محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (158)

قال البرهان البقاعي : وهو أولى لقوله :

( بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما )

( بل رفعه الله إليه ) رد وإنكار لقتله . واثبات لرفعه . أي : اليقين إنما هو في رفعه إليه ( وكان الله عزيزا حكيما ) أي : لا يبعد رفعه على الله . لأنه عزيز لا يغلب على ما يريده . وحكيم اقتضت حكمته رفعه . فلا بد أن يرفعه . وهي حفظه لتقوية دين محمد صلى الله عليه وسلم ، حين انتهائه إلى غاية الضعف بظهور الدجال ، فيقتله . أفاده المهايمي .

تنبيه :

لا خفاء في أن هذه الآية الكريمة لتكذيب اليهود في دعوى الصلب التي تابعهم عليها أكثر النصارى ، ولتبرئة ساحة مقام عيسى عليه السلام مما توهموه في ذلك . ولما كانت هذه الآية من مباحث الأمتين ، ومعارك الفرقتين –أردت بسط الكلام في هذا المقام . انتهاجا للحق . وأخذا بناصر الصدق . ورد أباطيل المكذبين . وتزييف أقوال الملحدين . نورد أولا ما زعموه ورووه . مما نفاه التنزيل الكريم . ثم بطلان المروي عندهم وتفاهته بالحجج الدامغة . ثم ما رواه أئمة سلفنا رضي الله عنهم في هذه القصة . ثم رد زعمهم أن إلقاء الشبه سفسطة . ثم سقوط دعواهم التواتر في الصلب . ثم تزييف تفسير بعض النصارى لهذه الآية ، وأنها مطابقة لمعتقدهم على زعمه . مع ذكر من رفض عقيدة الصلب من فرق النصارى . وذكر ما روي في إنجيل خامس يوافق عقيدة المسلمين ، ويطابق هذه الآية . ونختم هذه المباحث بما قاله شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رضي الله عنه في هذه الآية : وأبدع ، على عادته قدس سره .

فهذه المذاهب ينبغي معرفتها لكل طالب . إذ تفرغت إلى مباحث فائقة . وفوائد شائقة . فنقول وبالله التوفيق :

ذكر ما زعموه ورووه مما نفاه التنزيل الكريم

جاء في الفصل الثاني والعشرين من ( إنجيل لوقا ) ما نصه :

2- {[2411]}كان رؤساء الكهنة والكتبة يلتمسون كيف يقتلون يسوع لكنهم كانوا يخافون من الشعب

38-{[2412]} أي لأن الشعب كلهم كانوا يبكرون إليه في الهيكل ( وهو الكنيسة ) ليستمعوه .

/ 37-{[2413]} وكان في النهار يعلم في الهيكل وفي الليل يخرج ويبيت في الجبل المسمى جبل الزيتون . كما ذكر لوقا قبل الفصل .

3-{[2414]} فدخل الشيطان في يهوذا بالأسخريوطي وهو أحد الاثنى عشر .

4-{[2415]} فمضى وفاوض رؤساء الكهنة والولاة كيف يسلمه إليهم .

5-{[2416]} ففرحوا وعاهدوه أن يعطوه فضة .

6-{[2417]} فواعدهم وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم بمعزل عن الجمع .

7-{[2418]} وبلغ يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفصح .

8-{[2419]} فأرسل ويوحنا قائلا : امضيا فأعدا لنا الفصح لنأكل .

9-{[2420]} فقالا له : أين تريد أن نعد .

10-{[2421]} فقال لهما : إذا دخلتما المدينة يلقاكما رجل حامل جرة ماء . فاتبعاه إلى البيت الذي يدخله .

/ 11-{[2422]} وقولا لرب البيت : المعلم يقول لك أين يكون المنزل الذي آكل فيه الفصح مع تلاميذي .

12-{[2423]} فهو يريكما غرفة كبيرة مفروشة . فأعدا هناك .

13-{[2424]} فانطلقا فوجدا كما قال لهما وأعدا الفصح .

