فأما الذين لا يتوبون ولا يثوبون . الذين يصرون على الكفر ويزدادون كفرا . والذين يلجون في هذا الكفر حتى تفلت الفرصة المتاحة ، وينتهي أمد الاختبار ، ويأتي دور الجزاء . هؤلاء وهؤلاء لا توبة لهم ولا نجاة . ولن ينفعهم أن يكونوا قد أنفقوا ملء الأرض ذهبا فيما يظنون هم أنه خير وبر ، ما دام مقطوعا عن الصلة بالله . ومن ثم فهو غير موصول به ولا خالص له بطبيعة الحال . ولن ينجيهم أن يقدموا ملء الأرض ذهبا ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة . فقد أفلتت الفرصة وأغلقت الأبواب :
( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون . إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به . أولئك لهم عذاب أليم . وما لهم من ناصرين ) . .
وهكذا يحسم السياق القضية بهذا التقرير المروع المفزع ، وبهذا التوكيد الواضح الذي لا يدع ريبة لمستريب .
{ إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمّ ازْدَادُواْ كُفْراً لّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الضّآلّونَ }
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : عنى الله عزّ وجلّ بقوله : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا } أي ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم . { ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا } بكفرهم بمحمد . { لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } عند حضور الموت وحشرجته بنفسه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وأُولَئِكَ هُمُ الضّالّونَ } قال : اليهود والنصارى لن تقبل توبتهم عند الموت .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا } أولئك أعداء الله اليهود ، كفروا بالإنجيل وبعيسى ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا } قال : ازدادوا كفرا حتى حضرهم الموت ، فلم تقبل توبتهم حين حضرهم الموت . قال معمر : وقال مثل ذلك عطاء الخراساني .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة ، قوله : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضّالّونَ } وقال : هم اليهود كفروا بالإنجيل ، ثم ازدادوا كفرا حين بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فأنكروه ، وكذّبوا به .
وقال آخرون : معنى ذلك : إن الذين كفروا من أهل الكتاب بمحمد بعد إيمانهم بأنبيائهم ، { ثمّ ازدَادُوا كُفْرا } : يعني ذنوبا ، { لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } من ذنوبهم ، وهم على الكفر مقيمون . ذكر من قال ذلك :
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن رفيع : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا } ازدادوا ذنوبا وهم كفار ، { فَلَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } من تلك الذنوب ما كانوا على كفرهم وضلالتهم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، قال : سألت أبا العالية ، قال : قلت : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } ؟ قال : إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا ثم ازدادوا كفرا بذنوب أصابوها ، فهم يتوبون منها في كفرهم .
حدثنا عبد الحميد بن بيان اليشكري ، قال : أخبرنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، قال : سألت أبا العالية عن الذين آمنوا ثم كفروا ، فذكر نحوا منه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، قال : سألت أبا العالية عن هذه الاَية : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وأُولَئِكَ هُمُ الضّالّونَ } قال : هم اليهود والنصارى والمجوس ، أصابوا ذنوبا في كفرهم فأرادوا أن يتوبوا منها ، ولن يتوبوا من الكفر ، ألا ترى أنه يقول : { وأُولَئِكَ هُمُ الضّالّونَ } ؟
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن داود ، عن أبي العالية في قوله : { لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } قال : تابوا من بعض ، ولم يتوبوا من الأصل .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي العالية ، قوله : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا } قال : هم اليهود والنصارى يصيبون الذنوب فيقولون نتوب وهم مشركون ، قال الله عزّ وجلّ : لن تقبل التوبة في الضلالة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن الذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم ، ثم ازدادوا كفرا ، يعني بزيادتهم الكفر : تمامهم عليه حتى هلكوا وهم عليه مقيمون ، لن تقبل توبتهم : لن تنفعهم توبتهم الأولى ، وإيمانهم لكفرهم الاَخر وموتهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : { ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا } قال : تمّوا على كفرهم . قال ابن جريج : { لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } يقول : إيمانهم أوّل مرّة لن ينفعهم .
وقال آخرون : معنى قوله : { ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا } ماتوا كفارا ، فكان ذلك هو زيادتهم من كفرهم . وقالوا : معنى { لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } : لن تقبل توبتهم عند موتهم ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وأُولَئِكَ هُمُ الضّالّونَ } أما ازدادوا كفرا : فماتوا وهم كفار ، وأما لن تقبل توبتهم : فعند موته إذا تاب لم تقبل توبته .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الاَية قول من قال : عنى بها اليهودَ ، وأن يكون تأويله : إن الذين كفروا من اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه بعد إيمانهم به قبل مبعثه ، ثم ازدادوا كفرا بما أصابوا من الذنوب في كفرهم ومقامهم على ضلالتهم ، لن تقبل توبتهم من ذنوبهم التي أصابوها في كفرهم ، حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويراجعوا التوبة منه بتصديق ما جاء به من عند الله .
