظرة ساذجة كما أسلفنا ، لأن معجزة الحياة التي حدثت مرة يمكن أن تحدث مرة أخرى . كما أن هذه المعجزة تقع أمامهم في كل لحظة ، وتحيط بهم في جنبات الكون كله . وهذا هو الجانب الذي قادهم إليه القرآن في هذه السورة .

غير أننا قبل أن نمضي مع لمسات القرآن وآياته الكونية في معرض الحياة ، نقف أمام لمسة البلى والدثور التي تتمثل في حكاية قولهم والتعليق عليه :

أإذا متنا وكنا ترابا . . . ? . . وإذن فالناس يموتون . وإذن فهم يصيرون ترابا . وكل من يقرأ حكاية قول المشركين يلتفت مباشرة إلى ذات نفسه ، وإلى غيره من الأحياء حوله . يلتفت ليتصور الموت والبلى والدثور . بل ليحس دبيب البلى في جسده وهو بعد حي فوق التراب ! وما كالموت يهز قلب الحي ، وليس كالبلى يمسه بالرجفة والارتعاش .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

1

المفردات :

ذلك رجع بعيد : ذلك البعث رجع بعيد عن الوقوع ، أو عن الإمكان .

التفسير :

3- { أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد } .

إذا متنا ودفنا في الأرض ، وتفسخت أجسامنا ، وأدركنا الفناء والبلى ، فإن عودة الحياة إلينا بعيدة ، فما أبعد الفرق بين الموت والغياب في الأرض ، وتمزق الجسد ووهن العظام وتفتتها ، ثم الحياة والحركة والبعث .

وكثيرا ما استعرض القرآن شبهات الكافرين وناقشها وفنّدها ، فذكر ما يأتي :

( أ ) الذي بدأ الخلق أول مرة قادر على الإعادة مرة أخرى .

( ب ) قدرة الله لا حدود لها ، فهو على كل شيء قدير .

( ج ) علم الله محيط بكل شيء ، فهو يعلم كل ذرة في أجسامهم ، وعنده كتاب قد سجل فيه كل شيء عنهم .

قال تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ( 78 ) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ( 79 ) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ( 80 ) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ( 81 ) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 82 ) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 83 ) } . ( يس : 78-83 ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

ثم قرروا التعجب بقولهم : { أئذا متنا وكنا ترابا } أي أحين نموت ونصير ترابا نرجع كما يقول ! ؟ { ذلك رجع بعيد أي البعث بعد الموت رجع بعيد عن الأفهام أو العادة ، أو الإمكان . يقال : رجعته أرجعه رجعا . ورجع هو يرجع رجوعا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

ثم ذكر وجه تعجبهم فقال : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } فقاسوا قدرة من هو على كل شيء قدير ، الكامل من كل وجه ، بقدرة العبد الفقير العاجز من جميع الوجوه ، وقاسوا الجاهل ، الذي لا علم له ، بمن هو بكل شيء عليم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

قوله تعالى : { أئذا متنا وكنا ترابا } نبعث ترك ذكر البعث لدلالة الكلام عليه ، { ذلك رجع } أي : رد إلى الحياة { بعيد } غير كائن ، أي : يبعد أن نبعث بعد الموت .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

وقالوا أيضا: {أئنا متنا وكنا ترابا ذلك رجع} إلى الحياة {بعيد} بأن البعث غير كائن...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول القائل: لم يجر للبعث ذكر، فيخبر عن هؤلاء القوم بكفرهم ما دعوا إليه من ذلك، فما وجه الخبر عنهم بإنكارهم ما لم يدعوا إليه، وجوابهم عما لم يُسألوا عنه. قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك، فنذكر ما قالوا في ذلك، ثم نتبعه البيان إن شاء الله تعالى، فقال في ذلك بعض نحوّيي البصرة قال: أئذا مِتْنا وكُنّا تُرَابا ذَلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ، لم يذكر أنه راجع، وذلك والله أعلم لأنه كان على جواب، كأنه قيل لهم: إنكم ترجعون، فقالوا:"أئِذَا متنا وكُنّا تُرَابا ذَلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ". وقال بعض نحوّيي الكوفة قوله: "أئِذَا متْنا وكُنّا تُرَابا "كلام لم يظهر قبله، ما يكون هذا جوابا له، ولكن معناه مضمر، إنما كان والله أعلم: ق والقرآن المجيد لَتُبْعثنّ بعد الموت، فقالوا: أئذَا كنا ترابا بُعثنا؟ جحدوا البعث، ثم قالوا: "ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ" جحدوه أصلاً، قوله: "بَعِيدٌ" كما تقول للرجل يخطئ في المسألة، لقد ذهبت مذهبا بعيدا من الصواب: أي أخطأت. والصواب من القول في ذلك عندنا، أن في هذا الكلام متروكا استغني بدلالة ما ذُكر عليه من ذكره، وذلك أن الله دلّ بخبره عن تكذيب هؤلاء المشركين الذين ابتدأ هذه السورة بالخبر عن تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: "بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ" على وعيده إياهم على تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال لهم: إذ قالوا منكرين رسالة الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم "هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ" ستعلمون أيها القوم إذا أنتم بُعثتم يوم القيامة ما يكون حالكم في تكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم، وإنكاركم نبوّته، فقالوا مجيبين رسول الله صلى الله عليه وسلم "أئِذَا مِتْنا وكُنّا تُرابا" نعلم ذلك، ونرى ما تعدنا على تكذيبك "ذلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ": أي أن ذلك غير كائن، ولسنا راجعين أحياء بعد مماتنا، فاستغني بدلالة قوله: "بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فقال الكافرون هَذَا شَيْءٌ عَجيبٌ" من ذكر ما ذكرت من الخبر عن وعيدهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فَقَالَ الكافرون هذا شيء عَجِيبٌ أَءذَا مِتْنَا} دلالة على أن تعجبهم من البعث أدخل في الاستبعاد وأحق بالإنكار، ووضع الكافرون موضع الضمير للشهادة على أنهم في قولهم هذا مقدمون على الكفر العظيم. وهذا إشارة إلى الرجع؛ وإذا منصوب بمضمر؛ معناه: أحين نموت ونبلى نرجع؟ {ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ} مستبعد مستنكر...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فإنهم لما أظهروا العجب من رسالته أظهروا استبعاد كلامه...

