وإلى جانب تقرير أن " الحق " هو ما تضمنه الكتاب الذي أنزله الله ، يقرر أن ما يقرره البشر وما يرونه إن هو إلا اتباع الظن الذي لا يقين فيه ؛ واتباعه لا ينتهي إلا الى الضلال . وأن البشر لا يقولون الحق ولا يشيرون به إلا إذا أخذوه من ذلك المصدر الوحيد المستيقن ؛ ويحذر الرسول [ ص ] أن يطيع الناس في شيء يشيرون به عليه من عند أنفسهم ؛ مهما بلغت كثرتهم ؛ فالجاهلية هي الجاهلية مهما كثر أتباعها الضالون :
( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله . إن يتبعون إلا الظن ، وإن هم إلا يخرصون ) . .
ولقد كان أكثر من في الأرض - كما هو الحال اليوم بالضبط - من أهل الجاهلية . . لم يكونوا يجعلون الله هو الحكم في أمرهم كله ، ولم يكونوا يجعلون شريعة الله التي في كتابه هي قانونهم كله . ولم يكونوا يستمدون تصوراتهم وأفكارهم ، ومناهج تفكيرهم ومناهج حياتهم من هدى الله وتوجيهه . . ومن ثم كانوا - كما هو الحال اليوم - في ضلالة الجاهلية ؛ لا يملكون أن يشيروا برأي ولا بقول ولا بحكم يستند على الحق ويستمد منه ؛ ولا يقودون من يطيعهم ويتبعهم إلا الى الضلال . . كانوا - كما هم اليوم - يتركون العلم المستيقن ويتبعون الظن والحدس . . والظن والحدس لا ينتهيان إلا الى الضلال . . وكذلك حذر الله رسوله من طاعتهم واتباعهم كي لا يضلوا عن سبيل الله . . هكذا على وجه الإجمال . وإن كانت المناسبة الحاضرة حينذاك كانت هي مناسبة تحريم بعض الذبائح وتحليل بعضها كما سيجيء في السياق . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرْضِ يُضِلّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تطع هؤلاء العادلين بالله الأنداد يا محمد فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لاَلهتهم ، وأهلّوا به لغير ربهم ، وأشكالهَم من أهل الزيغ والضلال ، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن دين الله ومحجة الحقّ والصواب فيصدّوك عن ذلك .
وإنما قال الله لنبيه : وَإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَنْ فِي الأرْض من بني آدم ، لأنهم كانوا حينئذٍ كفارا ضلالاً ، فقال له جلّ ثناؤه : لا تطعهم فيما دعوك إليه ، فإنك إن تطعهم ضللت ضلالهم وكنت مثلهم لأنهم لا يدعونك إلى الهدى وقد أخطئوه .
ثم أخبر جلّ ثناؤه عن حال الذين نهى نبيه عن طاعتهم فيما دعوه إليه في أنفسهم ، فقال : إنْ يَتّبِعُونَ إلاّ الظّنّ فأخبر جلّ ثناؤه أنهم من أمرهم على ظنّ عند أنفسهم ، وحسبان على صحة عزم عليه وإن كان خطأ في الحقيقة .
{ وَإنْ هُمْ إلاّ يَخْرُصُونَ }يقول : ما هم إلا متخرّصون يظنون ويوقعون حزرا لا يقين علم ، يقال منه : خَرَصَ يَخْرُصُ خَرْصا وخِرْصا : أي كذب وتخرّص بظنّ وتخرّص بكذب ، وخرصتُ النخل أخْرُصُه ، وخَرِصتْ إبلك : أصابها البرد والجوع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.