اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ إِنِّي لَيَحۡزُنُنِيٓ أَن تَذۡهَبُواْ بِهِۦ وَأَخَافُ أَن يَأۡكُلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَأَنتُمۡ عَنۡهُ غَٰفِلُونَ} (13)

قوله : { أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } فاعل : " يَحْزُنُنِي " ، أي : يَحْزُننِي ذهابُكم ، وفي هذه الآية دلالة على أنَّ المضارع المقترن بلام الابتداء لا يكون حالاً ، والنُّحاة جعلوها من القرائن المخصصة للحال ، ووجه الدلالة : أنَّ " أن تذْهَبُوا " مستقبل ؛ لاقترانه بحرف الاستقبال ، وهي وما في حيِّزها فاعل ، فلو جعلنا " ليَحْزُنُنِي " حالاً ، لزم سبق الفعل لفاعله ، وهو مُحل وأجيبَ عن ذلك بإنَّ الفاعل في الحَقيقَة مقدَّر ، حذف هو وقام المضاف إليه مقامه ، والتقدير : ليَحْزُوننِي توقع ذهابكم ، وقرأ زيد بن علي وابن هرمز ، وابن محيصن : " ليَحْزُنِّي " بالإدغام .

وقرأ زيد بن علي : " تُذْهِبُوا بِهِ " بضم التَّاء من " أذْهَبَ " وهو كقوله : { تَنبُتُ بالدهن } [ المؤمنون : 20 ] في قراءة من ضمَّ التَّاء ، فتكون التاء زائدة أو حالية .

والذئبُ يُهْمز ولا يُهْمزُ ، وبعدم الهمز قرأ السُّوسيُّ ، والكسائيُّ ، وورش ، وفي الوقف لا يهمزه حمزة ، قالوا وهو مشتقٌّ من : تَذاءَبتٍ الرِّيحُ إذَا هَبَّت من كُلِّ جهةٍ ؛ لأنه يأتي كذلك ، ويجمع على ذائب ، وذُؤبان ، وأذْؤبح قال : [ الطويل ]

3063 وأزْوَرَ يَمْشِي في بلادٍ بَعيدَةٍ *** تَعَاوَى بِهِ ذُؤبَانُهُ وثَعالِبُهْ

وأرضٌ مذْأبة : كثيرة الذِّئاب ، وذُؤابةٌ الشَّعر ؛ لتحرُّكها ، وتقلبها من ذلك .

وقوله : { وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } : جملة حاليَّة ، العامل فيها : " يَأكلهُ " .

فصل

لما طلبوا منه إرسال يوسف عليه السلام معهم اعتذر إليهم بشيئين :

أحدهما : ليُبَيِّن لهم أنَّ ذهابهم به مما يُحزنُه ؛ لأنه كان لا يصبر عنه ساعةً .

والثاني : خَوْفه عليه من الذِّب إذا غفلوا عنه برعهيم ، أو لعبهم أو لقلة اهتامهم به .

فقيل : إنه رأى في النَّوم أن الذِّئب شدَّ على يوسف فكان يحذره ، فألأجل هذا ذكر ذلك . وقيل : إن الذِّئاب كانت كثيرة في أرضهم ، فلما قال بعقوب عليه الصلاة والسلام هذا الكلام ، أجابوه بقولهم :