مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا} (18)

وثانيها : قوله تعالى : { يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا } .

اعلم أن { يوم ينفخ } بدل من يوم الفصل ، أو عطف بيان ، وهذا النفخ هو النفخة الأخيرة التي عندها يكون الحشر ، والنفخ في الصور فيه قولان : ( أحدهما ) : أن الصور جمع الصور ، فالنفخ في الصور عبارة عن نفخ الأرواح في الأجساد ( والثاني ) : أن الصور عبارة عن قرن ينفخ فيه . وتمام الكلام في الصور وما قيل فيه قد تقدم في سورة الزمر ، وقوله : { فتأتون أفواجا } معناه أنهم يأتون ذلك المقام فوجا فوجا حتى يتكامل اجتماعهم . قال عطاء كل نبي يأتي مع أمته ، ونظيره قوله تعالى : { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } وقيل جماعات مختلفة ، روى صاحب «الكشاف » عن معاذ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، فقال عليه السلام : يا معاذ سألت عن أمر عظيم من الأمور ، ثم أرسل عينيه وقال : يحشر عشرة أصناف من أمتي بعضهم على صورة القردة ، وبعضهم على صورة الخنازير ، وبعضهم منكسون أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها ، وبعضهم عمي ، وبعضهم صم بكم ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع ، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ، وبعضهم أشد نتنا من الجيف ، وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم . فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس . وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت . وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا ، وأما العمى فالذين يجورون في الحكم ، وأما الصم والبكم فالمعجبون بأعمالهم ، وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين يخالف قولهم أعمالهم ، وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران وأما المصلبون على جذوع من النار فالسعاة بالناس إلى السلطان ، وأما الذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حق الله تعالى من أموالهم ، وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء .