فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

{ بل عجبوا } بل للإضراب عن الجواب على اختلاف الأقوال لبيان حالهم الزائدة في الشناعة على عدم الإيمان ، والمعنى بل عجب الكفار { أن } أي لأن { جاءهم منذر منهم } وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يكتفوا بمجرد الشك والرد بل جعلوا ذلك من الأمور العجيبة ، وقيل : هو إضراب عن وصف القرآن بكونه مجيدا ، وقد تقدم تفسير هذا في سورة ص ثم فسر ما حكاه عنهم من كونهم عجبوا بقوله :

{ فقال الكافرون هذا شيء عجيب } وفيه زيادة تصريح وإيضاح وإضمار ذكرهم ، ثم إظهاره للإشعار بتعنتهم في هذا المقال . ثم التسجيل على كفرهم بهذا المقال ، قتال قتادة : عجبهم أن دعوا إلى إله واحد ، وقيل تعجبهم من البعث والنشور . والذي نص عليه القرآن أولى ، فيكون لفظ هذا إشارة إلى مبهم مفسر بما بعده من قوله : { أئذا متنا وكنا ترابا } وقال الشوكاني : الأول أولى قال الرازي : الظاهر أن قولهم هذا إشارة إلى مجيء المنذر ثم قالوا { أئذا متنا وكنا ترابا } وأيضا قد وجد ههنا بعد الاستبعاد بالاستفهام أمر يؤدي معنى التعجب وهو قولهم : { ذلك رجع بعيد } فإنه استبعاد ، وهو كالتعجب ، فلو كان التعجب بقولهم : { هذا شيء عجيب } عائدا إلى قولهم { أئذا } لكان كالتكرار . فإن قيل التكرار الصريح يلزم من قولك هذا شيء عجيب أنه يعود إلى مجيء المنذر ، فإن تعجبهم منه علم من قوله : { عجبوا أن جاءهم } ، فقوله : { هذا شيء عجيب } يكون تكرارا ، فنقول ذلك ليس بتكرار بل هو تقرير ، لأنه لما قال : { بل عجبوا } بصيغة الفعل وجاز أن بتعجب الإنسان مما لا يكون عجبا ، كقوله : { أتعجبين من أمر الله } ؟ ويقال في العرف لا وجه لتعجبك مما ليس بعجيب ، فكأنهم لما عجبوا قيل لهم لا معنى لتعجبكم ، فقالوا : { هذا شيء عجيب } فكيف لا نعجب منه ويدل على ذلك قوله ههنا : { فقال الكافرون } بالفاء فإنها تدل على أنه مترتب على ما تقدم .

قرأ الجمهور بالاستفهام وقرئ بهمزة واحدة فيحتمل الإستفهام كقراءة الجمهور ، والهمزة مقدرة ، ويحتمل أن يكون معناه الإخبار والمعنى استنكارهم للبعث بعد موتهم ومصيرهم ترابا . ثم جزموا باستبعادهم للبعث فقالوا :

{ ذلك } أي البعث { رجع بعيد } أي بعيد عن الأفهام أو العقول أو العادة أو الإمكان يقال رجعته أرجعه رجعا ، ورجع هو يرجع رجوعا