السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا} (18)

وقوله تعالى : { يوم ينفخ في الصور } أي : القرن بدل من يوم الفصل أو بيان له ، والنافخ إسرافيل عليه السلام أو من أذن الله تعالى له في ذلك { فتأتون } أي : بعد القيام من القبور إلى الموقف { أفواجاً } أي : جماعات مختلفة .

وعن معاذ أنه سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا معاذ سألت عن أمر عظيم من الأمور ثم أرسل عينيه باكياً ، وقال : تحشر عشرة أصناف من أمّتي ، بعضهم على صورة القردة ، وبعضهم على صورة الخنازير ، وبعضهم منكسون أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها ، وبعضهم عمياً ، وبعضهم صماً بكماً ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم ، يتقذرهم أهل الجمع ، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ، وبعضهم أشد نتناً من الجيف ، وبعضهم ملبسون جباباً سابغة من قطران لازقة بجلودهم .

ثم فسر هؤلاء بقوله : فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس يعني : النمام ، وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت ، وأما المنكبون على وجوههم فأكلة الربا ، وأما العمي فالذين يجورون في الحكم ، وأما الصم البكم فالمعجبون بأعمالهم ، وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم فعلهم ، وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران ، وأما المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان ، وأما الذين أشدّ نتناً من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ويمنعون حق الله تعالى في أموالهم ، وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء » ا . ه . وقد تكلم في صحة هذا الحديث نعوذ بالله تعالى من هؤلاء ونسأله التوفيق لنا ولأحبابنا ، فإنه كريم جواد لا يردّ من سأله .