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في هذه الاَية بالصواب ، لأن الاَيات قبلها وبعدها فيهم نزلت ، فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها إذ كانت في سياق واحد . وإنما قلنا : معنى ازديادهم الكفر ما أصابوا في كفرهم من المعاصي ، لأنه جلّ ثناؤه قال :
{ لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } فكان معلوما أن معنى قوله : { لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } إنما هو معنيّ به : لن تقبل توبتهم مما ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم ، لا من كفرهم ، لأن الله تعالى ذكره وعد أن يقبل التوبة من عباده ، فقال : { وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } فمحال أن يقول عزّ وجلّ أقبل ، ولا أقبل في شيء واحد . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان من حكم الله في عباده أنه قابل توبة كل تائب من كل ذنب ، وكان الكفر بعد الإيمان أحد تلك الذنوب التي وعد قبول التوبة منها بقوله : { إِلاّ الّذِينَ تَابُوا وأصْلَحُوا فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } علم أن المعنى الذي لا تقبل التوبة منه ، غير المعنى الذي تقبل التوبة منه . وإذ كان ذلك كذلك ، فالذي لا تقبل منه التوبة هو الازدياد على الكفر بعد الكفر ، لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره ، لأن الله لا يقبل من مشرك عملاً ما أقام على شركه وضلاله ، فأما إن تاب من شركه وكفره وأصلح ، فإن الله كما وصف به نفسه ، غفور رحيم .
فإن قال قائل : وما ينكر أن يكون معنى ذلك ، كما قال من قال : فلن تقبل توبتهم من كفرهم عند حضور أجله ، أو توبته الأولى ؟ قيل : أنكرنا ذلك لأن التوبة من العبد غير كائنة إلا في حال حياته ، فأما بعد مماته فلا توبة ، وقد وعد الله عزّ وجلّ عباده قبول التوبة منهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، ولا خلاف بين جميع الحجة في أن كافرا لو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عين أن حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه والموارثة ، وسائر الأحكام غيرها ، فكان معلوما بذلك أن توبته في تلك الحال لو كانت غير مقبولة ، لم ينتقل حكمه من حكم الكفار إلى حكم أهل الإسلام ، ولا منزلة بين الموت والحياة يجوز أن يقال لا يقبل الله فيها توبة الكافر ، فإذا صحّ أنها في حال حياته مقبولة ، ولا سبيل بعد الممات إليها ، بطل قول الذي زعم أنها غير مقبولة عند حضور الأجل .
وأما قول من زعم أن معنى ذلك التوبة التي كانت قبل الكفر فقول لا معنى له ، لأن الله عزّ وجلّ لم يصف القوم بإيمان كان منهم بعد كفر ، ثم كفر بعد إيمان ، بل إنما وصفهم بكفر بعد إيمان ، فلم يتقدم ذلك الإيمان كفر كان للإيمان لهم توبة منه ، فيكون تأويل ذلك على ما تأوله قائل ذلك ، وتأويل القرآن على ما كان موجودا في ظاهر التلاوة إذا لم تكن حجة تدلّ على باطن خاصّ أولى من غيره وإن أمكن توجيهه إلى غيره .
وأما قوله : { وأُولَئِكَ هُمُ الضّالّونَ } فإنه يعني بذلك : وهؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم ، ثم ازدادوا كفرا ، هم الذين ضلوا سبيل الحقّ ، فأخطأوا منهجه ، وتركوا مَنْصَفَ السبيل وهدى الله الدين ، حيرةً منهم وعَمًى عنه . وقد بينا فيما مضى معنى الضلال بما فيه الكفاية .
{ إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا } كاليهود كفروا بعيسى والإنجيل بعد الإيمان بموسى والتوراة ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد والقرآن ، أو كفروا بمحمد بعد ما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بالإصرار والعناد والطعن فيه والصد عن الإيمان ونقض الميثاق ، أو كقوم ارتدوا ولحقوا بمكة ثم ازدادوا كفرا بقولهم نتربص بمحمد ريب المنون أو نرجع إليه وننافقه بإظهاره . { لن تقبل توبتهم } لأنهم لا يتوبون ، أو لا يتوبون ، إلا إذا أشرفوا على الهلاك فكني عن عدم توبتهم بعدم قبولها تغليظا في شأنهم وإبرازا لحالهم في صورة حال الآيسين من الرحمة ، أو لأن توبتهم لا تكون إلا نفاقا لارتدادهم وزيادة كفرهم ، ولذلك لم تدخل الفاء فيه . { وأولئك هم الضالون } الثابتون على الضلال .
اختلف المتأولون في كيف يترتب كفر بعد إيمان ، ثم زيادة كفر ، فقال الحسن وقتادة وغيرهما : الآية في اليهود كفروا بعيسى بعد الإيمان بموسى ثم { ازدادوا كفراً } بمحمد صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام أبو محمد : وفي هذا القول اضطراب ، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين ، وقال أبو العالية رفيع : الآية في اليهود ، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة . ثم ازدادوا كفراً بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم ، من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام وغير ذلك .
