في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

والمرعى يخرج في أول أمره خضرا ، ثم يذوي فإذا هو غثاء ، أميل إلى السواد فهو أحوى ، وقد يصلح أن يكون طعاما وهو أخضر ، ويصلح أن يكون طعاما وهو غثاء أحوى . وما بينهما فهو في كل حالة صالح لأمر من أمور هذه الحياة ، بتقدير الذي خلق فسوى وقدر فهدى .

والإشارة إلى حياة النبات هنا توحي من طرف خفي ، بأن كل نبت إلى حصاد وأن كل حي إلى نهاية . وهي اللمسة التي تتفق مع الحديث عن الحياة الدنيا والحياة الأخرى . . . ( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ) . . والحياة الدنيا كهذا المرعى ، الذي ينتهي فيكون غثاء أحوى . . والآخرة هي التي تبقى .

وبهذا المطلع الذي يكشف عن هذا المدى المتطاول من صفحة الوجود الكبيرة . . تتصل حقائق السورة الآتية في سياقها ، بهذا الوجود ؛ ويتصل الوجود بها ، في هذا الإطار العريض الجميل . والملحوظ أن معظم السور في هذا الجزء تتضمن مثل هذا الإطار . الإطار الذي يتناسق مع جوها وظلها وإيقاعها تناسقا كاملا .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

المفردات :

أخرج المرعى : أنبت العشب رطبا غضا .

فجعله غثاء : يابسا هشيما من بعد كالغثاء ، والغثاء ما يحمله السيل من البالي من ورق الشجر مخالطا زبده .

التفسير :

4 ، 5- والذي أخرج المرعى* فجعله غثاء أحوى .

والذي أخرج المرعى .

هو الذي أخرج النبات والبرسيم ، والحب والزيتون والنخل ، وكل هذه مرعى للحيوان أو الإنسان أو الطيور أو الزواحف أو غير ذلك ، فالذرة إذا كانت صغيرة فهي مرعى للحيوان ، وإذا كانت حبا فهي مرعى للإنسان ، وقد أودع الله في الأرض أرزاقها ليتم إعمار هذا الكون ورعايته وحفظه .

فجعله غثاء أحوى .

فجعله يابسا جافا ، وأحوى . أسود يضرب إلى الخضرة .

إن حركة النبات عند بروزه صغيرا كأنه أطفال صغار ، ثم نموّه واخضراره وازدهاره ، ثم اصفراره ونهايته ، كل هذا يذكّر الإنسان بحياته التي تمر بالطفولة إلى الشباب ، ثم إلى الكهولة والموت ، فلكل بداية نهاية ، وكذلك الدنيا .

قال تعالى : واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا . ( الكهف : 45 ) .

والمقصود من الآيات بيان دلائل القدرة ، وأنواع النعم التي يغمرنا الله بها ، وتستحق النظر والتأمل وتسبيح العلي القدير .

قال ابن كثير :

والذي أخرج المرعى . أي : من جميع صنوف النباتات والزروع .

فجعله غثاء أحوى . قال ابن عباس : هشيما متغيّرا . اه .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

غُثاء : يابسا مسودّا . والغثاء : ما يحمله السيل من الحشائش والأوراق التي لا قيمة لها . يقال غثا الوادي يغثو غثُوّاً كثُرَ فيه الغثاء .

أحوى : ما يُحيل لونَه إلى السواد .

أي صيَّره يابسا جافا بعد الخضرة والنضارة . وفي هذا عبرة لذوي العقول ، فكما أن النبات يبدأ أخضر زاهيا ثم يَميل إلى الجفاف والسواد ، فكذلك الحياةُ الدنيا زائلة فانية ، والآخرة هي الباقية .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

{ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } أي : أسود أي : جعله هشيمًا رميمًا ، ويذكر فيها نعمه الدينية ، ولهذا امتن الله بأصلها ومنشئها{[1409]} ، وهو القرآن ، فقال :


[1409]:- في ب: ومادتها.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

ولما كان إيباسه وتسويده بعد اخضراره {[72842]}ونموه{[72843]} في غاية الدلالة على تمام القدرة وكمال الاختيار بمعاقبة الأضداد على الذات الواحدة قال تعالى : { فجعله } أي بعد أطوار من زمن إخراجه { غثاء } أي كثيراً ، ثم أنهاه فأيبسه وهشمه ومزقه فجمع السيل بعضه إلى بعض فجعله زبداً وهالكاً وبالياً وفتاتاً على وجه-{[72844]} الأرض { أحوى * } أي في غاية الري حتى صار أسود يضرب إلى خضرة ، أو أحمر يضرب إلى سواد ، أو اشتدت خضرته فصارت تضرب إلى سواد ، وقال القزاز رحمه الله في ديوانه : الحوة شية من شيات الخيل ، وهى بين الدهمة والكمتة ، وكثر هذا حتى سموا كل أسود أحوى - انتهى . فيجوز أن يريد حينئذ أنه أسود من شدة يبسه فحوته الرياح وجمعته من كل أوب حيت تفتت ، فكل من الكلمتين فيها حياة وموت ، وأخر الثانية لتحملهما{[72845]} لأن دلالتها على الخضرة أتم ، فلو قدمت لم تصرف إلى غيرها ، فدل جمعه بين الأضداد على الذات الواحدة على كمال الاختيار ، وأما الطبائع فليس لها من {[72846]}التأثير الذي{[72847]} أقامها سبحانه فيه إلا الإيجابي كالنار متى أصابت شيئاً أحرقته ، ولا تقدر بعد ذلك أن تنقله إلى صفة أخرى غير التي{[72848]} أثرتها فيه ، وأشار بالبداية والنهاية إلى تذكر ذلك ، وأنه على سبيل التكرار في كل عام الدال على بعث الخلائق ، وخص المرعى لأنه أدل على البعث لأنه مما ينبته الناس ، وإذا انتهى تهشم وتفتت وصار تراباً ، ثم يعيده سبحانه بالماء على ما كان عليه سواء-{[72849]} كما يفعل بالأموات سواء - من غير فرق أصلاً .


[72842]:من ظ و م، وفي الأصل: فهو.
[72843]:من ظ و م، وفي الأصل: فهو.
[72844]:زيد من ظ و م.
[72845]:من ظ و م، وفي الأصل: ليحتملها.
[72846]:من م، وفي الأصل و ظ: التأثيرات التي.
[72847]:من م، وفي الأصل و ظ: التأثيرات التي.
[72848]:في ظ: الذي.
[72849]:زيد من ظ و م.