في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا صَٰلِحٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡيِ يَوۡمِئِذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (66)

50

وبالفاء التعقبية يعبر كذلك . فالعذاب لم يتأخر :

( فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ ، إن ربك هو القوي العزيز ، وأخذ الذين ظلموا الصيحة ، فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) . .

فلما جاء موعد تحقيق الأمر - وهو الإنذار أو الإهلاك - نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا . . خاصة ومباشرة . . نجيناه من الموت ومن خزي ذلك اليوم ، فقد كانت ميتة ثمود ميتة مخزية ، وكان مشهدهم جاثمين في دورهم بعد الصاعقة المدوية التي تركتهم موتى على هيئتهم مشهدا مخزيا .

( إن ربك هو القوي العزيز ) . .

يأخذ العتاة أخذا ولا يعز عليه أمرا ، ولا يهون من يتولاه ويرعاه .

/خ68

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا صَٰلِحٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡيِ يَوۡمِئِذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (66)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا صَالِحاً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنّ رَبّكَ هُوَ الْقَوِيّ الْعَزِيزُ } .

يقول تعالى ذكره : فلما جاء ثمود عذابنا ، نَجّيْنا صَالِحا وَالّذِينَ آمَنُوا به مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا يقول : بنعمة وفضل من الله . وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ يقول : ونجيناهم من هوان ذلك اليوم وذُلّة بذلك العذاب . إنّ رَبّكَ هُوَ القَوِيّ في بطشه إذا بطش بشيء أهلكه ، كما أهلك ثمود حين بطش بها العزيز ، فلا يغلبه غالب ولا يقهره قاهر ، بل يغلب كلّ شيء ويقهره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : بِرَحْمَةٍ مِنّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ قال : نجاه الله برحمة منا ، ونجاه من خزي يومئذ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة قال : قلنا له : حدّثنا حديث ثمود قال : أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمود : «كانت ثمود قوم صالح ، أعمرهم الله في الدنيا فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدَر ، فينهدم والرجل منهم حيّ ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا فَرِهين ، فنحتوها وجوّفوها ، وكانوا في سعة من معايشهم ، فقالوا : يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله فدعا صالح ربه ، فأخرج لهم الناقة ، فكان شِرْبُها يوما وشِرْبهم يوما معلوما . فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن الماء وحلبوها لبنا ، ملأوا كلّ إناء ووعاء وسقاء ، حتى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء ، فلم تشرب منه شيئا ، ملأوا كلّ إناء ووعاء وسقاء . فأوحى الله إلى صالح : إن قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم ، فقالوا : ما كنا لنفعل فقال : إلا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود . قالوا : ما علامة ذلك المولود ؟ فوالله لا نجده إلا قتلناه قال : فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر . قال : وكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان ، لأحدهما ابن يرغب به عن المناكح ، وللاَخر ابنة لا يجد لها كفؤا ، فجمع بينهما مجلس ، فقال أحدهما لصاحبه : ما يمنعك أن تزوّج ابنك ؟ قال : لا أجد له كفؤا ، قال : فإن ابنتي كفؤٌ له ، وأنا أزوّجك فزوّجه ، فولد بينهما ذلك المولود . وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون ، فلما قال لهم صالح : إنما يعقرها مولود فيكم ، اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية ، وجعلوا معهنّ شُرَطا كانوا يطوفون في القرية ، فإذا وجدوا المرأة تُمْخَض ، نظروا ما ولدها إن كان غلاما قلبنه ، فنظرن ما هو ، وإن كانت جارية أعرضن عنها ، فلما وجدوا ذلك المولود صرخ النسوة وقلن : هذا الذي يريد رسول الله صالح فأراد الشرط أن يأخذوه ، فحال جدّاه بينهم وبينه وقالا : لو أن صالحا أراد هذا قتلناه فكان شرّ مولود ، وكان يشِبّ في اليوم شبابَ غيرِه في الجمعة ، ويشبّ في الجمعة شَبابَ غيره في الشهر ، ويشبّ في الشهر شبابَ غيره في السنة . فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون وفيهم الشيخان ، فقالوا نستعمل علينا هذا الغلام لمنزلته وشرف جدّيه ، فكانوا تسعة . وكان صالح لا ينام معهم في القرية ، كان في مسجد يقال له مسجد صالح ، فيه يبيت بالليل ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم ، وإذا أمسى خرج إلى مسجده فبات فيه » . قال حجاج : وقال ابن جريج : «لما قال لهم صالح : إنه سيولد غلام يكون هلاككم على يديه ، قالوا فكيف تأمرنا ؟ قال : آمركم بقتلهم فقتلوهم إلا واحدا . قال : فلما بلغ ذلك المولود قالوا : لو كنا لم نقتل أولادنا ، لكان لكل رجل منا مثل هذا ، هذا عمل صالح . فأتمروا بينهم بقتله ، وقالوا : نخرج مسافرين والناس يروننا عَلانية ، ثم نرجع من ليلة كذا من شهر كذا وكذا فنرصده عند مصلاه فنقتله ، فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نحن فأقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه ، فأرسل الله عليهم الصخرة فرضختهم ، فأصبحوا رَضخا . فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم ، فإذا هم رضخ ، فرجعوا يصيحون في القرية : أي عبادَ الله ، أما رضي صالح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم ؟ فاجتمع أهل القرية على قتل الناقة أجمعون ، وأحجموا عنها إلا ذلك الابن العاشر . » ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «وأرادوا أن يمكروا بصالح ، فمشَوا حتى أتوا على سَرَب على طريق صالح ، فاختبأ فيه ثمانية ، وقالوا : إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله فبيتناهم فأمر الله الأرض فاستوت عليهم » . قال : «فاجتمعوا ومشَوا إلى الناقة وهي على حوضها قائمة ، فقال الشقيّ لأحدهم : ائتها فاعقرها فأتاها فتعاظمه ذلك ، فأضرب عن ذلك ، فبعث آخَر فأعظم ذلك ، فجعل لا يبعث رجلاً إلا تعاظمه أمرها حتى مشَوا إليها ، وتطاول فضرب عرقوبيها ، فوقعت تركض ، وأتى رجل منهم صالحا ، فقال : أدرك الناقة فقد عقرت فأقبل ، وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه : يا نبي الله إنما عقرها فلان ، إنه لا ذنب لنا . قال : فانظروا هل تُدْرِكون فصيلها ، فإن أدركتموه ، فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه ، ولما رأى الفصيلُ أمه تضطرب أتى جبلاً يقال له القارة قصيرا ، فصعد وذهبوا ليأخذوه ، فأوحي الله إلى الجبل ، فطال في السماء حتى ما يناله الطير » . قال : «ودخل صالح القرية ، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ، ثم استقبل صالحا فَرَغا رَغْوة ، ثم رغا أخرى ، ثم رغا أخرى ، فقال صالح لقومه : لكل رَغوة أجل يوم تَمَتّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ ذلكَ وَعْدٌ غيرُ مَكْذُوبٍ ألا إن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودّة فلما أصبحوا فإذا وجوههم كأنها طُلِيَت بالخَلُوق ، صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم . فلما أمْسَوْا صاحوا بأجمهم : ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثالث إذا وجوههم محمرة كأنها خُضِبت بالدماء ، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا آية العذاب . فلما أمسوْا صاحوا بأجمعهم : ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودّة كأنها طُليت بالقار ، فصاحوا جميعا : ألا قد حضركم العذاب فتكفنوا وتحنّطوا ، وكان حَنوطهم الصبر والمَقْر ، وكانت أكفانهم الأنطاع . ثم ألَقْوا أنفسهم بالأرض ، فجعلوا يقلبون أبصارهم ، فينظرون إلى السماء مرّة وإلى الأرض مرّة ، فلا يدرون من حيث يأتيهم العذاب من فوقهم من السماء أو من تحت أرجلهم من الأرض خَسْفا وغرقا . فلما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كلّ صاعقة ، وصوت كل شيء له صوت في الأرض ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم ، فأصبحوا في دارهم جاثمين » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : حُدّثت أنه لما أخذتهمُ الصيحة أهلك الله مَنْ بين المشارق والمغارب منهم إلا رجلاً واحدا كان في حَرَم الله ، منعه حَرَم الله من عذاب الله . قيل : ومن هو يا رسول الله ، قال : «أبو رِغال » . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى على قرية ثمود لأصحابه : «لا يَدْخُلَنّ أحَدٌ مِنْكُمُ القَرْيَةَ وَلا تَشْرَبُوا مِنْ مائهِمْ » وأراهم مرتقي الفصيل حين ارتقي في القَارَة . قال ابن جريج ، وأخبرني موسى بن عُقْبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حين أتى على قرية ثمود قال : «لا تَدْخُلُوا على هؤلاءِ المَعَذّبِينَ إلاّ أنْ تَكُونُوا باكِينَ ، فإنْ لَمْ تَكُونُوا باكينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهمْ أنْ يُصِيبَكُمْ ما أصَابَهُمْ » . قال ابن جريج : قال جابر بن عبد الله . إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أتى على الحِجْر ، حمِد الله وأثنى عليه ثم قال : «أمّا بَعْدُ ، فَلا تَسألُوا رَسُولَكُمُ الاَياتِ ، هَؤُلاءِ قَوْمُ صَالِحٍ سألُوا رَسوَلهُمُ الآية ، فَبَعَثَ اللّهُ لَهُمُ النّاقَةَ ، فَكانَتْ تَرِدُ منْ هَذَا الفَجّ وتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الفَجّ ، فَتَشْرَبُ ماءَهُمْ يَوْمَ وُرُودِها » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لما مرّ بوادي ثمود ، وهو عامد إلى تَبُوك قال : فأمر أصحابه أن يسرعوا السير ، وأن لا ينزلوا به ، ولا يشربوا من مائه ، وأخبرهم أنه وادٍ ملعون . قال : وذُكِر لنا أن الرجل الموسر من قوم صالح كان يعطِي المعسر منهم ما يتكفّنون به ، وكان الرجل منهم يَلْحَد لنفسه ولأهل بيته ، لميعاد نبيّ الله صالح الذي وعدهم وحدّث من رآهم بالطرق والأفنية والبيوت ، فيهم شبان وشيوخ أبقاهم الله عبرة وآية .

