في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي لَيَحۡزُنُنِيٓ أَن تَذۡهَبُواْ بِهِۦ وَأَخَافُ أَن يَأۡكُلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَأَنتُمۡ عَنۡهُ غَٰفِلُونَ} (13)

وردا على العتاب الاستنكاري الأول جعل يعقوب ينفي - بطريق غير مباشر - أنه لا يأمنهم عليه ، ويعلل احتجازه معه بقلة صبره على فراقه وخوفه عليه من الذئاب :

( قال : إني ليحزنني أن تذهبوا به ، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ) . .

( إني ليحزنني أن تذهبوا به ) .

إنني لا أطيق فراقه . . ولا بد أن هذه هاجت أحقادهم وضاعفتها . أن يبلغ حبه له درجة الحزن لفراقه ولو لبعض يوم ، وهو ذاهب كما قالوا له للنشاط والمسرة .

( وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ) . .

ولا بد أنهم وجدوا فيها عذرا كانوا يبحثون عنه ، أو كان الحقد الهائج أعماهم فلم يفكروا ماذا يقولون لأبيهم بعد فعلتهم المنكرة ، حتى لقنهم أبوهم هذا الجواب !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي لَيَحۡزُنُنِيٓ أَن تَذۡهَبُواْ بِهِۦ وَأَخَافُ أَن يَأۡكُلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَأَنتُمۡ عَنۡهُ غَٰفِلُونَ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ إِنّي لَيَحْزُنُنِيَ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : قال يعقوب لهم : { إني ليحزنني أن تذهبوا به } ، معكم إلى الصحراء ، مخافة عليه من الذئب أن يأكله ، { وأنتم عنه غافلون } : لا تشعرون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي لَيَحۡزُنُنِيٓ أَن تَذۡهَبُواْ بِهِۦ وَأَخَافُ أَن يَأۡكُلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَأَنتُمۡ عَنۡهُ غَٰفِلُونَ} (13)

فصل جملة { قال } جار على طريقة المحاورة .

أظهر لهم سبب امتناعه من خروج يوسف عليه السّلام معهم إلى الرّيف بأنّه يحزنه لبعده عنه أيّاماً ، وبأنّه يخشى عليه الذئاب ، إذ كان يوسف عليه السّلام حينئذٍ غلاماً ، وكان قد رُبّيَ في دَعَة فلم يكن مَرناً بمقاومة الوحوش ، والذئابُ تَجْتَرىءُ على الذي تحسّ منه ضعفاً في دفاعها . قال الرّبيع بن ضبع الفزاري يشكو ضعف الشيخوخة :

والذّئب أخشاه إن مررت به *** وحدي وأخشى الرياح والمطرا

وقال الفرزدق يذكر ذئباً :

فقلت له لمّا تكشّر ضاحكاً *** وقائم سيفي من يدي بمكان

تعش فإن عاهدتني لا تخونني *** نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

فذئاب بادية الشّام كانت أشدّ خبثاً من بقية الذئاب ، ولعلّها كانت كذئاب بلاد الرُّوس . والعرب يقولون : إنّ الذئب إذا حورب ودافع عن نفسه حتّى عضّ الإنسان وأسال دمه أنّه يضرى حين يرى الدمّ فيستأسد على الإنسان ، قال :

فكنت كذئب السّوء حين رأى دماً *** بصاحبه يوماً أحال على الدم

وقد يتجمّع سرب من الذئاب فتكون أشدّ خطراً على الواحد من الناس والصغير .

والتعريف في { الذئب } تعريف الحقيقة والطبيعة ، ويسمّى تعريف الجنس . وهو هنا مراد به غير معيّن من نوع الذئب أو جماعة منه ، وليس الحكم على الجنس بقرينة أن الأكل من أحوال الذّوات لا من أحوال الجنس ، لكن المراد أية ذات من هذا الجنس دون تعيين . ونظيره قوله تعالى : { كمثل الحمار يحمل أسفاراً } [ سورة الجمعة : 5 ] أي فرد من الحمير غير معيّن ، وقرينة إرادة الفرد دون الجنس إسناد حمل الأسفار إليه لأنّ الجنس لا يحمل . ومنه قولهم : ( ادخل السوق ) إذا أردت فرداً من الأسواق غير معين ، وقولك : ادخل ، قرينة على ما ذكر . وهذا التّعريف شبيه بالنّكرة في المعنى إلاّ أنّه مراد به فرد من الجنس . وقريب من هذا التّعريف باللاّم التعريف بعلم الجنس ، والفرق بين هذه اللام وبين المنكّر كالفرق بين علم الجنس والنكرة .

فالمعنى : أخاف أن يأكله الذّئب ، أي يَقتله فيأكل منه فإنّكم تبعدون عنه ، لمَا يعلم من إمعانهم في اللّعب والشّغل باللهو والمسابقة ، فتجتري الذئاب على يوسف عليه السّلام .

والذئب : حيوان من الفصيلة الكلبيّة ، وهو كلب بَرّي وحشيّ . من خلقه الاحتيال والنفورُ . وهو يفترس الغنم . وإذا قاتل الإنسان فجرحه ورأى عليه الدم ضرى به فربّما مزّقه .

وإنّما ذكر يعقوب عليه السّلام أنّ ذهابهم به غَدا يحدث به حزناً مستقبلاً ليصرفهم عن الإلحاح في طلب الخروج به لأنّ شأن الابن البار أن يتّقي ما يحزن أباه .

وتأكيد الجملة بحرف التّأكيد لقطع إلحاحهم بتحقيق أنّ حزنه لفراقه ثابت ، تنزيلاً لهم منزلة من ينكر ذلك ، إذْ رأى إلحاحهم . ويسري التّأكيد إلى جملة { وأخاف أن يأكله الذئب } .