14-{[2425]} ولما كانت الساعة اتكأ هو والرسل الاثنا عشر معه .

15- {[2426]}فقال لهم : لقد اشتهيت شهوة ان آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم .

16-{[2427]} فاني أقول لكم : اني لا آكله بعد حتى يتم في ملكوت الله .

17-{[2428]} ثم تناول كأسا وشكرا وقال : خذوا فاقتسموا بينكم .

18-{[2429]} فاني أقول لكم : اني لا أشرب من عصير الكرمة حتى يأتي ملكوت الله .

19-{[2430]} وأخذ خبزا وشكر وكسر وأعطاهم قائلا : هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم . اصنعوا هذا لذكري .

/ 20-{[2431]} وكذلك الكأس أيضا بعد العشاء قائلا : هذه هي الكاس العهد الجديد بدمي الذي يسفك من أجلكم .

21-{[2432]} ومع ذلك فها إن يد الذي يسلمني معي على المائدة .

22-{[2433]} وابن البشر ماض كما هو محدود . ولكن الويل لذلك الرجل الذي يسلمه .

23-{[2434]} فطفقوا يسألون بعضهم بعضا : من كان منهم مزمعا أن يفعل ذلك .

24-{[2435]} ووقعت بينهم مجادلة في أيهم يحسب الأكبر .

25-{[2436]} فقال لهم : إن ملوك الأمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين .

26-{[2437]} وأما أنتم فليس كذلك . ولكن ليكن الأكبر فيكم كالأصغر . والذي يتقدم كالذي يخدم .

28-{[2438]} وانتم الذين ثبتم معي في تجاربي .

/ 29-{[2439]} فأنا أعد لكم الملكوت كما أعده لي أبي .

30-{[2440]} لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر .

31-{[2441]} وقال يسوع : سمعان سمعان هو ذا الشيطان سأل أن يغربلكم مثل الحنطة .

32-{[2442]} ولكني صليت من أجلك لئلا ينقص إيمانك وأنت متى رجعت فثبت إخوتك .

33-{[2443]} فقال له : أنا مستعد أن امضي معك إلى السجن والى الموت .

34-{[2444]} قال : إني أقول لك يا بطرس انه لا يصيح الديك اليوم حتى تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني .

39-{[2445]} ثم خرج ومضى على عادته إلى جبل الزيتون . وتبعه التلاميذ

40-{[2446]} فلما انتهى إلى المكان قال لهم : صلوا لئلا تدخلوا في تجربة .

41- {[2447]}ثم فصل عنهم نحو رمية حجر وخر على ركبتيه وصلى .

/42-{[2448]} قائلا : يا رب إن شئت فأجز عني هذه الكأس لكي لا تكن مشيئتي بل مشيئتك .

43-{[2449]} وتراءى له ملاك من السماء يشدده .

44-{[2450]} ولما أخذ في النزاع أطال في الصلاة ، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض .

45-{[2451]} ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلامذته فوجدهم نياما من الحزن .

46-{[2452]} فقال لهم : ما بالكم نائمين . قوموا فصلوا لئلا تدخلوا في تجربة .

47-{[2453]} وفيما هو يتكلم وإذا بجمع يتقدمهم المسمى يهوذا أحد الاثني عشر فدنا من يسوع ليقبله .

48- {[2454]} فقال له يسوع : يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن البشر .

49-{[2455]} فلما رأى الذين حوله ما سيحدث قالوا له : أنضرب بالسيف .

50-{[2456]} وضرب واحد منهم عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى .

/ 51-{[2457]} فأجاب يسوع وقال : قفوا لا تزيدوا . ثم لمس أذنه فأبرأه .

52-{[2458]} ثم قال يسوع للذين جاؤوا إليه من رؤساء الكهنة وولاة الهيكل والشيوخ : كأنما خرجتم إلى لص بسيوف وعصي .

53-{[2459]} إني كل يوم في الهيكل لم تمدوا علي أيديكم ولكن هذه ساعتكم وهذا سلطان الظلمة .

حينئذ تركه تلاميذه وهربوا .

