في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (9)

لقد جرى قدر الله أن يظهر هذا الدين ، فكان من الحتم أن يكون :

( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون ) . .

وشهادة الله لهذا الدين بأنه ( الهدى ودين الحق )هي الشهادة . وهي كلمة الفصل التي ليس بعدها زيادة . ولقد تمت إرادة الله فظهر هذا الدين على الدين كله . ظهر في ذاته كدين ، فما يثبت له دين آخر في حقيقته وفي طبيعته . فأما الديانات الوثنية فليست في شيء في هذا المجال . وأما الديانات الكتابية فهذا الدين خاتمتها ، وهو الصورة الأخيرة الكاملة الشاملة منها ، فهو هي ، في الصورة العليا الصالحة إلى نهاية الزمان .

ولقد حرفت تلك الديانات وشوهت ومزقت وزيد عليها ما ليس منها ، ونقصت من أطرافها ، وانتهت لحال لا تصلح معه لشيء من قيادة الحياة . وحتى لو بقيت من غير تحريف ولا تشويه فهي نسخة سابقة لم تشمل كل مطالب الحياة المتجددة أبدا ، لأنها جاءت في تقدير الله لأمد محدود .

فهذا تحقيق وعد الله من ناحية طبيعة الدين وحقيقته . فأما من ناحية واقع الحياة ، فقد صدق وعد الله مرة ، فظهر هذا الدين قوة وحقيقة ونظام حكم على الدين كله فدانت له معظم الرقعة المعمورة في الأرض في مدى قرن من الزمان . ثم زحف زحفا سلميا بعد ذلك إلى قلب آسيا وأفريقية ، حتى دخل فيه بالدعوة المجردة خمسة أضعاف من دخلوا في إبان الحركات الجهادية الأولى . . وما يزال يمتد بنفسه دون دولة واحدة - منذ أن قضت الصهيونية العالمية والصليبية العالمية على الخلافة الأخيرة في تركيا على يدي " البطل " الذي صنعوه ! - وعلى الرغم من كل ما يرصد له في أنحاء الأرض من حرب وكيد ، ومن تحطيم للحركات الإسلامية الناهضة في كل بلد من بلاد الإسلام على أيدي " أبطال " آخرين من صنع الصهيونية العالمية والصليبية العالمية على السواء .

وما تزال لهذا الدين أدوار في تاريخ البشرية يؤديها ، ظاهرا بإذن الله على الدين كله تحقيقا لوعد الله ، الذي لا تقف له جهود العبيد المهازيل ، مهما بلغوا من القوة والكيد والتضليل !

ولقد كانت تلك الآيات حافزا للمؤمنين المخاطبين بها على حمل الأمانة التي اختارهم الله لها بعد أن لم يرعها اليهود والنصارى . وكانت تطمينا لقلوبهم وهم ينفذون قدر الله في إظهار دينه الذي أراده ليظهر ، وإن هم إلا أداة . وما تزال حافزا ومطمئنا لقلوب المؤمنين الواثقين بوعد ربهم ، وستظل تبعث في الأجيال القادمة مثل هذه المشاعر حتى يتحقق وعد الله مرة أخرى في واقع الحياة . بإذن الله .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (9)

المفردات :

بالهدى : بالقرآن .

دين الحق : الملة السمحة : ( الإسلام ) .

ليظهروه : ليعليه ويرفعه .

على الدين كله : على سائر الأديان .

التفسير :

9- { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } .

فالله هو الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، حاملا دين الهداية ، ودين الحق والعدل ، ليكون هذا الدين الإسلامي كلمة الله الأخيرة إلى خلقه .

فقد أرسل الله الرسل ، وأنزل الكتب والصحف ، وأنزل التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى ، وجعل الإسلام هو الرسالة الكاملة الأخيرة التي تتوافق مع العقل والنقل ، وتُناسب كل زمان ومكان ، لاتفاق الإسلام مع الفطرة .

