ويتبع هذه اللمسة المحيية ، وذلك العتاب المخجل ، وذاك التذكير والتحذير ، بحافز جديد للبذل والفداء :
( إن المصدقين والمصدقات ، وأقرضوا الله قرضا حسنا ، يضاعف لهم ولهم أجر كريم . والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ، والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ؛ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ) . .
إن المتصدقين والمتصدقات لا يتفضلون على آخذي الصدقات ، ولا يتعاملون في هذا مع الناس . إنما هم يقرضون الله ويتعاملون مباشرة معه . فأي حافز للصدقة أوقع وأعمق من شعور المعطي بأنه يقرض الغني الحميد ، وأنه يتعامل مع مالك الوجود? وأن ما ينفقه مخلف عليه مضاعفا ؛ وأن له بعد ذلك كله أجرا كريما ?
المصدقين : المتصدقين بأموالهم على البائسين وذوي الحاجة .
القرض الحسن : الدفع بنية خالصة ابتغاء مرضاة الله .
18- { إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } .
يحث القرآن على الصدقة والتصدّق ابتغاء وجه الله ، وتذكر الآية هنا أن المتصدقين والمتصدقات الذين تصدقوا بأموالهم رغبة خالصة فيما عند الله ، فكأنهم أقرضوا أموالهم لله في الدنيا ، لينالوا ثواب ذلك في الآخرة ، فأي شرف وأي فضل أعظم من ذلك .
إن المتصدق يضع المال في يد الله قبل أن يضعه في يد الفقير ، فينميه ويباركه ، ويضاعفه أضعافا كثيرة ، ويعطي على الحسنة عشرا إلى سبعمائة ضعف ، وفوق ذلك أجر كريم ، وجزاء عظيم ، وكرامة عظمى لهؤلاء الذين صدقوا في إيمانهم ، وقدموا أموالهم رخيصة في مرضاة الله تعالى ، مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والليث بن سعد وأمثالهم .
والمصدّق هو المتصدق ، أُدغمت التاء في الصاد ، ويمكن أن يراد بالمصدّقين الذين تكرر صدقهم مع الله في عبادتهم ومعاملاتهم وسلوكهم ، فاستحقوا لقب المصدقين ، أي أهل الصدق مع الله تعالى ، فهي من التصديق لا من الصدقة ، ويمكن أن ينطبق الوصفان على شخص واحد ، فهو يتصدق كثيرا ابتغاء وجه الله ، وهو صادق مع الله ، كثير التصديق لكلام الله ، ومن أصدق من الله حديثا .
المصّدِّقين والمصدقات : بالتشديد هم المنفقون في سبيل الله .
والله سبحانه يجازي كلَّ إنسان بعمله ، فالمتصدّقون والمتصدقات الذي ينفقون في سبيل الله بنفوس سخيّة طيبة ، يضاعفُ الله لهم ثوابَ ذلك ، وفوق المضاعَفة لهم أجرٌ كريم عنده يوم القيامة .
قرأ ابن كثير وأبو بكر : إن المصَدقين والمصدقات بفتح الصاد من غير تشديد . والباقون : بالتشديد .
وقوله عز وجل : { إن المصدقين والمصدقات } قرأ ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من التصديق أي : المؤمنين والمؤمنات ، وقرأ الآخرون بتشديدهما أي المتصدقين والمتصدقات أدغمت التاء في الصاد ، { وأقرضوا الله قرضاً حسناً } بالصدقة والنفقة في سبيل الله عز وجل ، { يضاعف لهم } ذلك القرض { ولهم أجر كريم } ثواب حسن وهو الجنة .
ولما كانت الصدقة كالبذر الذي تقدم أن الله تعالى يحييه ويضاعفه أضعافاً كثيرة على حسب زكاء الأرض ، قال منتجاً مما مضى ما يعرف أن من أعظم ما دل على الخشوع المحثوث عليه والبعد عن حال{[62505]} الذين أوتوا الكتاب في القسوة الصدقة بالإنفاق الذي قرنه في أولها بالإيمان ، وحث عليه في كثير من آياتها تنبيهاً على أنه ثمرته التي لا تخلف عنه ، معبراً عنه بما يرشد إلى أنه المصدق لدعواه ، وأكده{[62506]} لمن يشك في البعث من إنكار بركة الصدقة عاجلاً أو آجلاً تقيداً بالمحسوسات : { إن المصدقين } أي العريقين في هذا الوصف من الرجال { والمصدقات } أي من النساء بأموالهم على الضعفاء الذين إعطاؤهم يدل على الصدق في الإيمان لكون{[62507]} المعطى لا يرجى منه نفع دنيوي ، ولعله أدغم إشارة إلى إخفاء الصدقات ، وقراءة [ أبي ]{[62508]} رضي الله عنه بالإظهار ترشد إلى الإكثار من الصدقة حتى تصير ظاهرة ، وقراءة ابن كثير وأبي بكر عن عاصم بالتخفيف{[62509]} تدل مع ذلك على التصديق بالإيمان ، فكل من القراءات يدل عليهما ، ومن التفصيل بذكر النوعين تعرف شدة الاعتناء .
ولما كانت صيغة التفعل تدل على التكلف حثاً على حمل النفس على التطبع بذلك حتى يصير لها خلقاً في غاية الخفة عليها فقال عاطفاً على صلة الموصول في اسم الفاعل معبراً بالماضي بعد إفهام الوصف الثبات دلالة على الإيقاع بالفعل عطفاً على ما{[62510]} تقديره موقعاً ضميراً المذكر على الصنفين تغليباً الذين صدقوا إيمانهم بالتصدق{[62511]} : { وأقرضوا الله } الذي له الكمال كله بتصديقهم سواء كانوا من الذكور أو الإناث ، وإنفاقهم في كل ما ندب إلى الإنفاق{[62512]} فيه ، وأكد ووصف بقوله : { قرضاً حسناً } أي بغاية ما يكون من طيب النفس وإخلاص النية في الصدقة والنفقة في سبيل الخير ، وحسنه أن يصرف {[62513]}بصره إلى النظر{[62514]} إلى فعله والامتياز به وطلب العوض عليه ، قال الرازي : { يضاعف } أي ذاك القرض { لهم } ويثابون بحسب تلك المضاعفة لأن الذي كان القرض له سبحانه حليم كريم ولا يرضى في الخير إلا بالفضل ، وثقل في قراءة ابن كثير وابن عامر وأبي جعفر ويعقوب{[62515]} دلالة على المبالغة في التكثير ، وعبر بالمفاعلة{[62516]} في قراءة الجماعة لإفهام أن تلك الكثرة مما لا بد من كونه ، وأنه عمل فيه عمل من يباري آخر ويغالبه ، وبنى للمفعول دلالة على باهر العظمة اللازم عنه كونه بغاية السهولة { ولهم } أي مع المضاعفة { أجر كريم * } أي لا كدر فيه بانقطاع ولا قلة ولا زيادة بوجه من الوجوه أصلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.