السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا} (8)

ولما ذكر الأحكام والمواعظ والترغيب لمن أطاع حذر من خالف بقوله تعالى : { وكأين } هي كاف الجر دخلت على أيّ بمعنى : كم { من قرية } أي : وكثير من القرى . وقرأ ابن كثير بالألف بعد الكاف وبعد الألف همزة مكسورة وقفاً ووصلاً ، وقرأ الباقون في الوصل بهمزة مفتوحة بعد الكاف وبعد الهاء ياء تحتية مكسورة مشددة ، وعبر عن أهل القرية بها مبالغة فقال : { عتت } أي : استكبرت وجاوزت الحد في عصيانها وطغيانها فأعرضت عناداً { عن أمر ربها } أي : الذي أحسن إليها ولا يحسن إليها غيره { ورسله } فلم تقبل منهم ما جاؤوا به عن الله تعالى ، فإن طاعتهم من طاعته { فحاسبناها } أي : في الآخرة وإن لم تجيء لتحقق وقوعها { حساباً شديداً } أي : بالمناقشة والاستقصاء { وعذبناها عذاباً نكراً } أي : منكراً فظيعاً ، وهو عذاب النار ، وقيل : العذاب في الدنيا فيكون على حقيقته ، أي : جازيناها بالعذاب في الدنيا ، وعذبناها عذاباً نكراً في الآخرة ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، أي : فعذبناها عذاباً نكراً في الدنيا بالجوع والقحط ، والسيف ، والخسف والمسخ ، وسائر المصائب ، وحاسبناها حساباً شديداً في الآخرة . وقرأ نافع وابن ذكوان وشعبه بضم الكاف ، والباقون بسكونها .