في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِيَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (86)

59

وهو هنا ينتقل من مشهد المكذبين بآيات الله ، المبهوتين في ساحة الحشر إلى مشهد من مشاهد الدنيا ، كان جديرا أن يوقظ وجدانهم ، ويدعوهم إلى التدبر في نظام الكون وظواهره ، ويلقي في روعهم أن هناك إلها يرعاهم ، ويهيىء لهم أسباب الحياة والراحة ، ويخلق الكون مناسبا لحياتهم لا مقاوما لها ولا حربا عليها ولا معارضا لوجودها أو استمرارها :

ألم يروا أنا جعلنا اليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ? إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون .

ومشهد الليل الساكن ، ومشهد النهار المبصر ، خليقان أن يوقظا في الإنسان وجدانا دينيا يجنح إلى الاتصال بالله ، الذي يقلب الليل والنهار ، وهما آيتان كونيتان لمن استعدت نفسه للإيمان ، ولكنهم لا يؤمنون .

ولو لم يكن هناك ليل فكان الدهر كله نهارا لانعدمت الحياة على وجه الأرض ؛ وكذلك لو كان الدهر كله ليلا . لا بل إنه لو كان النهار أو الليل أطول مما هما الآن عشر مرات فقط لحرقت الشمس في النهار كل نبات ، ولتجمد في الليل كل نبات . وعندئذ تستحيل الحياة . ففي الليل والنهار بحالتهما الموافقة للحياة آيات . ولكنهم لا يؤمنون .