ومن ثم عرف فرعون كيف يلعب بأوتار هذه القلوب ويستغفلها بالبريق القريب !
( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ? ) .
وهو يعني بالمهانة أن موسى ليس ملكاً ولا أميراً ولا صاحب سطوة ومال مشهود . أم لعله يشير بهذا إلى أنه من ذلك الشعب المستعبد المهين . شعب إسرائيل . أما قوله : ( ولا يكاد يبين )فهو استغلال لما كان معروفاً عن موسى قبل خروجه من مصر من حبسة اللسان . وإلا فقد استجاب الله سؤاله حين دعاه : ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) . . وحلت عقدة لسانه فعلاً ، وعاد يبين .
وعند الجماهير الساذجة الغافلة لا بد أن يكون فرعون الذي له ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحته ، خيراً من موسى - عليه السلام - ومعه كلمة الحق ومقام النبوة ودعوة النجاة من العذاب الأليم !
يبين : يفصح عن كلامه ، وكانت بموسى لثغة في لسانه ، كما قال ابن عباس .
52- { أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين } . أي : بل أنا خير وأفضل من موسى الذي هو فقير وضيع ، من طائفة بني إسرائيل الذين نستعبدهم ونستذلهم .
وكان موسى قد أمسك جمرة في صغره فوضعها في فمه ، فتركت أثرها في لسانه ، فلما بشره الله برسالته سأل الله أن يحل عقدة لسانه ، فاستجاب الله له .
قال تعالى على لسانه : { قل رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي } . ( طه : 25-28 ) .
ثم قال تعالى بعد ذلك : { قال قد أوتيت سؤلك يا موسى } ( طه : 36 ) .
فموسى كان معه البيان والتوراة ، والمعجزات والصبر والبلاغ ، لكن فرعون كان ينظر إلى موسى بعين كافرة شقية ، رغبت في ترويج الكذب والافتراء على الرعية .
قوله تعالى : { أم أنا خير } بل أنا خير ، " أم " بمعنى بل ليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين ، وقال الفراء : الوقف على قوله : " أم " ، وفيه إضمار ، مجازه : أفلا تبصرون أم تبصرون ، ثم ابتدأ فقال : { أنا خير } ، { من هذا الذي هو مهين } ضعيف حقير يعني موسى ، قوله : { ولا يكاد يبين } يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه .
ولما أرشد السياق إلى أن التقدير : أفهذا الذي جاء يسلبنا عبيدنا بني إسرائيل خير عندكم مني ؟ نسق عليه قوله : { أم أنا خير } مع ما وصفت لكم من ضخامتي وما لي من القدرة على إجراء المياه التي بها حياة كل شيء ، ونقل ابن الجوزي وغيره من المفسرين عن سيبويه وأستاذه الخليل أنها معادلة لتقريرهم بالإبصار ، فكأنه قال : أفلا تبصرون ما ذكرتكم به فترون لعدم إبصاركم أنه خير مني أم أنا خير منه لأنكم لا تبصرون ، وكان هو أحق بهذه النصيحة منهم فإنه أراهم الطريق الواضحة إلى الضلال الموصلة إليه من غير مشقة ولا تعب بقوله : أفلا تبصرون أم أنتم بصراء ، فيكون ذلك احتباكاً تقديره : أفلا تبصرون ما نبهتكم عليه ، فذكر الإبصار أولاً دليلاً على حذف مثلها ثانياً والخيرية ثانياً دليلاً على حذف مثلها أولاً ، وحقر من عظمة الآتي له بتلك الآيات صلى الله عليه وسلم لئلا يسرع الناس إلى اتباعه لأن آياته - لكونها من عند الله - كالشمس بهجة وعلواً وشهرة فقال : { من هذا } فكنى بإشارة القريب عن تحقيره ، ثم وصفه بما يبين مراده فقال : { الذي هو مهين } أي ضعيف حقير قليل ذليل ، لأنه يتعاطى أموره بنفسه ، وليس له ملك ولا قوة يجري بها نهراً ولا ينفذ بها أمراً { ولا يكاد يبين } أي لا يقرب من أن يعرب عن معنىً من المعاني لما في لسانه من الحبسة فلا هو قادر في نفسه ولا له قوة بلسانه على تصريف المعاني وتنويع البيان يستجلب القلوب ويدهش الألباب فيكثر أتباعه ويضخم أمره ، وقد كذب في جميع قوله ، فقد كان موسى عليه الصلاة والسلام أبلغ أهل زمانه قولاً وفعلاً بتقدير الله الذي أرسله له وأمره إياه ولكن الخبيث أسند هذا إلى ما بقي في لسانه من الحبسة تخييلاً لأتباعه لأن موسى عليه الصلاة والسلام ما دعا بإزالة حبسته بل بعقدة منها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.