في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ نَبَؤٌاْ عَظِيمٌ} (67)

65

وقل لهم : إن ما جئتهم به وما يعرضون عنه أكبر وأعظم مما يظنون . وإن وراءه ما وراءه مما هم عنه غافلون :

( قل : هو نبأ عظيم . أنتم عنه معرضون ) . .

وإنه لأمر أعظم بكثير من ظاهره القريب . إنه أمر من أمر الله في هذا الوجود كله . وشأن من شؤون هذا الكون بكامله . إنه قدر من قدر الله في نظام هذا الوجود . ليس منفصلاً ولا بعيداً عن شأن السماوات والأرض ، وشأن الماضي السحيق والمستقبل البعيد .

ولقد جاء هذا النبأ العظيم ليتجاوز قريشاً في مكة ، والعرب في الجزيرة ، والجيل الذي عاصر الدعوة في الأرض . ليتجاوز هذا المدى المحدود من المكان والزمان ؛ ويؤثر في مستقبل البشرية كلها في جميع أعصارها وأقطارها ؛ ويكيف مصائرها منذ نزوله إلى الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ولقد نزل في أوانه المقدر له في نظام هذا الكون كله ، ليؤدي دوره هذا في الوقت الذي قدره الله له .

ولقد حول خط سير البشرية إلى الطريق الذي خطته يد القدر بهذا النبأ العظيم . سواء في ذلك من آمن به ومن صدّ عنه . ومن جاهد معه ومن قاومه . في جيله وفي الأجيال التي تلته . ولم يمر بالبشرية في تاريخها كله حادث أو نبأ ترك فيها من الآثار ما تركه هذا النبأ العظيم .

ولقد أنشأ من القيم والتصورات ، وأرسى من القواعد والنظم في هذه الأرض كلها ، وفي أجيال البشرية جميعها ، ما لم يكن العرب يتصورونه ولو في الخيال !

وما كانوا يدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ إنما جاء ليغير وجه الأرض ؛ ويوجه سير التاريخ ؛ ويحقق قدر الله في مصير هذه الحياة ؛ ويؤثر في ضمير البشرية وفي واقعها ؛ ويصل هذا كله بخط سير الوجود كله ، وبالحق الكامن في خلق السماوات والأرض وما بينهما . وأنه ماض كذلك إلى يوم القيامة . يؤدي دوره في توجيه أقدار الناس وأقدار الحياة .

والمسلمون اليوم يقفون من هذا النبأ كما وقف منه العرب أول الأمر . لا يدركون طبيعته وارتباطها بطبيعة الوجود ؛ ولا يتدبرون الحق الكامن فيه ليعلموا أنه طرف من الحق الكامن في بناء الوجود ؛ ولا يستعرضون آثاره في تاريخ البشرية وفي خط سيرها الطويل استعراضاً واقعياً ، يعتمدون فيه على نظرة مستقلة غير مستمدة من أعداء هذا النبأ الذين يهمهم دائماً أن يصغروا من شأنه في تكييف حياة البشر وفي تحديد خط التاريخ . . ومن ثم فإن المسلمين لا يدركون حقيقة دورهم سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل . وأنه دور ماض في هذه الأرض إلى آخر الزمان . .

ولقد كان العرب الأولون يظنون أن الأمر هو أمرهم وأمر محمد بن عبدالله [ صلى الله عليه وسلم ] واختياره من بينهم ، لينزل عليه الذكر . وكانوا يحصرون همهم في هذه الشكلية . فالقرآن يوجه أنظارهم بهذا إلى أن الأمر أعظم من هذا جداً . وأنه أكبر منهم ومن محمد بن عبد الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأن محمداً ليس إلا حاملاً لهذا النبأ ومبلغاً ؛ وأنه لم يبتدعه ابتداعاً ؛ وما كان له أن يعلم ما وراءه لولا تعليم الله إياه ؛ وما كان حاضراً ما دار في الملأ الأعلى منذ البدء إنما أخبره الله :

ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون أن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ نَبَؤٌاْ عَظِيمٌ} (67)

65

المفردات :

نبأ عظيم : خبر عظيم ، وهو نزول وحي السماء على أمة ، لإحيائها وبعثها بعثها بعثا جديدا بكفر جديد .

التفسير :

67- { قل هو نبأ عظيم } .

إن خبر الوحي وإرشاد السماء ، واختيار رسول ليكون واسطة بين الله وبين خلقه نبأ عظيم ، وأمر خطير ، أن تُكلِّم السماء والأرض ، وأن يتفضل الله على عباده بأن يرسل محمدا صلى الله عليه وسلم مبشرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، إن هذا الوحي في حد ذاته شرف للإنسانية كلها ، حيث اختار الله من بينها يتيما فقيرا أميا ، وأنزل عليه الوحي من السماء لهداية الناس وإرشادهم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ نَبَؤٌاْ عَظِيمٌ} (67)

{ قل هو نبأ عظيم } أي القرآن الذي أنبأتكم به وجئتكم فيه بما لا يعلم إلا بوحي وهو قوله { ما كان لي من علم بالملإ الأعلى }

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ نَبَؤٌاْ عَظِيمٌ} (67)

ولما ثبت بهذا وحدانيته وقدرته ولم يزعهم ذلك عن ضلالهم ، ولا ردهم عن عتوهم ومحالهم ، مع كونه موجباً لأن يقبل كل أحد عليه ولا يعدل أبداً عنه ، قال آمراً له بما ينبههم على عظيم خطئهم : { قل هو } أي هذا الأمر الذي تلوته عليكم من الأخبار عن الماضي والآتي من القيامة المشتملة على التخاصم المذكور وغيرها والأحكام والمواعظ ، فثبت بمضمونه الوحدانية ، وتحقق بإعجازه مع ثبوت الوحدانية وتمام القدرة وجميع صفات الكمال أنه كلام الله : { نبؤا عظيم } أي : خبر يفوت الوصف في الجلال والعظم بدلالة العبارة والصفة لا يعرض عن مثله إلا غافل لا وعي له ولا شيء من رأى .