في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (6)

( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) . . فهؤلاء هم الذين يبقون على سواء الفطرة ، ويكملونها بالإيمان والعمل الصالح ، ويرتقون بها إلى الكمال المقدر لها ، حتى ينتهوا بها إلى حياة الكمال في دار الكمال . ( فلهم أجر غير ممنون )دائم غير مقطوع .

فأما الذين يرتكسون بفطرتهم إلى أسفل سافلين ، فيظلون ينحدرون بها في المنحدر ، حتى تستقر في الدرك الأسفل . هناك في جهنم ، حيث تهدر آدميتهم ، ويتمحضون للسفول !

فهذه وتلك نهايتان طبيعيتان لنقطة البدء . . إما استقامة على الفطرة القويمة ، وتكميل لها بالإيمان ، ورفع لها بالعمل الصالح . . فهي واصلة في النهاية إلى كمالها المقدر في حياة النعيم . . وإما انحراف عن الفطرة القويمة ، واندفاع مع النكسة ، وانقطاع عن النفخة الإلهية . . فهي واصلة في النهاية إلى دركها المقرر في حياة الجحيم .

ومن ثم تتجلى قيمة الإيمان في حياة الإنسان . . إنه المرتقى الذي تصل فيه الفطرة القويمة إلى غاية كمالها . إنه الحبل الممدود بين الفطرة وبارئها . إنه النور الذي يكشف لها مواقع خطاها في المرتقى الصاعد إلى حياة الخالدين المكرمين .

وحين ينقطع هذا الحبل ، وحين ينطفئ هذا النور ، فالنتيجة الحتمية هي الارتكاس في المنحدر الهابط إلى أسفل سافلين ، والانتهاء إلى إهدار الآدمية كلية ، حين يتمحض الطين في الكائن البشري ، فإذا هو وقود النار مع الحجارة سواء بسواء !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (6)

المفردات :

غير ممنون : غير مقطوع عنهم .

التفسير :

6- إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون .

أي أن الكافر والعاصي يرد إلى أسفل سافلين في جهنم ، لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم في الآخرة ثواب أعمالهم غير منقوص ، للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . . . ( يونس : 26 ) . حيث تزداد وجوههم حسنا ونضارة ، وإشراقا ونورا ، بسبب النعيم الذي يتمتعون به ، وبسبب رضوان الله عليهم ، وبسبب الشباب والقوة والنعمة التي يمنحها الله لأهل الجنة ، فلهم أن يشبّوا فلا يهرموا أبدا ، ولهم أن ينعموا فلا يصيبهم البؤس وقالوا الحمد لله الذي أذهب هنا الحزن إن ربنا لغفور شكور . ( فاطر : 34 ) .

أو المعنى :

لكن الذين كانوا مؤمنين صالحين من الزّمنى والهرمى فلهم ثواب متصل دائم لا ينقص بالهرم وقلة العمل ، ( جزاء امتثالهم ، وصبرهم على الابتلاء بالشيخوخة والهرم ، ومقاساة المشاق ، والقيام بالعبادة مع ضعفهم ووهنهم .

أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس أنه قال في الآية : إذا كبر العبد وضعف عن العمل كتب له ما كان يعمل في شبيبته )iii .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (6)

إلا من من الله عليه بالإيمان والعمل الصالح ، والأخلاق الفاضلة العالية .

{ فَلَهُمْ } بذلك المنازل العالية ، و { أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي : غير مقطوع ، بل لذات متوافرة ، وأفراح متواترة ، ونعم متكاثرة ، في أبد لا يزول ، ونعيم لا يحول ، أكلها دائم وظلها .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (6)

ولما حكم بهذا الرد على جميع النوع إشارة إلى كثرة المتصف به منهم ، وكان الصالح قليلاً جداً ، جعله محط الاستثناء فقال : { إلا الذين آمنوا } أي بالله ورسله فكانوا من ذوي البصائر والمعارف ، فغلبنا بلطفنا عقولهم بما دعت إليه وأعانت عليه الفطرة الأولى على شهواتهم ، وحميناهم من أرذل العمر ، فكانوا كلما زدناهم سناً زدنا أنوار عقولهم ونقصنا نار شهواتهم بما أضعفنا من إحكام طبائعهم وتعلقهم بهذا العالم ، وأحكمنا من مدارك أنوار الحق وإشراقاته منهم ، وأعظمنا من قوي أرواحهم .

ولما كان الإنسان قد يدعي الإيمان كاذباً قال : { وعملوا } أي تصديقاً لدعواهم الإيمان { الصالحات } أي من محاسن الأعمال من الأقوال والأفعال ثابتة الأركان على أساس الإيمان ، محكمة بما آتيناهم من العلم غاية الإحكام ، متقنة غاية الإتقان ، فإنا حفظناهم - وقليل ما هم - بما كملناهم به وشرفناهم على جميع الحيوانات وسائر من سواهم فلم نمكن منهم الشهوات ولا غيرها ، وأقمناهم على ما اقتضاه منهاج العقل ، فتبعوا الرسل بسبب إبقائنا لهم على الفطرة الأولى في أحسن تقويم ، لم يدنس محياها بشهوة ولا حظ ولا هوى ، فسهل انقيادهم ، فأداهم ذلك إلى العدل والنصفة والإحسان ، وجميع مكارم الأخلاق ومعالي الأمور ، ولم يزيغوا عن منهاج الرسل في قول ولا عمل ، فالآية كما ترى من الاحتباك : حذف أولاً بما أفهمته الآية عمل السيئات ، وثانياً الإبقاء على أصل الخلق في أحسن تقويم على الفطرة الأولى ، ليكون نظمها في الأصل { ثم رددناه أسفل سافلين } بعمل السيئات فله على ذلك عذاب مهين { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فإنا أبقيناهم على الفطرة الأولى في أحسن تقويم .

ولما كان السياق لمدح المؤمنين ، حسن أن يعد أعمالهم التي تفضل عليهم بها سبباً كما منّ عليهم به من الثواب فقال : { فلهم } أي فتسبب عن ذلك أن كان لهم في الدارين على ما وفقوا له مما يرضيه سبحانه وتعالى { أجر } أي عظيم جداً وهو مع ذلك { غير ممنون * } أي مقطوع أو يمن عليهم به حتى في حالة المرض والهرم لكونهم سعوا في مرضاة الله سبحانه وتعالى ، وعزموا عزماً صادقاً أنهم لا ينقصون من أعمال البر ذرة ولو عاشوا مدى الدهر ، وذلك الأجر جزاء لأعمالهم فضلاً منه بالأصل والفرع حتى أنهم إذا عجزوا بالهرم كتب لهم أجر ما كانوا يعملون في حال الصحة ، ولمن تابع هواه في السفول عذاب عظيم لأنه رد أسفل سافلين .