اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا} (18)

قوله : { يَوْمَ يُنفَخُ } . يجوز أن يكون بدلاً من «يَوْمِ الفَصْلِ » ، أو عطف بيان له ، أو منصوباً بإضمار «أعني » .

و «أفواجاً » حال من فاعل «تَأتُونَ » .

وقرأ أبو عياض{[59127]} : «في الصُّوَرِ » بفتح الواو وتقدم مثله .

فصل في النفخة الآخرة

هذا النفخ هو النفخة الأخيرة التي عندها يكون الحشر ، وهذا هو النفخ للأرواح .

وقيل : هو قَرْنٌ يُنْفَخُ فيه للبعث .

«فتأتون » أي : إلى موضع العرض .

«أفواجاً » أي : أمَماً كُل أمَّةٍ مع إمامهم .

روى معاذُ بن جبل - رضي الله عنه - «قلت : يا رسول الله ، أرأيت قول الله تعالى : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَا مُعَاذُ ، لَقَدْ سَألْتَنِي عَنْ أمْرٍ عَظِيمٍ » ، ثم أرسل عينيه باكياً - ثم قال عليه الصلاة والسلام : «يُحْشَرُ عَشَرَةُ أصْنَافٍ مِنْ أمَّتِي أشْتَاتاً قَدْ مَيَّزهمُ اللهُ - تَعَالَى - مِنْ جَمَاعَاتِ المُسْلِمِيْنَ وبَدَّلَ صُورَهُمْ ، فَمِنْهُمْ على صُورةِ القِرَدَةِ ، وبَعْضهُمْ عَلى صُورَةِ الخَنَازِيرِ ، وَبَعْضُهُمْ مُنَكَّسِيْنَ أرْجُلهُمْ أعلاهُمْ وَوُجُوهُم يُسْحَبُونَ عليْهَا ، وبَعضُهمْ عُمْياً ، وبَعْضهُم صُمًّا ، وبَعْضُهُمْ يَمْضُغُونَ ألْسنَتَهُمْ فَهِيَ مُدَلاَّة على صُدورِهِمْ ، يَسِيلُ القَيْحُ مِنْ أفْواهِهِم ، يَتقذَّرهمُ الجَمْعُ ، وبَعَْضهُمْ مُقطَّعَةٌ أيْدِيهِمْ وأرْجٌُلهمْ مُصلَّبين على جذُوع مِنْ نَارٍ ، وبَعضُهم أشَدُّ نَتْناً مِنَ الجِيفِ ، وبَعْضُهمْ مُلْبَسِينَ جَلابِيبَ لاصقةً بِجُلوْدهِمْ ، فأمَّا الذينَ على صُورةِ القِردَةِ : فالقَتَّاتُ مِنَ النَّاسِ - يَعْنِي : النَّمَّامَ - وأمَّا الَّذينَ عَلى صُورةِ الخَنَازِيرِ فأهْلُ السُّحْتِ والحَرامِ والمَكْسِ ، وأمَّا المُنكِسُونَ رُءوسَهُمْ وَوُجوهمْ فأكلَةُ الرِّبَا ، وأمَّا العُمْيُ : فالَّذيْنَ يَجُورُونَ في الحُكْمِ ، وأمَّا الصُمُّ البُكْمُ : فالمُعْجَبُونَ بأعْمالِهمْ ، وأمَّا الَّذِينَ يَمْضُغُونَ ألْسِنَتَهُمْ ، فالعُلمَاءُ الَّذينَ يُخَالفُ قَوْلهُم فِعلهُمْ ، وأمَّا الَّذينَ قُطِعَتْ أيْديهِمْ وأرْجُلهُمْ فالَّذينَ يُؤذُونَ الجِيرانَ ، وأمَّا المُصَلَّبُونَ فِي جُذوْعِ النَّارِ ، فالسَّعاة بالنَّاسِ إلى السُّلطانِ ، وأمَّا الَّذينَ أشَدُّ نَتْناً مِنَ الجِيَفِ ، فالَّذينَ يَتَّبعُنَ الشَّهواتِ واللَّذَّاتِ ، ويَمْنعُونَ حَقَّ اللهِ فِي أمْوالِهمْ ، وأمَّا الَّذِينَ يَلْبِسُونَ الجَلابِيْبَ فأهْلُ الكِبْرِ والفَخْرِ والخُيَلاء »{[59128]} .


[59127]:ينظر: المحرر الوجيز 5/425، البحر المحيط 8/404، والدر المصون 6/464.
[59128]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/501)، وعزاه إلى ابن مردويه عن البراء بن عازب أن معاذ بن جبل الخ.