في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ} (3)

فهي : ( عاملة ناصبة ) . . عملت لغير الله ، ونصبت في غير سبيله . عملت لنفسها وأولادها . وتعبت لدنياها ولأطماعها . ثم وجدت عاقبة العمل والكد . وجدته في الدنيا شقوة لغير زاد . ووجدته في الآخرة سوادا يؤدي إلى العذاب . وهي تواجه النهاية مواجهة الذليل المرهق المتعوس الخائب الرجاء !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ} (3)

المفردات :

خاشعة : ذليلة خاضعة من الخزي .

عاملة : تجرّ السلاسل والأغلال في النار .

ناصبة : تعبة مما تلاقيه فيها من العذاب .

التفسير :

2 ، 3- وجوه يومئذ خاشعة ، عاملة ناصبة .

وجوه الكفار في ذلك اليوم العظيم خاشعة ذليلة مهينة ، وليس هذا خشوع العبادة والتبتل والتفرغ التام لمناجاة الله ، بل خشوع المهانة والمذلّة والحزن والألم .

قال تعالى : وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي . . . ( الشورى : 45 ) .

عاملة ناصبة .

مستمرة في العمل والنّصب ، وهو التعب الأليم ، حيث يجرّون السلاسل ، ويرسفون في الأغلال والقيود ، ويذوقون الآلام والعذاب والمهانة ، بلا فتور ولا استراحة بل يضاعف لهم العذاب : يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم . . . ( العنكبوت : 55 ) .

وقيل : عملت في الدنيا أعمال السوء والتذت بها وتنعمت ، فهي في نصب منها في الآخرة ، وقيل : عملت في الدنيا على غير هدى ، أو على غير إخلاص ، فلا ثمرة لها إلا النصب ، وخاتمتها النار .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ} (3)

عاملة : تعمل في الدنيا لنفسها وأولادها وأطماعها .

ناصبة : تعبة . والفعل نصِب ينصَب نصبا : تعب .

عملَ أصحابها في الدنيا كثيرا وتعبوا كثيرا ، ولكنْ لغير الله ، فما نفعتهم أعمالهم ولا أموالهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ} (3)

{ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } أي : تاعبة في العذاب ، تجر على وجوهها ، وتغشى وجوههم النار .

ويحتمل أن المراد [ بقوله : ] { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات وعمل ، ولكنه لما عدم شرطه وهو الإيمان ، صار يوم القيامة هباء منثورا ، وهذا الاحتمال وإن كان صحيحًا من حيث المعنى ، فلا يدل عليه سياق الكلام ، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول ، لأنه قيده بالظرف ، وهو يوم القيامة ، ولأن المقصود هنا بيان وصف أهل النار عمومًا ، وذلك الاحتمال جزء قليل من أهل النار بالنسبة إلى أهلها{[1416]} ؛ ولأن الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية ، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا .


[1416]:- في ب: جزء قليل بالنسبة إلى أهل النار.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ} (3)

ثم قال : " عاملة ناصبة " فهذا في الدنيا ؛ لأن الآخرة ليست دار عمل . فالمعنى : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا " خاشعة " في الآخرة . قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : قد عمل يعمل عملا . ويقال للسحاب إذا دام برقه : قد عمل يعمل عملا . وذا سحاب عمل . قال الهذلي{[15988]} :

حتى شَآهَا كَلِيلٌ مَوْهِنًا عَمِلٌ *** باتَتْ طِرَابًا وباتَ الليلُ لم يَنَمِ

" ناصبة " أي تعبة . يقال : نصب ( بالكسر ) ينصب نصبا : إذا تعب ، ونصبا أيضا ، وأنصبه غيره . فروى الضحاك عن ابن عباس قال : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية اللّه عز وجل ، وعلى الكفر ، مثل عبدة الأوثان ، وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم ، لا يقبل اللّه جل ثناؤه منهم إلا ما كان خالصا له .