54-{[2460]} فارتموا على يسوع فقبضوا عليه وقادوه إلى بيت رئيس الكهنة .

وكان الكتبة والرؤساء مجتمعين . وهناك أعطى يهوذا الحواري الثلاثين درهما التي أخذها رشوة على تسليم المسيح .

وكان بطرس يتبعه من بعيد . . .

45-{[2461]} فجلس داخلا مع الخدام لينظر الغاية .

55-{[2462]} وأضرموا نارا في وسط الدار وجلسوا حولها فجلس بطرس بينهم .

56-{[2463]} فرأته جارية جالسا عند الضوء فتفرست فيه ثم قالت : إن هذا أيضا كان معه .

/ 57-{[2464]} فكفر أمام الجمع وانكره قائلا : انس لست أعرفه .

58-{[2465]} وبعد قليل رآه آخر فقال : أنت أيضا منهم . فأخذ بطرس يحلف لا أعرف هذا الرجل ولست منهم .

59-{[2466]} وبعد نحو ساعة أكد عليه آخر قائلا : في الحقيقة هذا أيضا كان معه فإنه جليلي .

60-{[2467]} فقال بطرس : يا رجل لا أدري ما تقول .

قال مفسروهم : ان خطأ بطرس هذا كان ثقيلا : لأن المسيح قال : من ينكرني أمام الناس أنكره أمام أبي الذي في السموات .

60-{[2468]} وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك .

61-{[2469]} فالتفت يسوع ونظر إلى بطرس فتذكر كلامه إذ قال : انك قبل أن يصيح الديك . تنكرني ثلاث مرات .

62-{[2470]} فخرج بطرس وبكى بكاء مرا .

63-{[2471]} وكان الرجال الذين قبضوا عليه يهزأون به ويضربونه .

/ 64-{[2472]} وغطوه وطفقوا يلطمونه ويسألونه قائلين : تنبأ من الذي ضربك .

65{[2473]} وأشياء أخر كانوا يقولونها عليه مجدفين .

66-{[2474]} ولما كان النهار اجتمعت شيوخ الشعب رؤساء الكهنة عليه ليميتوه وأحضروه إلى محفلهم .

67-{[2475]} وقالوا : إن كنت أنت المسيح فقل لنا . فقال لهم : إن قلت لكم لا تؤمنون .

68-{[2476]} وان سألتكم لا تجيبوني ولا تطلقوني .

69-{[2477]} ولكن من الآن يكون ابن البشر جالسا عن يمين قدرة الله .

70-{[2478]} فقال الجميع : أفأنت ابن الله . فقال لهم : انتم تقولون إني أنا هو .

71-{[2479]} فقالوا ما حاجاتنا إلى شهادة إنا قد سمعنا من فمه .

فأوثقوه . واما يهوذا الأسخريوطي الدافع ، لما رأى يسوع قد دين ندم ومضى فأعاد الثلاثين الفضة إلى رؤساء الكهنة قائلا : لقد أخطأت بتسليمي دما زكيا . فقالوا له : ما علينا أنت أخبر . فطرح الفضة في الهيكل وذهب فخنق نفسه ، وأما الرؤساء الكهنة فأخذوا الفضة وقالوا لا يحل لنا ان نضعها في بيت التقدمة لأنها ثمن دم .

/ 1-{[2480]} ثم ذهب جميع جمهورهم ومضوا بيسوع إلى بيلاطس .

2-{[2481]} وطفقوا يشكونه قائلين : انا وجدنا هذا يفسد امتنا ويمنع من أداء الجزية لقيصر ويدعي أنه هو المسيح الملك .

3-{[2482]} فسأله بيلاطس قائلا : هل أنت ملك اليهود . فأجابه قائلا : أنت قلت .

4- {[2483]}فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة وللجموع : إني لم أجد على هذا الرجل علة .

5-{[2484]} فلجوا وقالوا : انه يهيج الشعب إذ يعلم في اليهودية كلها مبتدئا من الجليل إلى ههنا .

