الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ إِنِّي لَيَحۡزُنُنِيٓ أَن تَذۡهَبُواْ بِهِۦ وَأَخَافُ أَن يَأۡكُلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَأَنتُمۡ عَنۡهُ غَٰفِلُونَ} (13)

قوله تعالى : { أَن تَذْهَبُواْ } : فاعل " يَحْزُنني " ، أي : يَحْزنني ذهابُكم . وفي هذه الآيةِ دلالةٌ على أنَّ المضارعَ المقترن بلام الابتداء لا يكون حالاً ، والنحاةُ جَعَلوها مِن القرائن المخصصة للحال ، ووجه الدلالة أنَّ " أَنْ تَذْهبوا " مستقبلٌ لاقترانه بحرفِ الاستقبال وهي " أنْ " ، وما في حيزها فاعلٌ ، فلو جَعَلْنا " لَيَحْزُنني " حالاً لزم سَبْقُ الفعل لفاعله وهو محالٌ . وأجيب عن ذلك بأنَّ الفاعلَ في الحقيقة مقدرٌ حُذِف هو وقام المضافُ إليه مَقامه ، والتقدير : ليحزنني تَوَقُّعُ ذهابِكم .

وقرأ زيد بن علي وابن هرمز وابن محيصن : " لَيَحْزُنِّي " بالإِدغام . وقرأ زيد بن علي وحده " تُذْهبوا " بضم التاء مِنْ أذهب ، وهو كقوله : { تُنْبُتُ بِالدُّهْنِ } [ المؤمنون : 20 ] في قراءة مَنْ ضم التاء فتكون الباءُ زائدةً أو حالية .

و " الذئب " يُهْمَز ولا يُهْمز ، وبعدم الهمزة قرأ السوسي والكسائي وورش ، وفي الوقف لا يهمزه حمزة ، قالوا : وهو مشتقٌّ مِنْ " تذاءَبَتِ الرِّيح " : إذا هَبَّتْ مِنْ كل جهة لأنه يأتي كذلك ، ويُجْمع على ذِئاب وذُؤبان وأَذْئُب قال :

2752 وأَزْوَرَ يَمْطُو في بلادٍ بعيدةٍ *** تَعاوَى به ذُؤْبانه وثعالِبُهْ

وأرضٌ مَذْأَبة : كثيرة الذئاب ، وذُؤابة الشعر لتحرُّكِها وتَقَلُّبها ، مِنْ ذلك .

وقوله : { وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } جملة حالية العامل فيها " يأكله " .