( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا . وفتحت السماء فكانت أبوابا ، وسيرت الجبال فكانت سرابا ) . .
والصور : البوق . ونحن لا ندري عنه إلا اسمه . ولا نعلم إلا أنه سينفخ فيه . وليس لنا أن نشغل أنفسنا بكيفية ذلك . فهي لا تزيدنا إيمانا ولا تأثرا بالحادث . وقد صان الله طاقتنا عن أن تتبدد في البحث وراء هذا الغيب المكنون ، وأعطانا منه القدر الذي ينفعنا فلا نزيد ! إنما نحن نتصور النفخة الباعثة المجمعة التي يأتي بها الناس أفواجا . . نتصور هذا المشهد والخلائق التي توارت شخوصها جيلا بعد جيل ، وأخلت وجه الأرض لمن يأتي بعدها كي لا يضيق بهم وجه الأرض المحدود . . نتصور مشهد هذه الخلائق جميعا . . أفواجا . . مبعوثين قائمين آتين من كل فج إلى حيث يحشرون . ونتصور الأجداث المبعثرة وهذه الخلائق منها قائمة . ونتصور الجموع الحاشدة لا يعرف أولها آخرها ، ونتصور هذا الهول الذي تثيره تلك الحشود التي لم تتجمع قط في وقت واحد وفي ساعة واحدة إلا في هذا اليوم . . أين ? لا ندري . . ففي هذا الكون الذي نعرفه أحداث وأهوال جسام :
فتأتون أفواجا : أمما أو جماعات مختلفة الأحوال .
18- يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا .
في هذا اليوم ينفخ إسرافيل في الصور نفخة أولى ، فيصعق الخلائق ويموتون ، ثم ينفخ النفخة الثانية ، فيقوم الناس من قبورهم ويأتون إلى المحشر جماعات جماعات .
قال تعالى : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم . . . ( الإسراء : 71 ) .
والمراد بالنفخ في الصور هنا : النفخة الثانية ، حيث يحشر الناس فورا بدون مهلة ، حال كونهم زمرا وجماعات مختلفة الأحوال ، متباينة الأوصاف ، حسب اختلاف أعمالهم في الدنيا .
" يوم ينفخ في الصور " أي للبعث " فتأتون " أي إلى موضع العرض .
" أفواجا " أي أمما ، كل أمة مع إمامهم . وقيل : زمرا وجماعات . الواحد : فوج . ونصب يوما بدلا من اليوم الأول . وروي من حديث معاذ بن جبل قلت : يا رسول الله ! أرأيت قول الله تعالى : " يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معاذ [ بن جبل ]{[15742]} لقد سألت عن أمر عظيم ) ثم أرسل عينيه باكيا ، ثم قال : ( يحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتا قد ميزهم الله تعالى من جماعات المسلمين ، وبدل صورهم ، فمنهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون : أرجلهم أعلاهم ، ووجوههم يسحبون عليها ، وبعضهم عمي يتردون ، وبعضهم صم بكم لا يعقلون ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم ، فهي مدلاة على صدورهم ، يسيل القيح من أفواههم لعابا ، يتقذرهم أهل الجمع ، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلبون على جذوع من النار ، وبعضهم أشد نتنا من الجيف ، وبعضهم ملبسون جلابيب سابغة من القطران لاصقة بجلودهم ، فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس - يعني النمام - وأما الذين على صورة الخنازير ، فأهل السحت والحرام والمكس . وأما المنكسون رؤوسهم ووجوههم ، فأكلة الربا ، والعمي : من يجور في الحكم ، والصم البكم : الذين يعجبون بأعمالهم . والذين يمضغون ألسنتهم : فالعلماء والقصاص الذين يخالف قولهم فعلهم . والمقطعة أيديهم وأرجلهم : فالذين يؤذون الجيران . والمصلبون على جذوع النار : فالسعاة بالناس إلى السلطان ، والذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات ، ويمنعون حق الله من{[15743]} أموالهم . والذين يلبسون الجلابيب : فأهل الكبر والفخر والخيلاء ) .
ولما ذكره ، ذكر ما فيه تعظيماً له وحثاً على الطاعة فقال مبدلاً منه أو مبيناً له : { يوم } ولما كان الهائل المفزع النفخ ، لا كونه من معين ، بنى للمفعول قوله { ينفخ } أي من نافخ أذن{[71115]} الله له { في الصور } وهو قرن من نور على ما قيل سعته أعظم ما بين السماء والأرض وهي نفخة البعث وهي الثانية من النفخات الأربع {[71116]}كما مر في آخر الزمر{[71117]} ، ولذلك قال : { فتأتون } أي بعد القيام من القبور إلى الموقف{[71118]} أحياء كما كنتم أول مرة لا تفقدون من أعضائكم وجلودكم وأشعاركم وأظفاركم{[71119]} وألوانكم الأصلية شيئاً يجمعكم من الأرض بعد أن تمزقتم فيها ، واختلط تراب من بلي منكم بترابها وتراب بعضكم ببعض ، وتمييز ذلك وجمعه وتركيبه كما كان وإعادة الروح فيه يسير عليه سبحانه وتعالى كما فعل ذلك كله من نطفة بعد أن فعله في آدم عليه السلام من تراب لا أصل له في الحياة ، حال كونكم { أفواجاً * } أي أمماً وزمراً وجماعات مشاة مسرعين كل أمة بإمامها ، روى الثعلبي وابن مردويه عن البراء{[71120]} رضي الله عنهم - وقال شيخنا ابن حجر في ترجمة محمد بن زهير في لسان الميزان{[71121]} : إنه ظاهر الوضع - أن معاذاً رضي الله عنه سأل عن هذه الأفواج فقال النبي{[71122]} صلى الله عليه وسلم : " إن أمتي تحشر على عشرة أصناف : على صور{[71123]} القردة ، وعلى صور{[71124]} الخنازير ، وبعض منكسون يسحبون على وجوههم ، وبعض عمي وبعض صم{[71125]} بكم ، وبعض يمضغون ألسنتهم ، فهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع ، وبعض منقطعة{[71126]} أيديهم وأرجلهم ، وبعض مصلوبون{[71127]} على جذوع من نار ، وبعض أشد نتناً من الجيف ، وبعض ملبسون جباباً سابغة-{[71128]} من قطرن لازقة بجلودهم ، {[71129]}فسرهم بالقتات{[71130]} وآكلي السحت وأكلة الربا والجائرين{[71131]} في الحكم والمعجبين بأعمالهم والعلماء الذين يخالف {[71132]}قولهم فعلهم{[71133]} والمؤذين للجيران والساعين بالناس للسلطان ، والتابعين للشهوات المانعين حق الله تعالى والمتكبرين خيلاء " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.