6-{[2485]} فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل سأل : هل الرجل جليلي .

7-{[2486]} ولما علم أنه من ايالة هيرؤدس أرسله إلى هيرؤدس وكان في تلك الأيام في وأرشليم .

8-{[2487]} فلما رأى هيرؤدس يسوع فرح جدا لأنه من زمان طويل كان يشتهي أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة ويرجو أن يعاين آية يصنعها .

/ 9-{[2488]} وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء .

10-{[2489]} وكان رؤساء الكهنة والكتبة واقفين يشكونه بلجاجة .

11-{[2490]} فازدراه هيرودس مع جنوده وهزأ به وألبسه ثوبا لامعا ورده إلى بيلاطس .

12-{[2491]} وتصادق هيرودس وبيلاطس في ذلك اليوم وقد كانا من قبل متعاديين .

13-{[2492]} فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب .

14-{[2493]} وقال لهم : قد قدمتم إلى هذا الرجل كأنه يفتن الشعب . وها أنا قد فحصته أمامكم فلم أجد على هذا الرجل مما تشتكونه به .

15-{[2494]} ولا هيرودس أيضا . لأني أرسلتكم إليه . وهو ذا لم يصنع به شيء من حكم الموت .

16-{[2495]} فأنا أؤدبه وأطلقه .

17-{[2496]} وكان لابد أن يطلق لهم في كل عيد رجلا .

/ 18-{[2497]}فصاحوا كلهم جملة قائلين : ارفع هذا وأطلق لنا برأبا .

19-{[2498]}كان ذاك قد ألقي في السجن لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتل .

20-{[2499]} فناداهم بيلاطس مرة أخرى وهو يريد أن يطلق يسوع .

21- {[2500]}فصرخوا قائلين : اصلبه اصلبه .

22-{[2501]} فقال لهم مرة ثالثة : وأي شر صنع هذا ؟ إني لم أجد عليه علة للموت . فأنا أؤدبه وأطلقه .

23-{[2502]} فألحوا عليه بأصوات عالية طالبين أن يصلب واشتدت أصواتهم .

24-{[2503]} فحكم بيلاطس أن يجرى مطلبهم .

25-{[2504]} فأطلق لهم الذي طلبوه ذاك الذي ألقي في السجن لأجل فتنة . وجلد يسوع بالسياط وأسلمه ليصلب .

قال مفسروهم : ولذا يظهر أن اللصين الذين صلبا معه جلدا أيضا والجلادون كانوا ستين نفرا . وأرشاهم اليهود ليميتوه بالجلد خشية أن يطلقه بيلاطس ونزعوا ثيابه وألبسوه لباسا قرمزيا وضفروا إكليلا من شوك العوسج ووضعوه على رأسه ، وأنشبوا في رأسه عنفا وأشواكه الحادة . ومن هنا أخذت الكنيسة العادة على ابقاء إكليل من شعر في رأس الكهنة تذكارا لاكليل الشوكي . ثم جثوا على ركبهم مستهزئين به وقائلين : السلام يا ملك اليهود . وتناولوا قصبة يضربون بها رأسه . ولما هزؤوا به نزعوا عنه ذلك اللباس وألبسوه ثيابه واستاقوه ليصلب . وكان يتقدمه مبوق يدعو الشعب إلى هذا المنظر بحسب عادة اليهود . وخشبة الصلب على منكبيه .

32-{[2505]} وانطلق معه بآخرين مجرمين ليقتلا .

ولما بلغوا إلى المكان المسمى الجمجمة وصلبوه هناك هو والمجرمين ، أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار . . .

وناولوه خلا مخلوطا بمرارة أو خمرا ممزوجا بعلقم بعد أن طلب الماء فذاقه ولم يشرب . ولما صلبوه بالمسامير وبالحبال معها . وكانت المسامير في راحة اليدين والرجلين ، ضربوا جنبه بالحربة فنفذت من صدره . وفي الصليب محل يسند إليه رجليه . واقتسموا بالقرعة وهي ثلاثة : القميص والرداء والجبة . ولم يكن يلبس السروال كعادة تلك البلاد . وجلسوا هناك يحرسونه لئلا يسرقه أحد .