قال أبو السعود : لقد أنجز الله وعده بإعزاز دين الإسلام ، حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام ، وقد ذكر القرطبي ذلك في تفسيره ، وأفاض ( في ظلال القرآن ) في شرح الآيات .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (9)

ثم ذكر سبب الظهور والانتصار للدين الإسلامي ، الحسي والمعنوي ، فقال : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ } أي : بالعلم النافع والعمل الصالح .

بالعلم الذي يهدي إلى الله وإلى دار كرامته ، ويهدي لأحسن الأعمال والأخلاق ، ويهدي إلى مصالح الدنيا والآخرة .

{ وَدِينِ الْحَقِّ } أي : الدين الذي يدان به ، ويتعبد لرب العالمين الذي هو حق وصدق ، لا نقص فيه ، ولا خلل يعتريه ، بل أوامره غذاء القلوب والأرواح ، وراحة الأبدان ، وترك نواهيه سلامة من الشر والفساد{[1080]}  فما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق ، أكبر دليل وبرهان على صدقه ، وهو برهان باق ما بقي الدهر ، كلما ازداد العاقل تفكرا ، ازداد به فرحا وتبصرا .

{ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } أي : ليعليه على سائر الأديان ، بالحجة والبرهان ، ويظهر أهله القائمين به بالسيف والسنان ، فأما نفس الدين ، فهذا الوصف ملازم له في كل وقت ، فلا يمكن أن يغالبه مغالب ، أو يخاصمه مخاصم إلا فلجه وبلسه ، وصار له الظهور والقهر ، وأما المنتسبون إليه ، فإنهم إذا قاموا به ، واستناروا بنوره ، واهتدوا بهديه ، في مصالح دينهم ودنياهم ، فكذلك لا يقوم لهم أحد ، ولا بد أن يظهروا على أهل الأديان ، وإذا ضيعوه واكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه ، لم ينفعهم ذلك ، وصار إهمالهم له سبب تسليط الأعداء عليهم ، ويعرف هذا ، من استقرأ الأحوال ونظر في أول المسلمين وآخرهم .


[1080]:- كذا في ب، وفي أ: وترك للنواهي التي تعاطيها سبب الشر والفساد.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (9)

قوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } أي محمدا بالحق والرشاد ، { ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } أي بالحجج ، ومن الظهور الغلبة باليد في القتال ، وليس المراد بالظهور ألا يبقى دين آخر من الأديان ، بل المراد يكون أهل الإسلام عالين غالبين . ومن الإظهار ألا يبقى دين سوى الإسلام في آخر الزمان . قال مجاهد : وذلك إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض دين إلا دين الإسلام . وقال أبو هريرة : { ليظهره على الدين كله } بخروج عيسى . وحينئذ لا يبقى كافر إلا أسلم . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القِلاَص{[14945]} فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليَدْعُوَنّ إلى المال فلا يقبله أحد ) . وقيل : " ليظهره " أي ليطلع محمدا صلى الله عليه وسلم على سائر الأديان ، حتى يكون عالما بها عارفا بوجوه بطلانها ، وبما حرفوا وغيروا منها . " على الدين " أي الأديان ؛ لأن الدين مصدر يعبر به عن جمع .


[14945]:القلاص (بكسر القاف): الناقة الشابة.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (9)

