تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (6)

ثم كرر الحث [ لهم ] على الاقتداء بهم ، فقال : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } وليس كل أحد تسهل عليه هذه الأسوة ، وإنما تسهل على من { كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } فإن الإيمان واحتساب الأجر والثواب ، يسهل على العبد كل عسير ، ويقلل لديه كل كثير ، ويوجب له الإكثار من الاقتداء بعباد الله الصالحين ، والأنبياء والمرسلين ، فإنه يرى نفسه مفتقرا ومضطرا إلى ذلك غاية الاضطرار .

{ وَمَنْ يَتَوَلَّ } عن طاعة الله والتأسي برسل الله ، فلن يضر إلا نفسه ، ولا يضر الله شيئا ، { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ } الذي له الغنى التام [ المطلق ] من جميع الوجوه ، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه [ بوجه ] ، { الْحَمِيدُ } في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فإنه محمود على ذلك كله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (6)

تكرير قوله آنفاً { قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم } [ الممتحنة : 4 ] الخ ، أعيد لتأكيد التحريض والحث على عدم إضاعة الائتساء بهم ، وليبنى عليه قوله لمن كان يرجو الله واليوم الآخر الخ .

وقُرن هذا التأكيد بلام القسم مبالغة في التأكيد . وإنما لم تتصل بفعل { كان } تاء تأنيث مع أن اسمها مؤنث اللفظ لأن تأنيث أسوة غير حقيقي ، ولوقوع الفصل بين الفعل ومرفوعه بالجار والمجرور .

والإِسوة هي التي تقدم ذكرها واختلاف القرّاء في همزتها في قوله : { قد كانت لكم إسوة حسنة } .

وقوله : { لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } بدل من ضمير الخطاب في قوله : { لكم } وهو شامل لجميع المخاطبين ، لأن المخاطبين بضمير { لكم } المؤمنون في قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } [ الممتحنة : 1 ] فليس ذكر { لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } تخصيصاً لبعض المؤمنين ولكنه ذكر للتذكير بأن الإِيمان بالله واليوم الآخر يقتضي تأسيَهم بالمؤمنين السابقين وهم إبراهيم والذين معه .

وأعيد حرف الجر العامل في المبدل منه لتأكيد أن الإِيمان يستلزم ذلك .

والقصد هو زيادة الحث على الائتساء بإبراهيم ومن معه ، وليرتب عليه قوله : { ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد } ، وهذا تحذير من العود لما نُهوا عنه .

ففعل { يتول } مضارع تولّى ، فيجوز أن يكون ماضيه بمعنى الإِعراض ، أي من لا يرجو الله واليوم الآخر ويعرض عن نهي الله فإن الله غنيّ عن امتثاله . ويجوز عندي أن يكون ماضيه من التولي بمعنى اتخاذ الوَلي ، أي من يتخذ عدو الله أولياء فإن الله غنيّ عن ولايته كما في قوله تعالى : { ومن يتولّهم منكم فإنه منهم } في سورة [ العقود : 51 ] .

وضمير الفصل في قوله : { هو الغني } توكيد للحصر الذي أفاده تعريف الجزأين ، وهو حصر ادعائي لعدم الاعتداد بغنى غيره ولا بحمده ، أي هو الغني عن المتولين لأن النهي عما نهوا عنه إنما هو لفائدتهم لا يفيد الله شيئاً فهو الغني عن كل شيء .

وإتْباع { الغني } بوصف { الحميد } تتميم ، أي الحميد لمن يمتثل أمره ولا يعرض عنه أو { الحميد } لمن لا يتخذ عدوه ولياً على نحو قوله تعالى : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم } [ الزمر : 7 ] .