مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{دَرَجَٰتٖ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (96)

{ لاَّ يَسْتَوِى القاعدون } عن الجهاد { مِنَ المؤمنين غَيْرُ أُوْلِى الضرر } بالنصب : مدني وشامي وعلي لأنه استثناء من القاعدين ، أو حال منهم . وبالجر عن حمزة صفة للمؤمنين ، وبالرفع غيرهم صفة للقاعدين . والضرر المرض أو العاهة من أعمى أعرج أو زمانة أو نحوها { والمجاهدون فِى سَبِيلِ الله بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ } عطف على «القاعدون » . » ونفى التساوي بين المجاهد والقاعد بغير عذر وإن كان معلوماً ، توبيخاً للقاعد عن الجهاد وتحريكاً له عليه ونحوه { هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] فهو تحريك لطلب العلم وتوبيخ على الرضا بالجهل { فَضَّلَ الله المجاهدين بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القاعدين } ذكر هذه الجملة بياناً للجملة الأولى وموضحة لما نفى من استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل : ما لهم لا يستوون ؟ فأجيب بذلك { دَرَجَةً } نصب على المصدر لوقوعها موقع المرة من التفضيل كأنه قيل ؛ فضلهم تفضلة كقولك «ضربه سوطاً » . ونصب { وَكُلاًّ } أي وكل فريق من القاعدين والمجاهدين لأنه مفعول أول لقوله { وَعَدَ الله } والثاني { الحسنى } أي المثوبة الحسنى وهي الجنة وإن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة { وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين } بغير عذر { أَجْراً عَظِيماً *درجات مّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً } قيل : انتصب «أجراً » بفضل لأنه في معنى أجرهم أجراً و «درجات ومغفرة ورحمة » بدل من «أجراً » ، أو انتصب «درجات » نصب «درجة » كأنه قيل : فضلهم تفضيلات كقولك «ضربه أسواطاً » أي ضربات ، و «أجراً عظيماً » . على أنه حال من النكرة التي هي «درجات » مقدمة عليها . و«ومغفرة ورحمة » .

بإضمار فعلهما أي وغفر لهم ورحمهم مغفرة ورحمة . وحاصله أن الله تعالى فضل المجاهدين على القاعدين بعذر درجة وعلى القاعدين بغير عذر بأمر النبي عليه السلام اكتفاء بغيرهم درجات لأن الجهاد فرض كفاية { وَكَانَ الله غَفُوراً } بتكفير العذر { رَّحِيماً } بتوفير الأجر .