تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (158)

وبأخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بآيات الله وقتلوا رسله بغير حق . ومن قولهم : إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه ، والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل شُبِّه لهم غيره ، فقتلوا غيره وصلبوه .

وادعائهم أن قلوبهم غلف لا تفقه ما تقول لهم ولا تفهمه ، وبصدهم الناس عن سبيل الله ، فصدوهم عن الحق ، ودعوهم إلى ما هم عليه من الضلال والغي . وبأخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم عنه والتشديد فيه .

فالذين فعلوا هذه الأفاعيل لا يستنكر عليهم أن يسألوا الرسول محمدا أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، وهذه الطريقة من أحسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل ، وهو أنه إذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق أن يبين من حاله الخبيثة وأفعاله الشنيعة ما هو من أقبح ما صدر منه ، ليعلم كل أحد أن هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس ، وأن له مقدمات يُجعل هذا معها .

وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقابل بمثله أو ما هو أقوى منه في نبوة من يدعون إيمانهم به ليكتفى بذلك شرهم وينقمع باطلهم ، وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة من آمنوا به فإنها ونظيرها وما هو أقوى منها ، دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع ، بل أشار إليها ، وأحال على مواضعها وقد بسطها في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (158)

وقوله تعالى { بل رفعه الله إليه } يعني إلى سمائه وكرامته ، وعيسى عليه السلام حي في السماء الثانية على ما تضمن حديث الإسراء في ذكر ابني الخالة عيسى ويحيى ذكره البخاري في حديث المعراج{[4367]} ، وذكره غيره ، وهو هناك مقيم حتى ينزله الله لقتل الدجالة ، وليملأ الأرض عدلاً ، ويحيا فيها أربعين سنة ثم يموت كما يموت البشر .


[4367]:- جاء في حديث المعراج كما رواه البخاري عن مالك بن صعصعة: (ثم صعد حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت فردا ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح). الخ الحديث وهو طويل
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (158)

لذلك كلّه أعقب بالإبطال بقوله : { بل رفعه الله إليه } أي فلم يظفروا به . والرفع : إبعاده عن هذا العالم إلى عالم السماوات ، و ( إلى ) إفادة الانتهاء المجازي بمعنى التشريف ، أي رفعه الله رفع قرب وزلفى .

وقد تقدّم الكلام على معنى هذا الرفع ، وعلى الاختلاف في أنّ عيسى عليه السّلام بقي حيّاً أوْ أماته الله ، عند قوله تعالى : { إنّي متوفّيك ورافِعك إليّ } في سورة آل عمران ( 55 ) .

والتذييل بقوله : { وكان الله عزيزاً حكيماً } ظاهر الموقع لأنّه لمّا عزّ فقد حقّ لعزّه أن يُعِزّ أولياءَه ، ولمّا كان حكيماً فقد أتقن صُنع هذا الرفع فجعله فتنة للكافرين ، وتبصرة للمؤمنين ، وعقوبة ليهوذا الخائن .