في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

1

ثم يكشف عن حقيقة حالهم التي تنبعث منها تلك الاعتراضات الواهية . ذلك أنهم تركوا الحق الثابت ، فمادت الأرض من تحتهم ، ولم يعودوا يستقرون على شيء أبدا :

( بل كذبوا بالحق لما جاءهم ، فهم في أمر مريج ) . .

وإنه لتعبير فريد مصور مشخص لحال من يفارقون الحق الثابت ، فلا يقر لهم من بعده قرار . .

إن الحق هو النقطة الثابتة التي يقف عليها من يؤمن بالحق فلا تتزعزع قدماه ، ولا تضطرب خطاه ، لأن الأرض ثابتة تحت قدميه لا تتزلزل ولا تخسف ولا تغوص . وكل ما حوله - عدا الحق الثابت - مضطرب مائج مزعزع مريج ، لا ثبات له ولا استقرار ، ولا صلابة له ولا احتمال . فمن تجاوز نقطة الحق الثابتة زلت قدماه في ذلك المضطرب المريج ، وفقد الثبات والاستقرار ، والطمأنينة والقرار . فهو أبدا في أمر مريج لا يستقر على حال !

ومن يفارق الحق تتقاذفه الأهواء ، وتتناوحه الهواجس ، وتتخاطفه الهواتف ، وتمزقه الحيرة ، وتقلقه الشكوك . ويضطرب سعيه هنا وهناك ، وتتأرجح مواقفه إلى اليمين وإلى الشمال . وهو لا يلوذ من حيرته بركن ركين ، ولا بملجأ أمين . . فهو في أمر مريج . .

إنه تعبير عجيب ، يجسم خلجات القلوب ، وكأنها حركة تتبعها العيون !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

1

المفردات :

بالحق : بالنبوة الثابتة بالمعجزات .

فهم في أمر مريج : فهم في أمر مضطرب ، من مَرَجَ الخاتم في أصبعه ، إذا تحرك واضطرب من الهزال .

التفسير :

5- { بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج } .

بل للإضراب والانتقال إلى ما هو أعظم من استبعادهم للبعث والحشر ، فهم قد كذبوا بالوحي الإلهي ، وهو القرآن الكريم ، وكذبوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته لما جاءهم ، وقالوا عن القرآن : أساطير الأولين ، وقالوا : أضغاث أحلام ، وقالوا : إنما يعلمه بشر ، وقالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم : ساحر ، وشاعر ، وكاهن ، وكاذب ، وفقير ، وقالوا : إنه بشر ، هلا كان ملكا ، وقالوا غير ذلك مما يدل على اضطرارهم واختلالهم ، فهم لم يثبتوا على حال واحدة من القول ، والقرآن يصور اضطرابهم بحال إنسان يريد أن يوجه تهما متعددة لآخر ، فينتقل من رأي إلى آخر ، ولا يستقر على حال .

قال تعالى : { بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون } . ( الأنبياء : 5 ) .

ونلحظ أن القرآن هنا قد استعمل كلمة مناسبة في الرد عليهم حين قال :

{ فهم في أمر مريج } .

أي : مضطرب مختلط ، بحيث لا يستقرون على حال ، يقال مرج الأمر -بزنة طرب- إذا اختلط وتزعزع وفقد الثبات والاستقرار والصلاح ، ومنه قولهم : مرجت أمانات الناس ، إذا فسدت وعمتهم الخيانة ، ومرج الخاتم في أصبع فلان ، إذا تخلخل واضطرب لشدة هزال صاحبه .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

كذّبوا بالحق : كذبوا بالنبوة الثابتة .

مريج : مختلط ، مضطرب .

ثم بين الله تكذيبهم بالنبوة الثابتة فقال :

{ بَلْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ في أَمْرٍ مَّرِيجٍ }

إنهم لم يتدبروا ما جاءهم به الرسولُ ، وهو الحقُّ الثابت ، بل كذّبوا به دون تدبُّرٍ وتفكر ، فهم في قلقٍ من أمرهم واضطرابٍ لا يستقرون منه على حال .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

شرح الكلمات :

{ بل كذبوا بالحق لما جاءهم } : بل كذب المشركون بما هو أقبح من تكذبيهم بالبعث وهو تكذيبهم بالنبوة المحمدية وبالقرآن ومن نزل عليه .

{ فهم في أمر مريج } : أي مختلط عليهم فهم فيه مضطربون لا يثبتون على شيء إذ قالوا مرة سحر ومرة قالوا شعر ومرة كهانة وأخرى أساطير .

