السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا تُجَٰدِلۡ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخۡتَانُونَ أَنفُسَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمٗا} (107)

{ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } أي : يخونونها بالمعاصي ؛ لأنّ وبال خيانتهم عليهم .

فإن قيل : لم قال { للخائنين } و{ يختانون } أنفسهم والخائن واحد فقط ؟ أجيب : بأنه جمع ليتناول طعمة وكل من خان خيانته أو ليتناوله وقومه فإنهم شاركوه في الإثم حين شهدوا على براءته وخاصموا عنه ، وقيل : إنّ هذا خطاب مع صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره كقوله تعالى : { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } ( يونس ، 94 ) .

والاستغفار في حق الأنبياء بعد النبوّة على أحد وجوه ثلاثة : إمّا الذنب تقدّم على النبوّة ، أو لذنوب أمّته ، أو لمباح جاء الشرع بتحريمه ، فيتركه بالاستغفار ، فالاستغفار يكون معناه السمع والطاعة لحكم الشرع { إنّ الله لا يحب } أي : يعاقب { من كان خوّاناً } أي : كثير الخيانة { أثيماً } أي : منهمكاً فيه .

روي أنّ طعمة هرب إلى مكة وارتدّ وثقب حائطاً ليسرق متاع أهله فسقط الحائط عليه فقتله .

فإن قيل : لم قال خوّاناً أثيماً على المبالغة ؟ أجيب : بأنّ الله تعالى كان عالماً من طعمة بالإفراط في الخيانة وركوب المأثم ، ومن كانت تلك خلقة أمره لم يشك في حاله ، وقيل : إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أنّ لها أخوات ، وعن عمر رضي الله تعالى عنه إنه أمر بقطع يد سارق ، فجاءت أمّه تبكي وتقول : هذه أوّل سرقة سرقها فاعف عنه فقال : كذبت إنّ الله لا يؤاخذ عبده في أوّل مرّة .