اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِيَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (86)

ثم إنه تعالى لما خوّفهم بأحوال القيامة ذكر كلاماً يصلح أن يكون دليلاً على التوحيد وعلى الحشر وعلى النبوة ، مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر ، فقال :

{ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الليل لِيَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِراً }{[39541]} مضيئاً يبصر فيه . قوله : «لِيَسْكُنُوا فِيهِ » قيل : فيه حذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول ، إذ التقدير : جعلنا الليل مظلما ليسكنوا فيه ، والنهار مبصرا ليتصرفوا فيه ، فحذف «مظلماً » لدلالة «مبصراً » و «لتتصرفوا » لدلالة «ليسكنوا »{[39542]} . وقوله : «مُبْصِراً » كقوله : { آيَةَ النهار مُبْصِرَةً } [ الإسراء : 12 ] ، وتقدم تحقيقه في الإسراء{[39543]} ، قال الزمخشري : فإن قلت : ما للتقايل لم يراع في قوله : «لِيَسْكُنُوا » و «مُبْصِرَةٌ » حيث كان أحدهما علة{[39544]} ، والآخر حالاً ؟ قلت : هو مراعى من حيث المعنى وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف{[39545]} يريد لم لا قال : والنهار لتتصرفوا فيها ، وأجاب{[39546]} غيره{[39547]} بأن السكون في الليل هو المقصود ( من الليل وأما الإبصار في النهار فليس هو المقصود ){[39548]} لأنه وسيلة إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية . {[39549]} { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يصدقون فيعتبرون ، وخص المؤمنين بالذكر - وإن كانت الأدلة للكل - لأن المؤمنين هم المنتفعون{[39550]} ، كقوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] .


[39541]:انظر الفخر الرازي 24/219.
[39542]:انظر البحر المحيط 7/99.
[39543]:عند قوله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرةً}[الإسراء: 12].
[39544]:في ب: جملة. وهو تحريف.
[39545]:الكشاف 3/154.
[39546]:في ب: فأجاب.
[39547]:وهو ابن الخطيب.
[39548]:ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
[39549]:انظر الفخر الرازي 24/219.
[39550]:المرجع السابق.