في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (6)

هذه بعض آيات الله الكونية ، يشير إليها هذه الإشارات الموحية للمؤمنين . الذين يوقنون والذين يعقلون . يشير إليها بآيات الله القرآنية ، فتلمس القلوب ، وتوقظ العقول ، وتخاطب الفطر بلغتها المباشرة ، بما بينها وبين هذا الكون من صلة عميقة باطنة ، لا يحتاج إيقاظها إلا إلى كلمات موحية كآيات هذا القرآن . فمن لم يؤمن بهذه الآيات فلا رجاء في أن يؤمن بسواها ؛ ومن لم توقظه هذه الإشارات الموحية فلن توقظه الصرخات من غير هذا الصوت المستجاب :

( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ? ) . .

إن أي كلام لن يبلغ كلام الله في القرآن . وإن أي إبداع لن يبلغ إبداع الله في الكون . وإن أية حقيقة لن تبلغ حقيقة الله في الثبوت والوضوح واليقين . ( فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ? ) . .

وهنا لا يليق بمن لا يؤمن إلا التهديد والتنكيل :

( ويل لكل أفاك أثيم . يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها . فبشره بعذاب أليم . وإذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً ، أولئك لهم عذاب مهين . من ورائهم جهنم ، ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئاً ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ، ولهم عذاب عظيم . . )

وتصور هذه الآيات - كما أسلفنا في تقديم السورة - جانباً من استقبال المشركين لهذه الدعوة في مكة ، وإصرارهم على باطلهم ، واستكبارهم عن سماع كلمة الحق البين ، ومكابرتهم في هذا الحق كأنه لم يطرق

أذهانهم ، وسوء أدبهم مع الله وكلامه . . ومقابلة القرآن لهذا كله بالترذيل والتقبيح والتهديد والوعيد ، والتلويح بالعذاب الأليم المهين العظيم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { تَلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره : هذه الايات والحجج يامحمد من ربك على خلقه نتلوها عليك بالحقّ : يقول : نخبرك عنها بالحقّ لا بالباطل ، كما يخبر مشركو قومك عن آلهتهم بالباطل ، أنها تقرّبهم إلى الله زُلْفَى ، فبأيّ حديث بعد الله وآياته تؤمنون : يقول تعالى ذكره للمشركين به : فبأيّ حديث أيها القوم بعد حديث الله هذا الذي يتلوه عليكم ، وبعد حججه عليكم وأدلته التي دلكم بها على وحدانيته من أنه لا ربّ لكم سواه ، تصدّقون ، إن أنتم كذّبتم لحديثه وآياته . وهذا التأويل على مذهب قراءة من قرأ «تُؤْمِنُونَ » على وجه الخطاب من الله بهذا الكلام للمشركين ، وذلك قراءة عامة قرّاء الكوفيين . وأما على قراءة من قرأه يُؤْمِنون بالياء ، فإن معناه : فبأيّ حديث يا محمد بعد حديث الله الذي يتلوه عليك وآياته هذه التي نبه هؤلاء المشركين عليها ، وذكّرهم بها ، يؤمن هؤلاء المشركون ، وهي قراءة عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة ، ولكلتا القراءتين وجه صحيح ، وتأويل مفهوم ، فبأية القراءتين قرأ ذلك القارىء فمصيب عندنا ، وإن كنت أميل إلى قراءته بالياء إذ كانت في سياق آيات قد مضين قبلها على وجه الخبر ، وذلك قوله : لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ و لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (6)

وقوله : { تلك آيات الله } إشارة إلى ما ذكر . وقوله : { نتلوها } فيه حذف مضاف ، أي يتلو شأنها وتفسيرها وشرح العبرة لها ، ويحتمل أن يريد ب { آيات الله } القرآن المنزل في هذه المعاني فلا يكون في { نتلوها } حذف مضاف . وقوله : { بالحق } معناه : بالصدق والإعلام بحقائق الأمور في أنفسها . وقوله : { فبأي حديث } الآية توبيخ وتقريع ، وفيه قوة التهديد .

وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وأبو جعفر والأعرج وشيبة وقتادة : «يؤمنون » بالياء من تحت ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم أيضاً والأعمش «تؤمنون » بالتاء على مخاطبة الكفار . وقرأ طلحة بن مصرف : «توقنون » بالتاء من فوق من اليقين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (6)

يجوز أن تكون الإشارة وبيانها بآيات الله إشارة إلى الآيات المذكورة في قوله { لآيات للمؤمنين } [ الجاثية : 3 ] وقوله : { آيات لقوم يوقنون } [ الجاثية : 4 ] وقوله : { آيات لقوم يعقلون } [ الجاثية : 5 ] .

وإضافتها إلى اسم الجلالة لأن خالقها على تلك الصفات التي كانت لها آيات للمستنصرين .

وجملة { نتلوها عليك بالحق } في موضع الحال من { آيات الله } والعامل في اسم الإشارة من معنى الفعل على نحو قوله تعالى : { وهذا بَعْلِي شيخاً } [ هود : 72 ] .

والتلاوة : القراءة . ومعنى كون الآيات مَتلوة أنّ في ألفاظ القرآن المتلوة دلالة عليها فاستعمال فعل ( نتلو ) مجاز عقلي لأن المتلوَ ما يدل عليها .

ويجوز أن تكون الإشارة إلى حاضر في الذهن غير مذكور لما دَل عليه قوله : { الكتاب } [ الجاثية : 2 ] أي تلك آيات الله المنزلة في القرآن ، فيكون استعمال فعل { نتلوها } في حقيقته .

وإسناد التلاوةِ إلى الله مجاز عقلي أيضاً لأن الله موجد القرآن المتلو الدال على تلك الآيات .

وقوله : { فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون } ، و { بعد } هنا بمعنى ( دون ) . فالمعنى : فبأي حديث دون الله وآياته ، وتقدم قوله تعالى : { ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده } في سورة الشورى ( 44 ) ، وفي الأعراف ( 185 ) { فبأي حديث بعده يؤمنون } والاستفهام في قوله : { فبأي حديث } مستعمل في التأييس والتعجيب كقول الأعشى :

فمن أيِّ ما تأتي الحوادث أفرَقُ

وإضافة { بعد } إلى اسم الجلالة على تقدير مضاف دل عليه ما تقدم من قوله : { فبأي حديث } ، والتقدير : بعد حديث الله ، أي بعد سماعه ، كقول النابِغة :

قد خفت حتى ما تزيد مخافتي *** على وعل في ذي المطارة عاقل

أي على مخافة وعل .

واسم { بعد } مستعمل في حقيقته .

والمراد بالحديث : الكلام ، يعني القرآن كقوله : { الله نَزَّل أحسن الحديث } [ الزمر : 23 ] وكما وقع إضافة حديث إلى ضمير القرآن في قوله في الأعراف ( 185 ) { فبأيّ حديث بعده يؤمنون } وفي آخر المرسلات ( 50 ) { فبأيّ حديث بعده يؤمنون } وعطف و { آياته } على { حديث } لأن المراد بها الآيات غير القرآن من دلائل السموات والأرض مما تقدم في قوله : { إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين } [ الجاثية : 3 ] .

وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص وأبو جعفر وروح عن يعقوب { يؤمنون } بالتحتية . وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ورويس عن يعقوب بالتاء الفوقية فهو التفات .