وكان الشعب واقفين ينظرون . والرؤساء يسخرون منه معهم قائلين : قد خلص آخرين فليخلص نفسه ان كان هو مسيح الله المختار .

/ 36{[2506]} وكان الجند أيضا يهزؤون به .

37-{[2507]} وقائلين : إن كنت أنت ملك اليهود فخلص نفسك .

38-{[2508]} وكان عنوان فوقه مكتوبا بالحروف اليونانية واللاتينية والعبرانية : هذا هو ملك اليهود .

44-{[2509]} ولما كان نحو الساعة السادسة حدثت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة .

45-{[2510]} وأظلمت الشمس ، وانشق حجاب الهيكل من وسطه .

46-{[2511]} ونادى يسوع بصوت عظيم قائلا : ايل ايل لم شبقتني ؟ أي : الهي الهي لم ذا تركتني ؟ فكان أناس من القائمين يقولون : دعوا ننظر هل يأتي ايليا فيخلصه . ثم صرخ أيضا بصوت عال وأسلم الروح .

47-{[2512]} فلما رأى قائد المئة ما حدث مجد الله قائلا : في الحقيقة كان هذا الرجل صديقا .

48-{[2513]} وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر ، لما عاينوا ما حدث ، رجعوا وهم يقرعون صدورهم .

/ 49-{[2514]} وكان جميع معارفه والنساء اللواتي تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك .

50-{[2515]} وإذا برجل اسمه يوسف وهو صالح صديق .

51-{[2516]} ولم يكن موافقا لرأيهم وعملهم .

52-{[2517]} فدنا إلى بيلاطس وسأله جسد يسوع فأعطاه إياه .

53-{[2518]} فأنزله ولفه في كتان في قبر منحوت لم يكن وضع فيه أحد .

54-{[2519]} وكان يوم التهيئة أي : الجمعة وقد أخذ يلوح . . .

وفي يوم السبت اجتمع عظماء الكهنة عند بيلاطس قائلين له : قد تذكرنا أن ذاك المضل كان يقول وهو حي : إني أقوم بعد ثلاثة أيام . فمر أن يحرسوا القبر حتى اليوم الثالث . لئلا يأتي تلاميذه فيسرقوه ليلا ويقولوا للشعب : انه قام من بين الأموات . فتكون الضلالة الأخيرة شرا من الأولى . فأمر لهم بجنود يحرسون وحصنوا القبر وختموا الحجر مع الجنود . وفي عشية السبت المسفر صباحه عن الأحد أتت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظر القبر .

قال مفسروهم : إن هذه الآية أتعبت العلماء في تفسيرها والتوفيق بين أجزائها وبين أقوال باقي الانجيليين . انتهى .

وإذا بزلزلة عظيمة قد صارت لأن ملك الرب انحدر من السماء . وكان الملك جبريل . ظهر بهيئة شاب وجاء فدحرج الحجر عن باب القبر وجلس فوقه . وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج . ومن الخوف منه اضطرب الحراس وصاروا كالأموات . فقال للنسوة : لا تخفن . فقد عرفت أنكن تطلبن يسوع المصلوب . انه ليس ههنا . فإنه قد قام .

وقال لوقا :

55- {[2520]}كانت النساء اللواتي أتين معه من الجليل . يتبعن . فأبصرن القبر وكيف وضع فيه جسده .

56-{[2521]} ثم رجعن وأعددن حنوطا وأطيابا . وفي السبت قررن على حسب الوصية .

1-{[2522]} وفي أول الأسبوع باكرا جدا أتين إلى القبر وهن يحملن الحنوط الذي أعددناه .

2-{[2523]} فوجدن الحجر قد دحرج عن القبر .

3-{[2524]} فدخلن فلم يجدن جسد يسوع .

4-{[2525]}وبينما هن متحيرات في ذلك إذا برجلين قد وقفا عندهن بلباس براق .