وقال سعيد عن قتادة : " عاملة ناصبة " قال : تكبرت في الدنيا عن طاعة اللّه عز وجل ، فأعملها اللّه وأنصبها في النار ، بجر السلاسل الثقال ، وحمل الأغلال ، والوقوف حفاة عراة في العرصات ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله في الدنيا ، ولم تنصب له ، فأعملها وأنصبها في جهنم . وقال الكلبي : يجرون على وجوههم في النار . وعنه وعن غيره : يكلفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم ، فينصبون فيها أشد ما يكون من النصب ، بمعالجة السلاسل والأغلال والخوض في النار ؛ كما تخوض الإبل في الوحل ، وارتقائها في صعود من نار ، وهبوطها في حدور منها . إلى غير ذلك من عذابها . وقال ابن عباس . وقرا ابن محيصن وعيسى وحميد ، ورواها عبيد عن شبل . عن ابن كثير " ناصبة " بالنصب على الحال . وقيل : على الذم . الباقون ( بالرفع ) على الصفة أو على إضمار مبتدأ ، فيوقف على " خاشعة " . ومن جعل المعنى في الآخرة ، جاز أن يكون خبرا بعد خبر عن " وجوه " ، فلا يوقف على " خاشعة " . وقيل : " عاملة ناصبة " أي عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة . وعلى هذا يحتمل وجوه يومئذ عاملة في الدنيا ، ناصبة في الآخرة ، خاشعة . قال عكرمة والسدي : عملت في الدنيا بالمعاصي . وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم : هم الرهبان أصحاب الصوامع . وقاله ابن عباس . وقد تقدم في رواية الضحاك عنه . وروى عن الحسن قال : لما قدم عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - الشام أتاه راهب شيخ كبير متقهل{[15989]} ، عليه سواد ، فلما رآه عمر بكى . فقال له : يا أمير المؤمنين ، ما يبكيك ؟ قال : هذا المسكين طلب أمرا فلم يصبه ، ورجا رجاء فأخطأه ، - وقرأ قول اللّه عز وجل - " وجوه يومئذ خاشعة . عاملة ناصبة " . قال الكسائي : التقهل : رثاثة الهيئة ، ورجل متقهل : يابس الجلد سيء الحال ، مثل المتقحل . وقال أبو عمرو : التقهل : شكوى الحاجة . وأنشد :

لَعْواً{[15990]} إذا لاقَيْتَهُ تَقَهْلاَ

والقهل : كفران الإحسان . وقد قهل يقهل قهلا : إذا أثنى ثناء قبيحا . وأقهل الرجل تكلف ما يعيبه ودنس نفسه . وانقهل ضعف وسقط . قاله الجوهري . وعن علي رضي اللّه عنه أنهم أهل حروراء . يعني الخوارج الذين ذكرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : [ تحقرون صلاتكم{[15991]} مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرميَّة . . . ] الحديث .


[15988]:هو ساعدة بن جؤية. وقوله "شآها": أي ساقها. والكليل: البرق الضعيف. والموهن: القطعة من الليل. وباتت طرابا: أي باتت البقر العطاش طرابا إلى السير إلى الموضع الذي فيه البرق. وبات البرق الليل أجمع لا يقر: فعبر عن البرق بأنه لم يتم، لاتصاله من أول الليل إلى آخره (راجع هذا البيت والكلام عليه في خزانة الأدب الشاهد الرابع بعد الستمائة).
[15989]:أي شعث وسخ، يقال: أقهل الرجل، وتقهل. (النهاية لابن الأثير).
[15990]:اللعو: السيء الخلق. والشره الحريص.
[15991]:أي تعدون صلاتكم حقيرة بالنظر إلى صلاتهم.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ} (3)

{ عاملة } أي مجتهدة في الأعمال التي تبتغي بها النجاة حيث لا نجاة بفوات دار العمل فتراها جاهدة فيما كلفتها به الزبانية من جر السلاسل والأغلال وخوض الغمرات من النيران ونحو ذلك كأن يقال له : أدّ الأمانة ثم تمثل له أمانته في قعر جهنم ، فتكلف النزول إليها ثم يحملها على عنقه ويصعد في جبال النيران حنى إذا كاد أن يصل إلى أعلاها سقطت منه فيتكلف النزول إليها وهكذا ، وهذا بما كان يهمل العمل في الدنيا { ناصبة * } أي هي في ذلك في غاية التعب والدؤوب في العمل والاجتهاد - هذه رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وذلك لأنهم لم يخشوا الله في الدنيا فلم يعملوا له فلم ينصبوا في طاعته أجسادهم فاضطرهم في ذلك اليوم إلى أعظم مما أبوه في الدنيا مع المضرة دون المنفعة ، ويجوز أن يراد بها الذين تعبوا ونصبوا في الدنيا أجسامهم وهم على غير دين الإسلام كالرهبان من النصارى بعد النسخ وزنادقة المتصوفة من الفلاسفة وأتباعهم ، بأن يكون ( وجوه ) مبتدأ و ( يومئذ ) خبره أي كائنة يومئذ ، ثم يقدر ما بعده في جواب سؤال سائل يقول : ما شأنها ؟ فأجيب بقوله خاشعة ، أي في الدنيا - إلى آخره ، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء عنه .