في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا} (8)

فإذا انتهى السياق من هذا كله ساق العبرة الأخيرة في مصير الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله ، فلم يسمعوا ولم يستجيبوا . وعلق هذه العبرة على الرؤوس ، تذكرهم بالمصير البائس الذي ينتظر من لا يتقي ولا يطيع . كما تذكرهم بنعمة الله على المؤمنين المخاطبين بالسورة والتشريع :

وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله ، فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا . فذاقت وبال أمرها ، وكان عاقبة أمرها خسرا . أعد الله لهم عذابا شديدا . فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا ، قد أنزل الله إليكم ذكرا : رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور . ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا . قد أحسن الله له رزقا . .

وهو إنذار طويل وتحذير مفصل المشاهد . كما أنه تذكير عميق بنعمة الله بالإيمان والنور ، ووعده بالأجر في الآخرة وهو أحسن الرزق وأكرمه .

فأخذ الله لمن يعتو عن أمره ولا يسلم لرسله هو سنة متكررة : ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا ) . وتفصيل أخذها وذكر الحساب العسير والعذاب النكير ،

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا} (8)

وعيد المخالفين ووعد الطائعين

{ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ( 8 ) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ( 9 ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ( 10 ) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ( 11 ) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ( 12 ) }

8

المفردات :

وكأين من قرية : كثير من أهل القرى .

عتت : تجبرت وتكبرت وأعرضت وعصت .

نكرا : منكرا عظيما .

التفسير :

8- { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا } .

كثير من أهل قرية من القرى السابقة ، عتت وتمردت على أمر الله ورسله ، فكذّبت المرسلين ، وكفرت بالوحي ، واستمرت في عبادة الأوثان والأصنام ، فحاسبها الله حسابا شديدا ، وأحصى عليها أعمالها وتكذيبها وتحدّياتها للمرسلين ، ثم أنزل بها عذابا منكرا جزاء وفاقا لكفرها .

كما حدث لقوم نوح ، وقوم صالح ، وقوم هود ، وما حدث لفرعون وقومه ، وما حدث لقوم لوط وغيرهم من المكذبين .

قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ( 6 ) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ( 7 ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( 8 ) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( 9 ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ( 10 ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( 11 ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ( 12 ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ( 13 ) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ . ( الفجر : 6-14 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا} (8)

وكأين من قرية : كثير من القرى كفرَ أهلها .

عتت : تجبرت ، واستكبرت .

نُكرا : منكرا .

لقد تقدّم كثيرٌ من الآيات الكريمة التي تشبه هذه الآية والآياتِ التي خُتمت بها هذه السورة العظيمة بعد أن بيّن فيها شَرْعَ الله في الطلاق والعِدَّة والنفقةِ والسكنِ ونفقةِ المولود وإرضاعه .

إن كثيراً من أهلِ القرى خالفوا أمر ربهم ، فكذّبوا الرسلَ وأعرضوا عن أمرِ ربهم ، فحاسبناهم حسابا شديدا ، وعذبناهم أشد العذاب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا} (8)

{ 8-11 } { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا }

يخبر تعالى عن إهلاكه الأمم العاتية ، والقرون المكذبة للرسل أن كثرتهم وقوتهم ، لم تنفعهم{[1154]}  شيئًا ، حين جاءهم الحساب الشديد ، والعذاب الأليم .


[1154]:- في ب: تغن عنهم.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا} (8)

{ وكأين } وكم { من قرية عتت عن أمر ربها ورسله } عتا أهلها عما أمر الله تعالى به ورسله { فحاسبناها } في الآخرة { حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا } فظيعا يعني عذاب النار

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا} (8)

قوله تعالى : " وكأين من قرية " لما ذكر الأحكام ذكر وحذر مخالفة الأمر ، وذكر عتو قوم وحلول العذاب بهم . وقد مضى القول في " كأين " في " آل عمران{[15107]} " والحمد لله . " عتت عن أمر ربها ورسله " أي عصت ؛ يعني القرية والمراد أهلها . " فحاسبناها حسابا شديدا " أي جازيناها بالعذاب في الدنيا " وعذبناها عذابا نكرا " في الآخرة . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، فعذبناها عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ وسائر المصائب ، وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا . والنكر : المنكر . وقرئ مخففا ومثقلا ، وقد مضى في سور " الكهف{[15108]} " .


