مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِيَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (86)

ثم إنه سبحانه بعد أن خوفهم بأحوال القيامة ذكر كلاما يصلح أن يكون دليلا على التوحيد وعلى الحشر وعلى النبوة مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر فقال : { ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا } أما وجه دلالته على التوحيد فلما ظهر في العقول أن التقليب من النور إلى الظلمة ، ومن الظلمة إلى النور ، لا يحصل إلا بقدرة قاهرة عالية . وإما وجه دلالته على الحشر فلأنه لما ثبتت قدرته تعالى في هذه الصورة على القلب من النور إلى الظلمة وبالعكس ، فأي امتناع في ثبوت قدرته على القلب من الحياة إلى الموت مرة ، ومن الموت إلى الحياة أخرى . وأما وجه دلالته على النبوة فلأنه تعالى يقلب الليل والنهار لمنافع المكلفين ، وفي بعثة الأنبياء والرسل إلى الخلق منافع عظيمة ، فما المانع من بعثتهم إلى الخلق لأجل تحصيل تلك المنافع ؟ فقد ثبت أن هذه الكلمة الواحدة كافية في إقامة الدلالة على تصحيح الأصول الثلاثة التي منها منشأ كفرهم واستحقاقهم العذاب ، ثم في الآية سؤالان :

السؤال الأول : ما السبب في أن جعل الإبصار للنهار وهو لأهله ؟ جوابه : تنبيها على كمال هذه الصفة فيه .

السؤال الثاني : لما قال : { جعل لكم الليل لتسكنوا فيه } فلم لم يقل والنهار لتبصروا فيه ؟ جوابه : لأن السكون في الليل هو المقصود من الليل ، وأما الإبصار في النهار فليس هو المقصود بل هو وسيلة إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية .

وأما قوله : { إن في ذالك لآيات لقوم يؤمنون } خص المؤمنين بالذكر ، وإن كانت أدلة للكل من حيث اختصوا بالقبول والانتفاع على ما تقدم في نظائره .