فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِيَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (86)

ثم بعد أن خوفهم بأهوال القيامة ذكر سبحانه ما يصلح أن يكون دليلا على التوحيد ، وعلى الحشر ، وعلى النبوة مبالغة في الإرشاد ، وإبلاء للمعذرة فقال :

{ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه ؟ } أي ألم يعلموا أنا خلقنا الليل للسكون والاستقرار ، والنوم فيه ، وذلك بسبب ما فيه من الظلمة فإنهم لا يسعون فيه للمعاش .

{ و } خلقنا { النهار مبصرا } ليبصروا فيه ما يسعون له من المعاش الذي لا بد لهم منه ، ووصف النهار بالإبصار وهو وصف للناس ، مبالغة في إضاءته ، كأنه يبصر ما فيه ، ففي الكلام إسناد عقلي ، من الإسناد إلى الزمان قيل : في الكلام حذف ، والتقدير وجعلنا الليل مظلما ليسكنوا أو حذف مظلما لدلالة مبصرا عليه ، وقد تقدم تحقيقه في الإسراء ، وفي يونس .

{ إن في ذلك } المذكور { لآيات } أي لعلامات ودلالات { لقوم يؤمنون } بالله سبحانه وفي الآية دليل على صحة البعث بعد الموت لأن القادر على تقليب الضياء ظلمة والظلمة ضياء ، قادر على الإعادة بعد الموت ، كيف ومن تأمل في تعاقب الليل والنهار ، واختلافهما ، وعلى وجوه مبنية على حكم تحار في فهمها العقول ، ولا يحيط بها إلا الله ، وشاهد في الآفاق تبدل ظلمة الليل المحاكية للموت بضياء النهار المضاهي للحياة ، وعاين في نفسه تبدل النوم الذي هو أخو الموت بالتيقظ الذي هو مثل الحياة قضى بأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وجزم بأن الله قد جعل هذا أنموذجا ودليلا يستدل به على سائر الآيات حق نازل من عند الله ، قاله أبو السعود ،