تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{دَرَجَٰتٖ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (96)

96- دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً . . . أي : منازل عالية لا يحبط الوصف بفخامتها ، وجلال قدرها ، تفضل الله بها على المجاهدين ، مع مغفرة الذنوب ، والرحمة التي يحيطهم بها ، ويحفظهم بشمولها .

وهذه الآية مفسرة للأجر العظيم في الآية السابقة والمراد بالدرجات درجات الجنة .

روى البخاري 6/9 ، 13/349 عن أبي هريرة مرفوعا : '' إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض'' {[71]} .

وروى مسلم 3/1501 عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ''يا أبا سعيد ، من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ؛ وجبت له الجنة '' فعجب لها أبو سعيد فقال : أعدها على يا رسول الله ! ففعل ، ثم قال ''وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، قال وما هي يا رسول الله ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، الجهاد في سبيل الله {[72]} .

وقال ابن زيد : الدرجات : هي السبع التي ذكرها الله تعالى في براءة حين قال : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ . ( التوبة : 120-121 ) .

وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا . . . أي : كان ولا يزال على الدوام ، عظيم الغفران لذنوب عباده ، واسع الرحمة بكل شيء .

فإن قيل : ما الحكمة من أن الله تعالى ذكر في أول الكلام درجة وفي آخره درجات ؟ فعنه جوابان :

1- أن الدرجة الأولى تفضيل المجاهدين على القاعدين من أولى الضرر ؛ منزلة ، والدرجات تفضيل المجاهدين على القاعدين من غير أولي الضرر ؛ منازل كثيرة ، وهذا معنى قول ابن عباس .

2- أن الدرجة الأولى درجة المدح والتعظيم ، والدرجات منازل الجنة {[73]}


[71]:إن الجنة مائة درجة: جزء من حديث، رواه البخاري في الجهاد والسير ح 2790 ، وفي التوحيد ح 7432 ، وأحمد ح 7863،8214،8269 ، من حديث أبي هريرة مرفوعا: من آمن بالله وبرسوله... الحديث. ورواه الترمذي أيضا في صفة الجنة ح 2529 ، وأحمد ح 21582، من حديث معاد بن جبل مرفوعا: من صام رمضان و صلى الصلوات...الحديث. ورواه الترمذي أيضا في صفة الجنة ح 2530 ، وأحمد ح 22187،22232، من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا: في الجنة مائة درجة... الحديث. وأشار الترمذي إلى أن حديث معاذ أصح من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنهما.
[72]:يا أبا سعيد من رضي بالله ربا تقدم ص 76.
[73]:زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، المكتب الإسلامي 2/176.