/ 5-{[2526]} وإذ كن خائفات ونكسن وجوههن إلى الأرض قالا لهن : لماذا تطلبن الحي من الأموات .

6-{[2527]} ليس هو ههنا لكنه قام . اذكرن كيف كلمكن وهو بعد الجليل .

7-{[2528]} إذ قال انه ينبغي لابن البشر أن يسلم إلى أيدي أناس خطأة ويصلب يقوم في اليوم الثالث . فذكرن كلامه .

ورجعن إلى القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله .

وقلن لهم : قد أخذوا يسوع من القبر ولا نعلم أين وضعوه .

10- {[2529]}ومريم المجدلية وحنة ومريم أم يعقوب وأخر معهن هن اللواتي أخبرن الرسل بهذا .

فكان عندهم هذا الكلام كالهذيان ولم يصدقوهن .

/ 12-{[2530]} فقام بطرس وأسرع إلى القبر وتطلع فرأى الأكفان موضوعة على حدة فانصرف متعجبا في نفسه مما كان .

13-{[2531]} وان اثنين منهم كانا سائرين في ذلك اليوم إلى قرية اسمها عماوس بعيدة عن أورشليم ستين غلوة .

14- {[2532]}وكانا يتحادثان عن تلك الحوادث كلها .

15-{[2533]} وفيما هما يتحادثان ويتساءلان دنا منهما يسوع نفسه وكان يسير معهما .

16-{[2534]} ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته .

17-{[2535]} فقال لهما : ما هذا الكلام الذي تتحاوران فيه وأنتما سائران مكتئبين .

18-{[2536]} فأجاب أحدهما : أفأنت غريب في أورشليم ولم تعلم ما حدث بها في هذه الأيام ؟

19-{[2537]} فقال لهما : وما هي ؟ قالا له ما يخص يسوع الناصري الذي كان رجلا نبيا ذا قوة في العمل والقول أمام الله وجميع الشعب .

/ 20-{[2538]} وكيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه .

21-{[2539]} واليوم هو اليوم الثالث لحدوث ذلك .

22-{[2540]} الا أن نساء منا أدهشننا لأنهن بكرن إلى القبر .

23-{[2541]} فلم يجدن جسده فأتين وقلن : انهن رأين منظر ملائكة قالوا انه حي .

24- {[2542]} فمضى قوم من الذين معنا إلى القبر فوجدوا كما قالت النساء لكنهم لم يروه .

25- {[2543]}فقال لهما : يا قليلي الفهم وبطيىء القلب في الإيمان بكل ما نطقت به الأنبياء .

26- {[2544]}أما كان ينبغي للمسيح أن يتألم هذه الآلام ثم يدخل إلى مجده .

27- {[2545]}ثم أخذ يفسر لهما ، من موسى ومن جميع الأنبياء ، ما يختص به في الأسفار كلها .

28-{[2546]} فلما اقتربوا إلى القرية التي كانا يقصدانها تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد .

29-{[2547]} فألزماه قائلين : امكث معنا لأن المساء مقبل وقد مال النهار . فدخل ليمكث معهما .

/ 30-{[2548]} ولما اتكأ معهما أخذ خبزا وبارك وكسر وناولهما .

31-{[2549]} فانفتحت أعينهما وعرفاه فغاب عنهما .

32-{[2550]} فقال أحدهما للآخر : أما كانت قلوبنا مضطرمة فينا حين كان يخاطبنا في الطريق ويشرح لنا الكتب .

34-{[2551]} وقاما في تلك الساعة ورجعا إلى أورشليم ووجدا الأحد عشر مجتمعين .

وهم يقولون : ان الرب قام بالحقيقة وتراءى لسمعان .

35-{[2552]} فأخذا يخبران بما حدث في الطريق وكيف عرفاه عند كسر الخبز .

36-{[2553]} وبينما هم يتحدثون بهذه وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم : السلام لكم . أنا هو لا تخافوا .

37-{[2554]} فاضطربوا وخافوا وظنوا أنهم يرون روحا .

