في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (65)

63

وهم في قيامهم وسجودهم وتطلعهم وتعلقهم تمتلئ قلوبهم بالتقوى ، والخوف من عذاب جهنم . يقولون : ( ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقرا ومقاما ) . . وما رأوا جهنم ، ولكنهم آمنوا بوجودها ، وتمثلوا صورتها مما جاءهم في القرآن الكريم وعلى لسان رسول الله الكريم . فهذا الخوف النبيل إنما هو ثمرة الإيمان العميق ، وثمرة التصديق .

وهم يتوجهون إلى ربهم في ضراعة وخشوع ليصرف عنهم عذاب جهنم . لا يطمئنهم أنهم يبيتون لربهم سجدا وقياما ؛ فهم لما يخالج قلوبهم من التقوى يستقلون عملهم وعبادتهم ، ولا يرون فيها ضمانا ولا أمانا من النار ، إن لم يتداركهم فضل الله وسماحته وعفوه ورحمته ، فيصرف عنهم عذاب جهنم .

والتعبير يوحي كأنما جهنم متعرضة لكل أحد ، متصدية لكل بشر ، فاتحة فاها ، تهم أن تلتهم ، باسطة أيديها تهم أن تقبض على القريب والبعيد ! وعباد الرحمن الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ، يخافونها ويخشونها ، ويتضرعون إلى ربهم أن يصرف عنهم عذابها ، وأن ينجيهم من تعرضها وتصديها !

ويرتعش تعبيرهم وهم يتضرعون إلى ربهم خوفا وفزعا : ( إن عذابها كان غراما ) : أي ملازما لا يتحول عن صاحبه ولا يفارقه ولا يقيله ؛ فهذا ما يجعله مروعا مخيفا شنيعا . . (