ولما أخبر بذلك ، علله بما هو شأن كل ملك فكيف بالواحد في ملكه فقال : { هو } أي الذي ثبت أنه جامع لصفات الجمال والجلال وحده من غير أن يكون له شريك أو وزير ، { الذي أرسل }{[65065]} بما له من القوة والإرادة{[65066]} { رسوله } أي الحقيق بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته ، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى { بالهدى } أي البيان الشافي { ودين الحق } أي الملك الذي ثباته لا يدانيه ثبات ، فلا ثبات لغيره ، فثبات هذا الدين بثباته ، ويجوز أن يكون المعنى : والدين الذي هو الحق الثابت في الحقية{[65067]} الكامل فيها كمالاً ليس لغيره ، فيكون من إضافة الموصوف إلى صفته إشارة إلى شدة التباسه بها{[65068]} { ليظهره } أي يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع { على الدين } أي جنس الشريعة التي تجعل ليجازي من يسلكها و{[65069]}من يزيغ{[65070]} عنها ، بها يشرع فيها من الأحكام { كله } فلا يبقى دين إلا كان دونه وانمحق به وذل أهله له ذلاً لا يقاس به ذل ، { ولو كره } أي{[65071]} إظهاره { المشركون * } أي المعاندون في كفرهم{[65072]} الراسخون في تلك المعاندة ، وأعظم مراد بهذا أهل العناد ببدعة الاتحاد ، فإنهم ما تركوا شيئاً مما سواه حتى أشركوا به - تعالى الله{[65073]} عما يقولون علواً كبيراً ، - وهم مع بعد نحلتهم من العقول وفسادها من الأوهام ومصادمتها لجميع النقول في غاية الكثرة لمصير الناس إلى ما وعد الله ورسوله - وصدق الله ورسوله{[65074]} - من أن أكثرهم قد مرجت عهودهم{[65075]} وخفيت أماناتهم{[65076]} وصاروا حثالة كحثالة التمر لا يعبأ الله بهم ، لكنهم على كثرتهم بما تضمنته هذه الآية في أمثالها في غاية الذل ولله الحمد لا عز لهم إلا بإظهار الاتباع للكتاب{[65077]} والسنة وهم يعلمون أنهم يكذبون في هذه الدعوى لأنهم في غاية المخالفة لهما{[65078]} بحيث يعتقدون أنهما شرك لإثباتهما لله تعالى وجوداً يخالف وجود الخلق وهم يقولون مكابرة للضرورة أن الوجود واحد وأنه لا موجود ظاهراً وباطناً سواه ، ولذلك سموا الوجود به ثم{[65079]} لا يردهم علمهم بذلهم وأنهم لا عز لهم إلا بحمى الشريعة عن ضلالهم فأعجب لذلك وألجأ إلى الله تعالى بسؤال العافية ، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ، وضربهم بالذل مع كثرتهم في {[65080]}غاية الدلالة على الله سبحانه لأن الملك الكامل القدرة لا يقر من يطعن في ملكه ويسعى في رد رسالته وإهانة رسله ولقد أنجز سبحانه كثيراً من وعده بما دل{[65081]} - لكونه تغليباً على أقوى الملوك من الأكاسرة والقياصرة{[65082]} - على القدرة على الباقين ، وذلك أنه لما تقاعد قومه عن نصرته وانتدبوا لتكذيبه وجحدواما شاهدوه من صدقه يسر{[65083]} الله له أنصاراً من أمته هم {[65084]}نزاع القبائل{[65085]} وأجاد الأفاضل وسادات الأماثل فبلغوا في تأييده أقصى الأمل .


[65065]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[65066]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[65067]:- من ظ وم، وفي الأصل: الحقيقة.
[65068]:- من ظ وم، وفي الأصل: به.
[65069]:- من ظ وم، وفي الأصل: يغيب.
[65070]:- من ظ وم، وفي الأصل: يغيب.
[65071]:- من ظ وم، وفي الأصل: في.
[65072]:- زيد في الأصل و م: أي، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[65073]:- زيد من ظ وم.
[65074]:- زيد من ظ وم.
[65075]:- من ظ وم، وفي الأصل: عقولهم.
[65076]:- من ظ وم، وفي الأصل: إماراتهم.
[65077]:- من ظ و م، وفي الأصل: لكتاب.
[65078]:- من ظ وم، وفي الأصل: لها.
[65079]:- من ظ وم، وفي الأصل: وكذا.
[65080]:- من م، وفي الأصل وظ: على.
[65081]:- زيد في الأصل وظ: عليه، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[65082]:- من ظ وم، وفي الأصل: إلا قاصرة.
[65083]:- من ظ وم، وفي الأصل: يسره.
[65084]:- من ظ وم، وفي الأصل: يراع القلائل.
[65085]:- من ظ وم، وفي الأصل: يراع القلائل.