[15107]:راجع جـ 4 ص 228.
[15108]:يلاحظ أن الذي مضى هو في سورة "القمر" لا في سورة الكهف. راجع جـ 17 ص 129.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا} (8)

ولما كان الأمر قد بلغ النهاية في الأحكام والمواعظ والترغيب لمن أطاع ، فلم يبق إلا التهديد لمن عصى بما شوهد من المثلات وبالغ العقوبات ، فإن من الناس البليد الذي لا يتعظ بما يرى ، وكان التقدير : فكأي من ناس{[66137]} كانوا في غاية الضيق فأطاعوا أوامرنا فجعلناهم في غاية السعة بل جعلناهم ملوكاً ، عطف عليه تزهيداً في الرفاهية بأنها تطغى في الأغلب ، وتهديداً لأهل المعاصي قوله مفيداً لكثرة القرى الخارجة عن الحد : { وكأين من قرية } أي مدينة كبيرة جامعة ، عبر عن أهلها بها{[66138]} مبالغة { عتت } أي استكبرت وجاوزت{[66139]} الحد في عصيانها وطغيانها فأعرضت عناداً { عن أمر ربها } أي الذي أحسن إليها ولا محسن إليها{[66140]} غيره بكثرة الرزق وطيب العيش واللطف في التربية والرحمة بعد{[66141]} الإيجاد والملك { ورسله } فلم يقبل منهم ما جاؤوها به عن الله ، فإن طاعتهم من طاعة الله .

ولما كانت محاسبة مثل هؤلاء للإهلاك{[66142]} لأن الحساب هو ذكر الأعمال والمجازاة عليها بما{[66143]} يحق لكل منها ، قال ملتفتاً إلى مقام التكلم في مظهر العظمة : { فحاسبناها } أي فتسبب عن عدم شكرهم للإحسان أن أحصينا أعمالها . ولما كان ذلك على وجه المناقشة على{[66144]} النقير والقطمير بالمجازاة على {[66145]}كل{[66146]} فعل بما يليق به قال : { حساباً شديداً } بمعناه المطابقي{[66147]} من ذكر الأعمال كلها والمجازاة عليها ، وهذا هو المناقشة وهي{[66148]} أن العامل إذا أثر أثراً بعمله هو كالنقش في الجامد أثر المجازي له فيه{[66149]} أثراً بحسب عمله على سبيل الاستقصاء ، وأما الحساب اليسير فهو عرض الأعمال فقط من غير جزاء على قبيحها{[66150]} فهو دلالة تضمن ، وإنما {[66151]}شدد على{[66152]} هذه القرية لأن إعراضها كان كذلك بما نبه عليه تسميته عتواً { وعذبناها } أي في الدنيا جزاء على ما أحصيناه من ذنوبها { عذاباً نكراً * } أي شديد النكارة لأن العقل يحير في أمره لأنه لم ير مثله ولا قريباً منه ليعتبره به{[66153]} ، وأزال ذكر الكثرة شبهة أن يكون الإهلاك وقع اتفاقاً في وقت من الأوقات


[66137]:- من ظ وم، وفي الأصل: كاس.
[66138]:- من ظ وم، وفي الأصل: بأنها.
[66139]:- من ظ وم، وفي الأصل: جاوز.
[66140]:- زيد من ظ وم.
[66141]:- من ظ وم. وفي الأصل: وقت.
[66142]:- زيد من ظ وم.
[66143]:- من م، وفي الأصل وظ: مما.
[66144]:- من ظ وم، وفي الأصل: "و".
[66145]:-زيد من ظ وم.
[66146]:- زيد من ظ وم.
[66147]:- من ظ وم، وفي الأصل: المطابق.
[66148]:- من ظ وم، وفي الأصل: هو.
[66149]:- من ظ وم، وفي الأصل: في.
[66150]:- من ظ وم، وفي الأصل: قبحها.
[66151]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن.
[66152]:- زيد في الأصل: أهل، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66153]:- من ظ وم، وفي الأصل: بذلك.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا} (8)

قوله تعالى : { وكأيّن من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نّكرا 8 فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا 9 أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا 10 رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبيّنات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا } .

يخوّف الله عباده مما حل بالأمم السابقة من الهلاك والتدمير بسبب فسقهم وعتوهم عن أمر ربهم واتباعهم سبيل الشيطان . فقال سبحانه : { وكأيّن من قرية عتت عن أمر ربها ورسله } عتت ، يعني عصت أمر الله . من العتو وهو الاستكبار . والعاتي المجاوز للحد . أو هو المغالي في ركوب المعاصي{[4569]} . والمعنى : وكم من أهل قرية عصوا أمر الله ورسله وأعرضوا عن دين ربهم ، دين الحق والعدل والفضيلة { فحاسبناها حسابا شديدا } أي لم نعف عنهم ولم نرحمهم في حسابنا لهم ، بل جازيناهم بالعذاب الشديد في الدنيا { وعذبناها عذابا نّكرا } أي عذبنا هؤلاء الفاسقين عن أمر الله عذابا منكرا في الآخرة .


[4569]:المصباح المنير جـ 2 ص 40 ومختار الصحاح ص 412.