قال الإمام أبو محمد : وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم ، وقال مجاهد : معنى قوله { ثم ازدادوا كفراً } أي تموا على كفرهم وبلغوا الموت به ، فيدخل في هذا القول اليهود والمرتدون ، وقال السدي نحوه ، ثم أخبر تعالى أن توبة هؤلاء لن تقبل ، وقد قررت الشريعة أن توبة كل كافر تقبل ، سواء كفر بعد إيمان وازداد كفراً ، أو كان كافراً من أول أمره ، فلا بد في هذه الآية من تخصيص تحمل عليه ويصح به نفي قبول التوب فقال الحسن وقتادة ومجاهد والسدي : نفي قبول توبتهم مختص بوقت الحشرجة الغرغرة والمعاينة ، فالمعنى { لن تقبل توبتهم } عند المعاينة ، وقال أبو العالية : معنى الآية : لن تقبل توبتهم من تلك الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإنهم كانوا يقولون في بعض الأحيان : نحن نتوب من هذه الأفعال ، وهم مقيمون على كفرهم ، فأخبر الله تعالى ، أنه لا يقبل تلك التوبة .
قال الفقيه الإمام : وتحتمل الآية عندي أن تكون إشارة إلى قوم بأعيانهم من المرتدين ختم الله عليهم بالكفر ، وجعل ذلك جزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين ، وهم الذي أشار إليهم بقوله { كيف يهدي الله قوماً } [ آل عمران : 86 ] فأخبر عنهم أنهم لا تكون لهم توبة فيتصور قبولها ، فتجيء الآية بمنزلة قول الشاعر :
على لا حب لا يهتدى بمناره {[3317]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي قد جعلهم الله من سخطه في حيز من لا تقبل له توبة إذ ليست لهم ، فهم لا محالة يموتون على الكفر ، ولذلك بيّن حكم الذين يموتون كفاراً بعقب الآية ، فبانت منزلة هؤلاء ، فكأنه أخبر عن هؤلاء المعينين ، أنهم يموتون كفاراً ، ثم أخبر الناس عن حكم من يموت كافراً و{ الضالون } المخطئون الطريق القويم في الأقوال والأفعال ، وقرأ عكرمة : «لن نقبل » بنون العظمة «توبتَهم » بنصب التاء .
قال قتادة ، وعطاء ، والحسن : نزلت هذه الآية في اليهود ، وعليه فالموصول بمعنى لام العهد ، فاليهود بعد أن آمنوا بموسى كفروا بعيسى وازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم
وقيل أريد به اليهود والنصارى : فاليهود كما علمتَ ، والنصارى آمنوا بعيسى ثم كفروا فعبدوه وألهوه ثم ازدادوا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم
وتأويل { لن تقبل توبتهم } إما أنه كناية عن أنهم لا يتوبون فتقبَل توبتهم كقوله تعالى : { ولا يقبل منها شفاعة } [ البقرة : 48 ] أي لا شفاعة لها فتقبل وهذا كقول امرىء القيس
* على لاَ حب لا يُهتدَى بمناره *
أي لا منار له ، إذ قد علم من الأدلة أنّ التوبة مقبولة ودليله الحصر المقصود به المبالغة في قوله : { وأولئك هم الضالون } . وإمَّا أنّ الله نهى نبيه عن الاغترَار بما يظهرونه من الإسلام نفاقاً ، فالمراد بعدم القبول عدم تصديقهم في إيمانهم ، وإما الإخبار بأنّ الكفر قد رسخ في قلوبهم فصار لهم سجية لا يحولون عنها ، فإذا أظهروا التوبة فهم كاذبون ، فيكون عدم القبول بمعنى عدم الاطمئنان لهم ، وأسرارُهم موكولة إلى الله تعالى . وقد أسلم بعض اليهود قبل نزول الآية : مثل عبد الله بن سلام ، فلا إشكال فيه ، وأسلم بعضهم بعد نزول الآية .
وقيل المراد الذين ارتدّوا من المسلمين وماتوا على الكفر ، فالمراد بالازدياد الاستمرار وعدم الإقلاع . والقول في معنى لن تقبل توبتهم كما تقدم . وعليه يكون قوله : { إن الذين كفروا وماتوا } توكيداً لفظياً بالمرادف ، ولِيُبْنى عليه التفريع بقوله : { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } وأياماً كان فتأويل الآية مُتعين : لأنّ ظاهرها تعارضه الأدلة القاطعة على أنّ إسلام الكافر مقبول ، ولو تكرّر منه الكفر ، وأنّ توبة العُصاة مقبولة ، ولو وقع نقضها على أصح الأقوال وسيجيء مثل هذه الآية في سورة النساء ( 137 ) وهو قوله : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن اللَّه ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً . }