{ دَرَجَاتٍ مّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً } . .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { دَرَجاتٍ مِنْهُ } : فضائل منه ومنازل من منازل الكرامة .
واختلف أهل التأويل في معنى الدرجات التي قال جلّ ثناؤه { دَرَجاتٍ مِنْهُ } . فقال بعضهم بما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَحَمَةً } كان يقال : الإسلام درجة ، والهجرة في الإسلام درجة ، والجهاد في الهجرة درجة ، والقتل في الجهاد درجة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قول الله تعالى : { وَفَضّلَ اللّه المُجاهِدِينَ على القاعِدِينَ أجْرا عَظِيما دَرَجاتٍ مِنْه } الدرجات : هي السبع التي ذكرها في سورة براءة : { ما كانَ لأهلِ المدينةِ ومَنْ حَوْلهمْ مِنَ الأعراب أنْ يتَخلّفُوا عنْ رسُولِ اللّهِ ولا يَرْغبُوا بأنفُسهِمْ عنْ نَفسِهِ ذلك بَأَنهمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمأٌ ولا نَصبٌ } فقرأ حتى بلغ : { أحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } . قال هذه السبع الدرجات . قال : وكان أوّل شيء ، فكانت درجة الجهاد مجملة ، فكان الذي جاهد بماله له اسم في هذه ، فلما جاءت هذه الدرجات بالتفضيل أخرج منها ، فلم يكن له منها إلا النفقة . فقرأ : { لا يُصيبُهُمْ ظَمأٌ وَلا نَصَبٌ } وقال : ليس هذا لصاحب النفقة . ثم قرأ : { ولاَ يُنفِقُونَ نفقةً } قال : وهذه نفقة القاعد .
وقال آخرون : عُني بذلك درجات الجنة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ بن الحسن الأزدي ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن هشام بن حسان ، عن جبلة بن سُحيم ، عن ابن محيريز في قوله : { فَضّلَ اللّه المُجاهِدينَ على القاعِدينَ } . . . إلى قوله : { دَرَجاتٍ } قال : الدرجات : سبعون درجة ، ما بين الدرجتين حُضْرُ الفرس الجواد المضمّر سبعين سنة .
وأولى التأويلات بتأويل قوله¹ { دَرَجاتٍ مِنْه } أن يكون معنيّا به درجات الجنة ، كما قال ابن محيريز¹ لأن قوله تعالى ذكره : { دَرَجاتٍ مِنْهُ } ترجمة وبيان عن قوله : { أجْرا عَظِيما } ، ومعلوم أن الأجر إنما هو الثواب والجزاء ، وإذا كان ذلك كذلك ، وكانت الدرجات والمغفرة والرحمة ترجمة عنه ، كان معلوما أن لا وجه لقول من وجه معنى قوله : { دَرَجاتٍ مِنْه } إلى الأعمال وزيادتها على أعمال القاعدين عن الجهاد كما قال قتادة وابن زيد . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان الصحيح من تأويل ذلك ما ذكرنا ، فبيّن أن معنى الكلام : وفضل الله المجاهدين في سبيل الله على القاعدين من غير أولي الضرر أجرا عظيما وثوابا جزيلاً ، وهو درجات أعطاهموها في الاَخرة من درجات الجنة ، رفعهم بها على القاعدين بما أبلوا في ذات الله . { وَمغفرةً } يقول : وصفح لهم عن ذنوبهم ، فتفضل عليهم بترك عقوبتهم عليها . { ورحمةً } يقول : ورأفة بهم . { وكانع اللّهُ غَفُورا رَحِيما } يقول : ولم يزل الله غفورا لذنوب عباده المؤمنين ، فيصفح لهم عن العقوبة عليها { رَحِيما } بهم ، يتفضل عليهم بنعمه ، مع خلافهم أمره ونهيه وركوبهم معاصيه .
{ درجات منه ومغفرة ورحمة } كل واحد منها بدل من أجرا ، ويجوز أن ينتصب درجات على المصدر كقولك : ضربته أسواطا ، وأجرا على الحال عنها تقدمت عليها لأنها نكرة ، ومغفرة ورحمة على المصدر بإضمار فعليهما كرر تفضيل المجاهدين ، وبالغ فيه إجمالا وتفصيلا تعظيما للجهاد وترغيبا فيه . وقيل : الأول ما خولهم في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر ، والثاني ما جعل لهم في الآخرة . وقيل المراد بالدرجة الأولى ارتفاع منزلتهم عند الله سبحانه وتعالى ، وبالدرجات منازلهم في الجنة . وقيل القاعدون الأول هم الأضراء والقاعدون الثاني هم الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم . وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار والآخرون من جاهد نفسه وعليه قوله عليه الصلاة والسلام " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " . { وكان الله غفورا } لما عسى أن يفرط منهم . { رحيما } بما وعد لهم .
وقال ابن محيريز : «الدرجات » هي درجات في الجنة ، سبعون ، ما بين الدرجتين حضر{[4223]} الفرس الجواد المضمر سبعين سنة ، وقال بهذا القول الطبري ورجحه ، وقال ابن زيد : «الدرجات » في الآية هي السبع المذكورات في سورة براءة ، فهي قوله تعالى : { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله }{[4224]} الآيات فذكر فيها الموطىء الغائظ للكفار ، والنيل من العدو ، والنفقة الصغيرة والكبيرة ، وقطع الأودية والمسافات .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : ودرجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه ، لكن يجمعها بذل النفس والاعتمال بالبدن والمال في أن تكون كلمة الله هي العليا ، ولا شك أن بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها تكون مراتب الجنة ودرجاتها ، فالأقوال كلها متقاربة ، وباقي الآية وعد كريم وتأنيس . ونصب { درجات } إما على البدل من الأجر ، وإما على إضمار فعل على أن تكون تأكيداً للأجر ، كما تقول : لك عليَّ ألف درهم عرفاً ، كأنك قلت أعرفها عرفاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.