تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{دَرَجَٰتٖ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (96)

الآية 95

وقوله تعالى : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } قال الحسن : ( كان هذا في القوت الذي كان الجهاد تطوعا لأنه لو كان فرضا لكان لا معنى لقوله تعالى : { لا يستوي } كذا وكذا{[6373]} وهما غير مستويين : أحدهما : فرض عليه ، والآخر : لا ) . قيل له : هذا الذي ذكرت لا يدل على أن الجهاد ليس بفرض في ذلك الوقت .

ألا ترى أنه قال : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } ( السجدة : 18 ) وقال : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم } ( الجاثية : 21 ) ، جمع بين متضادين ، ثم قال : { لا يستوون } ( السجدة : 18 ) . فعلى ذلك ( هذا ) {[6374]} وهو أولى .

وقوله تعالى : { غير أولي الضرر } استثنى أهل الضرر مجملا في هذه الآية ، وبين أمرهم ، وما أزال عنهم من فرض الجهاد في آية أخرى ، وهو قوله تعالى : { ليس على الأعمى حرج } ( النور : 61 ) وقوله عز وجل : { ليس على الضعفاء ولا على المرضى } الآية ( التوبة : 91 ) . وهذا مما أجمع عليه أهل العلم ، وأزالوا الحرج عمن كان في مثل هؤلاء الذين وصفهم الله تعالى ، وعذرهم في تخلفهم عن الجهاد .

وعن ابن عباس رضي الله عنه ، ( أنه ){[6375]} قال : لما ذكر الله تعالى فضيلة المجاهدين رغبهم في الجهاد بقوله : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } الآية أتاه عبد الله بن أم مكتوم الأعمى ، فقال : يا رسول الله ذكر الله تعالى فضيلة المجاهدين على القاعدين ، وحالنا ما ترى ، ونحن نشتهي الجهاد ، فنزل{ غير أولي الضرر } فجعل لهم من الأجر ما للمجاهدين لزمانتهم . وعلى ذلك أكثر أهل التفسير . وقال الكسائي : الضرر مصدر الضرير ، والمضرور والضرير الأعمى ؛ يقال : ضر يضر فهو ضرير ومضرور إذا عمي .

وقوله تعالى : { وكلا وعد الله الحسنى } القاعد والمجاهد{ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } قيل : هذا الفضل للمجاهد على القاعد الذي قعد لا لعذر ، جعل له الأجر العظيم . وقوله تعالى : { فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة } : ( المجاهد ){[6376]} على القاعد الذي قعد لعذر ( جعل له ){[6377]} فضيلة عليه بدرجة . وفي الثاني جعل فضلية عليه بدرجات .

لكن قوله : { درجة }و{ درجات } ( النساء : 96 ) عندنا واحد . ألا ترى أنه تعالى قال : { وللرجال عليهن درجة } ( البقرة : 228 ) ليس ، هو( شيئا واحدا ){[6373]} واحد ، ولكنه أشياء ، والذي قعد لعذر يستوي والآخر {[6374]} الذي خرج إذا كان يتمنى أن يخرج إن قدر لأنه لو لم يكن كذلك لكان لا معنى للاستثناء ؟

وفي الآية دلالة أن فرض كفاية يسقط عن الباقين بقيام بعضهم ، وإن كان الخطاب يعمهم في ذلك ، وهو قوله تعالى : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } ( التوبة : 122 ) .

وفرض الخروج لطلب العلم فرض كفاية إذا خرج بعضهم ليطلبه يسقط عن الباقين ذلك . فعلى ذلك الجهاد وإن ذلك خلاف ما عاتب الله عليه الثلاثة الذين تخلفوا{[6375]} في سورة{ براءة } لأن أولئك تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال تعالى : { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله }صلى الله عليه وسلم{ ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه } ( الآية : 120 )فإنما عاتب أولئك لتخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .


[6373]:في الأصل وم: من كذا.
[6374]:ساقطة من الأصل وم.
[6375]:ساقطة من الأصل وم.
[6376]:ساقطة من الأصل وم.
[6377]:في الأصل وم: لأنه جعل.