فقوله {أئذا متنا وكنا ترابا} إنكار منهم بقول أو بمفهوم دل عليه قوله تعالى: {جاءهم منذر} لأن الإنذار لما لم يكن إلا بالعذاب المقيم والعقاب الأليم، كان فيه الإشارة للحشر، فقالوا {أئذا متنا وكنا ترابا}.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(أئذا متنا وكنا ترابا؟ ذلك رجع بعيد)! والمسألة إذن في نظرهم هي مسألة استبعاد الحياة بعد الموت والبلى. وهي نظرة ساذجة كما أسلفنا، لأن معجزة الحياة التي حدثت مرة يمكن أن تحدث مرة أخرى. كما أن هذه المعجزة تقع أمامهم في كل لحظة، وتحيط بهم في جنبات الكون كله. وهذا هو الجانب الذي قادهم إليه القرآن في هذه السورة. غير أننا قبل أن نمضي مع لمسات القرآن وآياته الكونية في معرض الحياة، نقف أمام لمسة البلى والدثور التي تتمثل في حكاية قولهم والتعليق عليه: أإذا متنا وكنا ترابا...؟.. وإذن فالناس يموتون. وإذن فهم يصيرون ترابا. وكل من يقرأ حكاية قول المشركين يلتفت مباشرة إلى ذات نفسه، وإلى غيره من الأحياء حوله. يلتفت ليتصور الموت والبلى والدثور. بل ليحس دبيب البلى في جسده وهو بعد حي فوق التراب...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وعرج كتاب الله على عقيدة "البعث " التي هي عقيدة أساسية في دين الله الذي لا يتبدل، والتي دعا إلى الإيمان بها كافة الأنبياء والرسل، وتحدث عن الشبه السخيفة والحجج الواهية، التي يلوكها بألسنتهم من لا يؤمنون بهذه العقيدة الثابتة، ومرد شبههم كلها إلى استبعاد الحياة من بعد الموت...

وذلك قوله تعالى حكاية عنهم: {أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد3}، أي: بعيد الوقوع

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

{ أئذا متنا وكنا ترابا } نبعث وهذا استفهام إنكار وجوابه محذوف ثم أنكروا ذلك أصلا فقالوا { ذلك } أي البعث { رجع بعيد } رد لا يكون قال الله تعالى

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

قوله تعالى : " أئذا متنا وكنا ترابا " نبعث ، ففيه إضمار . " ذلك رجع بعيد " الرجع الرد أي هو رد بعيد أي محال . يقال : رجعته أرجعه رجعا ، ورجع هو يرجع رجوعا ، وفيه إضمار آخر ، أي وقالوا أنبعث إذا متنا . وذكر البعث وإن لم يجرها هنا فقد جرى في مواضع ، والقرآن كالسورة الواحدة . وأيضا ذكر البعث منطو تحت قوله : " بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم " لأنه إنما ينذر بالعقاب والحساب في الآخرة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

ولما كان المتعجب منه مجملاً ، أوضحه بقوله حكاية عنهم مبالغين في الإنكار ، بافتتاح إنكارهم باستفهام إنكاري : { إذا متنا } ففارقت أرواحنا أشباحنا { وكنا تراباً } لا فرق بينه وبين تراب الأرض . ولما كان العامل في الظرف ما تقديره : نرجع ؟ دل عليه بقوله والإشارة بأداة البعد {[61063]}إلى عظيم{[61064]} استبعادهم : { ذلك } أي الأمر الذي هو في {[61065]}تمييز ترابنا من بقية التراب{[61066]} في غاية البعد ، وهو مضمون الخبر برجوعنا { رجع } أي رد إلى ما كنا عليه{[61067]} { بعيد * } جداً-{[61068]} لأنه لا يمكن تمييز ترابنا من بقية التراب .


[61063]:من مد، وفي الأصل: وهو.
[61064]:من مد، وفي الأصل: وهو.
[61065]:ليس ما بين الرقمين في مد.
[61066]:ليس ما بين الرقمين في مد.
[61067]:زيد في الأصل: هذا هو، هذا أمر، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[61068]:زيد من مد.