اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا تُجَٰدِلۡ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخۡتَانُونَ أَنفُسَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمٗا} (107)

ثم قال : { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ } أي : يَظْلمون أنفُسَهُم بالخِيَانَة والسَّرقة وقِبَلها . أمر بالاسْتِغْفَار على طَرِيق التَّسْبِيحِ ؛ كالرجل يَقُول : أسْتَغْفِر اللَّه ، على وجْه التَّسْبِيح من غَيْر أن يَقْصِد تَوْبةً من ذَنْبٍ .

وقيل : الخِطَاب للنَّبِي صلى الله عليه وسلم ، والمراد : ابن أبَيْرقِ ؛ كقوله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ } [ الأحزاب : 1 ] [ وقوله : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ }{[9648]} [ يونس : 94 ] والمراد بالذين يختانون طعمة ومن عاوَنَهُ من قَوْمِه ، والاخْتِيَان : كالخِيَانَةِ ؛ يقال : خَانَهُ واخْتَانَهُ ، وقد تقدَّم عِنْد قوْله : { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 187 ] ، [ وإنما قال لطعمة وللذَّابِّين عنه : إنهم يختَانُون أنفُسَهُم ]{[9649]} ؛ لأن مَنْ أقدم على المَعْصِيَة ، فقد حَرَمَ نفسه الثَّوَابَ ، وأوصَلَهَا إلى العِقَاب ، فكان ذلك مِنْهُ خِيَانة لِنَفْسِهِ ؛ ولِهَذا المَعْنَى ، قيل لِمَن ظَلَم غيره : إنَّه ظلم نَفْسَه ، وفي الآيَة تهديدٌ شَدِيدٌ على إعانَة{[9650]} الظَّالِم ؛ لأن الله - تعالى - عاتب النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم على همِّه بإعَانَة طعمة ، مع أنَّه لم يَكُن عَالِماً بظُلْمِهِ ، فكيف حَالُ من يَعْلم ظلم الظَّالِم ، ويعينُه عَلَيْه .

ثم قال : { إنَّ اللَّه لا يُحِبُّ } أي : لا يَرْضى عن{[9651]} { مَنْ كَان خَوَّاناً أَثِيماً } يريد : خَوَّاناً في الدِّرْع ، أثيماً في رَمْيه اليَهُوديَّ .

وقيل : إنَّه خطابٌ مع النَّبِي صلى الله عليه وسلم والمراد به : غيره ؛ كقوله : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } [ يونس : 94 ] .

فإن قيل : قوله - تعالى - : { مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } صيغة مُبالَغَة تَدُلُّ على تَكْرَار ذَلِكَ [ الفِعْل مع أن الصَّادِر عَنْه خِيَانة وَاحِدَة ، وإثمٌ واحدٌ .

فالجواب : أنَّ الله - تعالى - عَلِم أنه ]{[9652]} كَانَ في طَبْعَ ذَلِكَ الرَّجُل الخيانة الكَثِيرة والإثْمِ الكَبِير ، فذكر اللَّفظ الدَّالَّ على المُبَالَغَة ؛ بسبَبِ ما كان في طَبْعِهِ من المَيْل إلى ذَلِك ، ويدُلُّ عليه : ما ذَكر [ أنَّه ]{[9653]} بعد هذه الوَاقِعَة هَرَبَ إلى مَكَّة ، وارتدّ ونَقَبَ حائِط إنْسَان ، لأجْلِ السرقة ، فسقط الحَائِطُ عليْه ومات ، ومن كانت خَاتِمَتُه كَذَلِك ، لم يُشَكّ في حَالِه ، وأيضاً : فإنَّه طَلَبَ من النبي - عليه الصلاة والسلام - أنْ يرفَعَ السَّرِقَةَ عَنْه ، ويُلْحِقَها باليَهُودِيِّ ، وهذا{[9654]} يُبْطِل رِسَالة الرَّسُول ، ومن حَاوَل إبْطَال رسَالة الرَّسُول وأراد كذبَهُ ، فقد كَفَر ؛ فلهذا المَعْنَى وَصَفَهُ اللَّه [ - تعالى - ]{[9655]} بالمُبَالَغَة في الخِيَانة والإثْمِ .

وقد قيل : إذا عَثرْت من رَجُلٍ على سَيِّئَةٍ ، فاعلم أنَّ لها أخَوَاتٍ .

وعن عُمَر - رضي الله عنه - : أنَّه أخذ يَقْطَع يَدَ سَارِقٍ ، فجاءَتُهُ أمُّه تَبْكِي وتقُول هذه أوّل سَرِقة سرقها فاعْفُ عنه ، فقال : كَذَبْت إنّ الله لا يؤاخِذُ عَبْدَه في أوّل الأمْر .


[9648]:سقط في ب.
[9649]:سقط في أ.
[9650]:في أ: إهانة.
[9651]:في أ: عنه.
[9652]:سقط في أ.
[9653]:سقط في ب.
[9654]:في أ: وهلا.
[9655]:سقط في أ.