حدثنا إسماعيل بن المتوكل الأشجعي من أهلِ حمص ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا عبد الله بن واقد ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، قال : حدثنا أبو الطفيل ، قال : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تَبُوك ، نزل الحِجر فقال : «يا أيّها النّاسُ لا تَسألُوا نَبِيّكُمُ الاَياتِ هَؤلاءِ قَوْمُ صَالِحٍ سألُوا نَبِيّهُمْ أنْ يَبْعَثَ لَهُمْ آيَةً ، فَبَعَثَ اللّهُ لَهُمُ النّاقَةَ آيَةً ، فَكانَتْ تَلِجُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ وُرُودِهُمُ الّذِي كانُوا يَتَرَوّونَ مِنْهُ ، ثُمّ يَحْلُبُونَها مِثْلَ ما كانُوا يَتَرَوّوْنَ مِنْ مائهِمْ قَبْلَ ذلكَ لَبَنا ، ثُمّ تَخْرُجُ مِن ذلكَ الفَجّ ، فَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبّهِمْ وَعَقَرُوها ، فَوَعَدَهُمُ اللّهُ العَذَابَ بَعْدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ ، وكانَ وَعْدا مِنَ اللّهِ غيرَ مَكْذُوبٍ ، فأهْلَكَ اللّهُ مَنْ كانَ مِنْهُمْ فِي مَشارِقِ الأرْضِ وَمَغارِبِها إلاّ رَجُلاً وَاحِدا كانَ فِي حَرَمِ اللّهِ ، فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللّهِ مِنْ عَذَابِ اللّهِ » قالُوا : وَمَنْ ذلكَ الرّجُلُ يا رَسُولَ اللّهِ ؟ قالَ : «أبُو رُغال » .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا صَٰلِحٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡيِ يَوۡمِئِذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (66)

{ فلما جاء أمرنا نجّينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ } أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم وفضيحتهم يوم القيامة . وعن نافع { يومئذ } بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هنا وفي " المعارج " في قوله : { من عذاب يومئذ } { إن ربك هو القوي العزيز } القادر على كل شيء والغالب عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا صَٰلِحٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡيِ يَوۡمِئِذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (66)

«الأمر » جائز أن يراد به المصدر من أمر ، وجائز أن يراد به : واحد الأمور . وقوله : { برحمة منا } يحتمل أن يقصد أن التنجية إنما كانت بمجرد الرحمة ، ويحتمل أن يكون وصف حال فقط : أخبر أنه رحمهم في حال التنجية . وقوله : { منا } الظاهر أنه متعلق ب { رحمة } ويحتمل أن يتعلق بقوله { نجينا } .

