ثم يذكر السبب الذي جعل للشيطان عليهم هذا السلطان ، وانتهى بهم إلى الارتداد على الأدبار بعد ما عرفوا الهدى وتبينوه :
( ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر ) . .
واليهود في المدينة هم أول من كرهوا ما نزل الله ؛ لأنهم كانوا يتوقعون أن تكون الرسالة الأخيرة فيهم ، وأن يكون خاتم الرسل منهم ؛ وكانوا يستفتحون على الذين كفروا ويوعدونهم ظهور النبي الذي يقودهم ويمكن لهم في الأرض ويسترجع ملكهم وسلطانهم . فلما اختار الله آخر رسله من نسل إبراهيم ، من غير يهود ، كرهوا رسالته . حتى إذا هاجر إلى المدينة كرهوا هجرته ، التي هددت ما بقي لهم من مركز هناك . ومن ثم كانوا إلبا عليه منذ أول يوم ، وشنوا عليه حرب الدس والمكر والكيد ، حينما عجزوا عن مناصبته العداء جهرة في ميادين القتال ؛ وانضم إليهم كل حانق ، وكل منافق ، وظلت الحرب سجالا بينهم وبين رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى أجلاهم في آخر الأمر عن الجزيرة كلها وخلصها للإسلام .
وهؤلاء الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم قالوا لليهود : ( سنطيعكم في بعض الأمر ) . . والأرجح أن ذلك كان في الدس والكيد والتآمر على الإسلام ورسول الإسلام .
وهو تعقيب كله تهديد . فأين يذهب تآمرهم وإسرارهم وماذا يؤثر ؛ وهو مكشوف لعلم الله ? معرض لقوة الله ?
قوله تعالى : " ذلك بأنهم قالوا " أي ذلك الإملاء لهم حتى يتمادوا في الكفر بأنهم قالوا ، يعني المنافقين واليهود . " للذين كرهوا ما نزل الله " وهم المشركون . " سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم " أي في مخالفة محمد والتظاهر على عداوته ، والقعود عن الجهاد معه وتوهين أمره في السر . وهم إنما قالوا ذلك سرا فأخبر الله نبيه . وقراءة العامة " أسرارهم " بفتح الهمزة جمع سر ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم . وقرأ الكوفيون وابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم " إسرارهم " بكسر الهمزة على المصدر ، نحو قوله تعالى : " وأسررت لهم إسرارا " {[13953]} [ نوح : 9 ] جمع لاختلاف ضروب السر .
قوله : { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر } الإشارة { ذلك } عائدة إلى ما تقدم ذكره من ارتداد المنافقين على أدبارهم خاسرين مرتكسين ، وتركهم للشيطان ليسول لهم ويملي لهم . وسبب ذلك كله أنهم قالوا لمن كره دين الله وكتابه ورسوله وهم المشركون { سنطيعكم في بعض الأمر } أي في الصد عن دين الإسلام وفي مخالفة محمد والتظاهر على عداوته والقعود عن الجهاد معه والتمالؤ عليه في السر لإضعافه وخذلانه . قوله : { والله يعلم إسرارهم } الله يعلم ما يستسرون من سوء النوايا وخبيث المقاصد ، فإنه لا يخفى على الله أمر هؤلاء المنافقين المخادعين وما يتمالأون عليه من كيد للإسلام ورسوله والمسلمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.