[ الآية 86 ] وقوله تعالى : { ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن/ 393- ب/ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } أي في الليل والنهار آيات لقوم يؤمنون .
ثم الآيات التي ذكر فيها دلالات{[15156]} من جوه :
أحدهما : دلالة وحدانيته ، والثانية{[15157]} : دلالة علمه وتدبيره وحكمته ، والثالثة{[15158]} : دلالة كرمه وجودهن والرابعة{[15159]} : دلالة قدرته وسلطانه ، والخامسة{[15160]} دلالة القدرة على البعث والإحياء بعد ما صار رمادا وترابا .
أما دلالة كرمه وجوده فما{[15161]} جعل لهم في الليل والنهار منافع تدوم ما داموا هم . ثم تلك المنافع تكون من وجهين :
أحدهما : جعل النهار للتقلب فيه والتصرف لمعاشهم وما به قوام دنياهم ، وجعل الليل راحة لهم وسكونا . ولو جعلهما جميعا للتقلب ما قام به معاشهم وما به قوام أنفسهم وأبدانهم أبدا ، لأنه لا يلتئم ذلك إلا بالراحة ، ولو جعلهما جميعا للراحة لم يقم أمر معاشهم . فمن رحمته وفضله جعل أحدهما للراحة والآخر للتقلب ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله } [ القصص : 73 ] .
الثاني : من النعمة التي ذكر أنه جعل الذي للتقلب إنما جعل ذلك للكل لا للبعض دون البعض ، وكذلك الذي هو مجهول للراحة والقرار{[15162]} .
إنما [ جعل ذلك ]{[15163]} للكل لا لقوم دون قوم . ولو [ لم يجعل ذلك ]{[15164]} لكان لا يقوم أمر معاشهم ، ولا ما به تقوم أبدانهم وأنفسهم . ولكن من رحمته جعل المجعول وقتا للراحة للكل لا لبعض دون بعض وكذلك المجعول للتقلب{[15165]} ليظفر المشترون بالباعة والباعة بالمشترين ليلتئم أمر معاشهم ودنياهم .
وأما دلالة وحدانيته فما{[15166]} جعل منافع أحدهما متصلة بالآخر ، إذ لا يقوم أحدهما إلا بالآخر على اختلاف جوهرهما ليعلم أن مدبرهما ومنشئهما واحد ، إذ لو كان عددا لكان ما أراد هذا إيصاله منع الآخر . فإذ لم يكن ، ولكن جريا على سنن واحد واتساق واحد . دل أنه تدبير واحد على عدد .
ودلالة علمه وحكمته أنهما منذ كانا على ميزان واحد وعلى تقدير من غير تغير وتبدل ، يقع فيهما . دل لمنشئهما علما ذاتيا لا علما مكتسبا مستفادا كعلم الخلق .
وأما دلالة القدرة والسلطان فلأنهما{[15167]} يقهران الخلق كله من الجبابرة والفراعنة ، شاؤوا ، أو أبوا ، حتى إذا أراد واحد منهم [ أن يزيد في ]{[15168]} أحدهما ، أو ينقص من الآخر ، لم يقدر عليه ، أو إن اجتمعوا جميعا على دفعهما أو دفع أحدهما دون الآخر لم يقدروا عليه . دل أن لمنشئهما قدرة وسلطانا ، إذ من قدر على إنشاء هذا لا يعجزه شيء .
ودلالة القدرة على البعث لأنه يتلف أحدهما ، ويذهب به حتى لا يبقي أثره ، ثم يأتي بالآخر على تقدير الأول . فمن قدر على إنشاء هذا بعد ذهاب الآخر بكليته وذهاب أثره [ فإنه قادر ]{[15169]} على إنشاء الخلق بعد فنائهم وهلاكهم ، وإنه لا يعجزه شيء .
ثم لما جعل هذا ما ذكرنا ، وخلق ما خلق من المنافع التي ذكرنا لهذا العالم للمحنة ، يأمرهم ، ينهاهم ، وجعل لهم عاقبة ، فيها يثاب من أطاعه ، ويعاقب من عصاه ؛ إذ لو لم تكن عاقبة لكان خلقهم عبثا ، لا حكمة فيه ، لأن من بنى بناء للفناء والنقض خاصة لا لعاقبة [ يأمر نفعها ]{[15170]} كان بناؤه عبثا [ لا حكمة فيه ]{[15171]} . فعلى ذلك خلق الخلق لا لعاقبة تقصد عبث ليس بحكمة . والآيات لمن آمن بها ، وصدق . فأما من لم يؤمن . وكذب بها ، فهي آيات عليهم ، لا لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.