المعنى :

وقوله { بل كذبوا بالحق لما جاءهم } أي إن هناك ما هو أشنع من إنكارهم وأقبح عقلا وهو تكذبيهم بالقرآن ومن أنزل عليه وهو الحق من الله فلذا هم فيه في أمر مريج أي مختلط فمرة قالوا في الرسول إنه ساحر وقالوا شاعر وقالوا مفتر كذاب وقالوا في القرآن أساطير الأولين فهم حقا في أمر مريج مختلط عليهم لا يدرون ما يقولون ويثبتون عليه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

{ 5 } { بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ }

أي : { بَلْ } كلامهم الذي صدر منهم ، إنما هو عناد وتكذيب للحق الذي هو أعلى أنواع الصدق { لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ } أي : مختلط مشتبه ، لا يثبتون على شيء ، ولا يستقر لهم قرار ، فتارة يقولون عنك : إنك ساحر ، وتارة مجنون ، وتارة شاعر ، وكذلك جعلوا القرآن عضين ، كل قال فيه ، ما اقتضاه رأيه الفاسد ، وهكذا ، كل من كذب بالحق ، فإنه في أمر مختلط ، لا يدرى له وجهة{[812]}  ولا قرار ، [ فترى أموره متناقضة مؤتفكة ] كما أن من اتبع الحق وصدق به ، قد استقام أمره ، واعتدل سبيله ، وصدق فعله قيله .


[812]:- في ب: وجه.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

قوله تعالى : " بل كذبوا بالحق " أي القرآن في قول الجميع ، حكاه الماوردي . وقال الثعلبي : بالحق القرآن . وقيل : الإسلام . وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم . " فهم في أمر مريج " أي مختلط . يقولون مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن ، قاله الضحاك وابن زيد . وقال قتادة : مختلف . الحسن : ملتبس ، والمعنى متقارب . وقال أبو هريرة : فاسد ، ومنه مَرِجَت أمانات الناس أي فسدت ، ومَرِج الدين والأمر اختلط ، قال أبو دؤاد :

مَرِجَ الدين فأعددتُ له *** مُشْرِفَ الحَارِكِ مَحْبُوكَ الكَتَد{[14146]}

وقال ابن عباس : المريج الأمر المنكر . وقال عنه عمران بن أبي عطاء : " مريج " مختلط . وأنشد{[14147]} :

فَجَالت فالتمستُ به حَشَاهَا *** فَخَرّ كأنه خُوطٌ مَرِيجُ

الخوط الغصن . وقال عنه العوفي : في أمر ضلالة وهو قولهم ساحر شاعر مجنون كاهن . وقيل : متغير . وأصل المرج الاضطراب والقلق ؛ يقال : مرج أمر الناس ومرج أمر الدين ومرج الخاتم في إصبعي إذا قلق من الهزال . وفي الحديث : ( كيف بك يا عبدالله{[14148]} إذا كنت في قوم قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا وهكذا ) وشبك بين أصابعه . أخرجه أبو داود وقد ذكرناه في كتاب " التذكرة " . .


[14146]:الحارك: الكاهل. والكتد مجمع الكتفين من الإنسان والفرس.
[14147]:البيت للداخل الهذلي، ويروى فراغت بدل فجالت والضمير للبقرة. وبه أي بالسهم.
[14148]:هو عبد الله بن عمرو العاص كما في مسند أبي داود.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

ولما كان التقدير : وهم لا ينكرون ذلك من عظمتنا لأنهم معترفون بأنا خلقنا السماوات والأرض وخلقناهم من تراب وإنا نحن ننزل{[61078]} الماء فينبت{[61079]} النبات ، أضرب عنه بقوله : { بل كذبوا بالحق } أي الأمر الثابت الذي لا أثبت منه { لما } أي حين { جاءهم } لما ثار عندهم من أجل تعجبهم من إرسال رسولهم من حظوظ{[61080]} النفوس وغلبهم من الهوى ، حسداً منهم من غير تأمل لما قالوه ولا تدبر ، ولا نظر فيه ولا تفكر ، فلذلك قالوا ما لا يعقل من أن من قدر على إيجاد شيء من العدم وإبدائه لا يقدر على إعادته بعد إعدامه وإفنائه .

ولما تسبب عن انتسابهم في هذا القول الواهي{[61081]} وارتهانهم في عهدته اضطرابهم{[61082]} في الرأي : هل يرجعون فينسبوا إلى الجهل والطيش والسفة والرعونة أم يدومون عليه فيؤدي ذلك مع كفرهم بالذي خلقهم إلى أعظم من ذلك من القتال والقتل ، والنسبة إلى الطيش والجهل ، قال معبراً عن هذا المعنى : { فهم } أي لأجل مبادرتهم إلى هذا القول السفساف { في أمر مريج * } أي مضطرب جداً مختلط ، من المرج وهو اختلاط النبت بالأنواع المختلفة ، فهم تارة-{[61083]} يقولون : سحر ، وتارة كهانة ، وتارة شعر ، وتارة كذب ، وتارة غير ذلك ، والاضطراب موجب للاختلاف ، وذلك أدل دليل على الإبطال كما أن الثبات والخلوص موجب للاتفاق ، وذلك أدل دليل على الحقية{[61084]} ، قال الحسن : ما ترك قوم الحق{[61085]} إلا مرج أمرهم - وكذا قال قتادة{[61086]} ، وزاد : والتبس عليهم دينهم .


[61078]:من مد، وفي الأصل: نزلنا.
[61079]:من مد، وفي الأصل: ليست.
[61080]:من مد، وفي الأصل: حظوظي.
[61081]:من مد، وفي الأصل: الهاوي.
[61082]:من مد، وفي الأصل: إضرار بهم.
[61083]:زيد من مد.
[61084]:من مد، وفي الأصل: الحقيقة.
[61085]:من مد، وفي الأصل: نوح.
[61086]:راجع المعالم بهامش اللباب 6/194.