وقرأت فرقة : «ومن خزيٍ يومَئذ » بتنوين خزي وفتح الميم من { يومئذ } وذلك يجوز فيه أن تكون فتحة الميم إعراباً ، ويجوز أن يكون بني الظرف لما أضيف إلى غير متمكن ، فأنت مخير في الوجهين . والروايتان في قول الشاعر :

على حين عاتبت المشيب على الصبا*** وقلت ألمّا أصح والشيب وازع{[6405]}

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ومن خزيِ يومِئذ » بإضافة «خزي » وكسر الميم من { يومئذ } وهذا توسع في إضافة المصدر إلى الظرف كما قال : { مكر الليل والنهار }{[6406]} ونحو هذا ، وقياس هذه القراءة أن يقال سير عليه «يومُئذ » برفع الميم ، وهذه قراءتهم في قوله تعالى : { من عذاب يومئذ }{[6407]} ، و { من فزع يومئذ }{[6408]} ، وقرأ عاصم وحمزة كذلك إلا في قوله { من فزع يومئذ } [ النمل : 89 ] فإنهما نونا العين وفتحا الميم واختلفت عن نافع في كسر الميم وفتحها ، وهو يضيف في الوجهين ، وقرأ الكسائي «من خزي يومَئذ » بترك التنوين وفتح الميم من { يومئذ } وهذا جمع بين الإضافة وبناء الظرف .

وقرأ { ومن فزع } [ النمل : 89 ] كعاصم وحمزة وأما «إذ » فكان حقها : «إذ » ساكنة إلا أنها من حقها أن تليها الجمل فلما حذفت لها ها هنا الجملة عوضت بالتنوين{[6409]} ، والإشارة بقوله : { يومئذ } إلى يوم التعذيب .


[6405]:- سبق الاستشهاد بهذا البيت عند تفسير قوله تعالى في الآية رقم (5) من هذه السورة {ألا حين يستغشون ثيابهم}.
[6406]:- من الآية (33) من سورة (سبأ)
[6407]:- من الآية (11) من سورة(المعارج).
[6408]:- من الآية (89) من سورة (النمل).
[6409]:- قال ابن خالويه في كتابه: "الحجة في القراءات السبع": "الحجة لمن نوّن ونصب أنه أراد بالنصب خلاف المضاف، لأن التنوين دليل، والإضافة دليل، ولا يجتمع دليلان في اسم واحد، والحجة لمن ترك التنوين وأضاف أنه أتى به على قياس ما يجب للأسماء، والحجة لمن بناه مع ترك التنوين وجهان: أحدهما: أنه جعل (يومَ) مع (إذ) بمنزلة اسمين جُعلا اسما واحدا، فبناه على الفتح كما بُني خمسة عشر، والثاني: أنه لما كانت (إذ) اسما للوقت الماضي، و"اليوم" من أسماء الأوقات أضفتهما إضافة الأوقات إلى الجمل، كقولك: جئتك يوم قام زيد، فيكون كقولك: جئتك إذ قام زيد، فلما كانت (إذ) بهذه المثابة بُني اليومُ معها على الفتح لأنه غير متمكن من الظروف، وجُعل تنوين (إذ) عوضا من الفعل المحذوف بعدها، لأن معناه: "يوم إذ قدم الحاج"، وما شاكل ذلك.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا صَٰلِحٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡيِ يَوۡمِئِذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (66)

تقدّم الكلام على نظائر بعض هذه الآية في قصّة هود في سورة الأعراف .

ومتعلّق { نجينا } محذوف .

وعطف { ومن خِزي يومئذٍ } على متعلّق { نجّينا } المحذوف ، أي نجّينا صالحاً عليه السّلام ومَن معه من عذاب الاستئصال ومن الخزي المكيّف به العذاب فإنّ العذاب يكون على كيفيات بعضها أخزى من بعض . فالمقصود من العطف عطف منّة على منّة لا عطف إنجاء على إنجاء ، ولذلك عطف المتعلّق ولم يعطف الفعل ، كما عطف في قصة عاد { نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منّا ونجّيناهم من عذاب غليظ } [ هود : 58 ] لأنّ ذلك إنجاء من عذاب مغاير للمعطوف عليه .

وتنوين { يومئذٍ } تنوين عوض عن المضاف إليه . والتقدير : يوم إذ جاء أمرنا .

والخزي : الذّلّ ، وهو ذلّ العذاب ، وتقدّم الكلام عليه قريباً .

وجملة { إنّ ربّك هو القوي العزيز } معترضة .