في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تُجَٰدِلۡ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخۡتَانُونَ أَنفُسَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمٗا} (107)

105

ثم تكرار هذا النهي ؛ ووصف هؤلاء الخائنين ، الذين جادل عنهم [ ص ] بأنهم يختانون أنفسهم . وتعليل ذلك بأن الله لا يحب من كان خوانا أثيمًا :

( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم . إن الله لا يحب من كان خوانا أثيمًا ) .

وهم خانوا غيرهم في الظاهر . ولكنهم في الحقيقة خانوا أنفسهم . فقد خانوا الجماعة ومنهجها ، ومبادئها التي تميزها وتفردها . وخانوا الأمانة الملقاة على الجماعة كلها ، وهم منها . . ثم هم يختانون أنفسهم في صورة أخرى . صورة تعريض أنفسهم للإثم الذي يجازون عليه شر الجزاء . حيث يكرههم الله ، ويعاقبهم بما أثموا . وهي خيانة للنفس من غير شك . . وصورة ثالثة لخيانتهم لأنفسهم ، هي تلويث هذه الأنفس وتدنيسها بالمؤامرة والكذب والخيانة .

إن الله لا يحب من كان خوانا أثيمًا . .

وهذ عقوبة أكبر من كل عقوبة . . وهي تلقي إلى جانبها إيحاء آخر . فالذين لا يحبهم الله لا يجوز أن يجادل عنهم أحد ، ولا أن يحامي عنهم أحد . وقد كرههم الله للإثم والخيانة !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تُجَٰدِلۡ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخۡتَانُونَ أَنفُسَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمٗا} (107)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ مَن كَانَ خَوّاناً أَثِيماً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : { وَلا تُجادِلْ } يا محمد فتخاصم { عَنِ الّذِينَ يَخْتانُونَ أنْفُسَهُمْ } يعني : يخوّنون أنفسهم ، يجعلونها خونة بخيانتهم ما خانوا من أموال من خانوه ماله وهم بنو أبيرق ، يقول : لا تخاصم عنهم من يطالبهم بحقوقهم ، وما خانوه فيه من أموالهم . { إنّ اللّهَ لا يُحِبّ مَنْ كانَ خَوّانا أثِيما } يقول : إن الله لا يحبّ من كان من صفته خيانة الناس في أموالهم ، وركوب الإثم في ذلك وغيره ، مما حرّمه الله عليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وقد تقدّم ذكر الرواية عنهم .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { وَلا تُجادلْ عَن الّذِينَ يَخْتانُونَ أنْفُسَهُمْ } قال : اختان رجل عمّا له درعا ، فقذف بها يهوديا كان يغشاهم ، فجادل عمّ الرجل قومه ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم عذره ، ثم لحق بأرض الشرك ، فنزلت فيه : { وَمَنْ يُشاقِقِ الرّسُولَ مَنْ بَعْدِ ما تَبَيّنَ لَهُ الهُدَى } . . . الاَية .