وبعد تقرير تلك الحقيقة الكبيرة في ثنايا التعقيب على ذلك الحادث ، في المقطع الأول من السورة ، يعجب السياق في المقطع الثاني من أمر هذا الإنسان ، الذي يعرض عن الهدى ، ويستغني عن الإيمان ، ويستعلي على الدعوة إلى ربه . . يعجب من أمره وكفره ، وهو لا يذكر مصدر وجوده ، وأصل نشأته ، ولا يرى عناية الله به وهيمنته كذلك على كل مرحلة من مراحل نشأته في الأولى والآخرة ؛ ولا يؤدي ما عليه لخالقه وكافله ومحاسبه :
( قتل الإنسان ما أكفره ! من أي شيء خلقه ! من نطفة خلقه فقدره . ثم السبيل يسره . ثم أماته فأقبره . ثم إذا شاء أنشره . كلا ! لما يقض ما أمره ) . .
( قتل الإنسان ! ) . . فإنه ليستحق القتل على عجيب تصرفه . . فهي صيغة تفظيع وتقبيح وتشنيع لأمره . وإفادة أنه يرتكب ما يستوجب القتل لشناعته وبشاعته . .
ما أكفره ! . . ما أشد كفره وجحوده ونكرانه لمقتضيات نشأته وخلقته . ولو رعى هذه المقتضيات لشكر خالقه ، ولتواضع في دنياه ، ولذكر آخرته . .
{ قتل الإنسان ما أكفره 17 من أي شيء خلقه 18 من نطفة خلقه فقدّره 19 ثم السبيل يسّره 20 ثم أماته فأقبره 21 ثم إذا شاء أنشره 22 كلاّ لمّا يقض ما أمره 23 }
قتل الإنسان : لعن الكافر أو عذّب .
ما أكفره : ما أشد كفره ، وهو تعجيب من إفراطه في الكفران .
دعاء على الإنسان الكافر بالموت ، فما أشد كفره ، حيث يرى نعم الله عليه في نفسه وفي خلقه ، ثم يكفر بالله ولا يؤمن برسله .
ولما كان الوصف بهذه الأوصاف العالية للكتبة الذين{[71669]} أيديهم ظرف للصحف {[71670]}التي هي{[71671]} ظرف للتذكرة للتنبيه على علو المكتوب وجلالة مقداره وعظمة آثاره وظهور ذلك لمن تدبره وتأمله حق تأمله وأنعم{[71672]} نظره ، عقبه بقوله-{[71673]} ناعياً على من لم-{[71674]} يقبل بكليته عليه داعياً بأعظم شدائد الدنيا التي هي القتل في صيغة الخبر لأنه أبلغ : { قتل الإنسان } أي هذا النوع الآنس بنفسه الناسي لربه المتكبر على غيره المعجب بشمائله التي أبدعها له خالقه ، حصل قتله بلعنه وطرده وفرغ منه بأيسر سعي وأسهله من كل من يصح ذلك منه لأنه أسرع شيء إلى الفساد لأنه مبني على النقائص إلا من عصم{[71675]} الله { ما أكفره * } أي ما أشد تغطيته للحق وجحده له وعناده فيه لإنكاره البعث وإشراكه بربه وغير ذلك من أمره ، فهو دعاء عليه بأشنع{[71676]} دعاء و-{[71677]} تعجيب من إفراطه في ستر محاسن القرآن التي لا تخفى{[71678]} على أحد ودلائله على القيامة وكل شيء لا يسع أحداً-{[71679]} التغبير{[71680]} في وجه شيء منها ، وهذا الدعاء على وجازته يدل على سخط عظيم وذم بليغ وهو وإن كان في مخصوص فالعبرة بعمومه{[71681]} في كل من كفر نعمة الله ، روي أنها نزلت في عتبة بن أبي لهب غاضب أباه فأسلم ثم استصلحه أبوه وأعطاء مالاً وجهزه إلى الشام فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه{[71682]} أنه كافر برب النجم إذا هوى ، وأفحش في غير هذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم أبعث عليه كلباً من كلابك " فلما انتهى إلى مكان من الطريق فيه الأسد ذكر الدعاء فجعل لمن معه ألف دينار إن أصبح حياً-{[71683]} فجعلوه في وسط الرفقة والمتاع والرحال فأقبل الأسد إلى الرحال ووثب فإذا هو فوقه فمزقه فكان أبوه يندبه ويبكي عليه وقال : ما قال محمد شيئاً إلا كان ، و-{[71684]} مع ذلك فما نفعه ما عرف من ذلك ، فسبحان من بيده القلوب يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، وكل ذلك من هدايته وإضلاله شاهد بأن له الحمد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.