/ 38-{[2555]} فقال لهم : ما بالكم مرتعدين ولماذا ثارت الأوهام في قلوبكم .

39-{[2556]} انظروا يدي ورجلي إني أنا هو جسوني وانظروا فإن الروح لا لحم له ولا عظام كما ترون لي .

40-{[2557]} ثم أراهم يديه ورجليه .

41-{[2558]} وإذ كانوا غير مصدقين بعد من الفرح ومتعجبين قال : أعندكم ههنا طعام .

42-{[2559]} فأعطوه قطعة من سمك مشوي وشهد عسل .

43-{[2560]} فأخذ وأكل أمامهم .

ثم أخذ الباقي وأعطاهم . . .

وبعد مفاوضته معهم .

50-{[2561]} خرج بهم إلى بيت عنيا ورفع يد يد وباركهم .

51-{[2562]} وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأصعد إلى السماء .

/ هذا ما جاء في ( انجيل لوقا ) ممزوجا ببعض تفاسيرهم . وإنما آثرت النقل عنه لزعمهم أن كلامه أصح وأفصح ، وأشد انسجاما من كلام باقي مؤلفي العهد الجديد . كما في ( دخيرة الألباب ) من كتبهم .

فصل

في بطلان ما رووه وتهافته بالحجج الدامغة

اعلم أن في كتبهم الموجودة من التضارب في هذه القصة ما يقضي بالعجب ويبرهن على عدم الوثوق بها . كما قال تعالى : ( ما لهم به من علم إلا إتباع الظن ){[2563]} .

قال البرهان البقاعي رحمه الله في ( تفسيره ) بعد ( أن ساق أزيد مما سقناه عن أناجيلهم ، وقال : أحسن ما رد على الإنسان بما يعتقده ) . ما نصه : فقد بان لك إن أناجيلهم كلها اتفقت على أن علمهم في أمره انتهى إلى واحد . وهو الأسخريوطي . وأما غيره من الأعداء فلم يكن يعرفه . وانه إنما وضع يده عليه ولم يقل بلسانه انه هو . وأن الوقت كان ليلا . وأن عيسى نفسه قال لأصحابه : كلكم تشكون في هذه الليلة . وأن تلاميذه كلهم هربوا فلم يكن لهم علم بعد ذلك بما اتفق في أمره . وان بطرس إنما تبعه من بعيد . وان الذي دل عليه خنق نفسه . وان الناقل لأن الملك قال انه قام من الأموات ، إنما هو نسوة كن عند القبر في مدى بعيد . وما يدري النسوة الملك من غيره . ونحو ذلك من الأمور التي لا تفيد غير الظن . وأما الآيات التي وقعت فعلى تقدير تسليمها لا يضرها التصديق بها . وتكون لجرءتهم على الله بصلب من يظنونه المسيح . وهذا كله يصادق القرآن في أنهم في شك منه . ويدل على أن المصلوب ، إن صح أنهم صلبوه ، من ظنوه اياه ، هو الذي دل عليه .

/ قال بعض العلماء : انه ألقى شبهه عليه . ويؤيد ذلك قولهم انه خنق نفسه . فالظاهر إنهم لما لم يروه بعد ذلك ظنوا أنه خنق نفسه : فجزموا به . والله أعلم .

انتهى .

وقال العلامة خير الدين الآلوسي في ( الجواب الفسيح ) : اعلم أن ما ذكره هذا النصراني من أن المسيح عليه السلام مات بجسده ، وأقام على الصليب إلى وقت الغروب من يوم الجمعة ، ثم انزل ودفن ، وأقام في القبر إلى صبيحة يوم الأحد ، ثم انبعث حيا بلاهوته وتراءى للنسوة اللاتي جئن إلى قبره زائرات ، وظهر بعد لحوارييه . . . إلى آخر ما قاله – هو ما اجمع عليه النصارى . ويرد ذلك العقل والنقل . وان صدقتهم اليهود في قتله . فاستمع من المنقول ما يتلى عليك باذن داعيه . وخذ ما يأتيك من المعقول بالدلائل الهادية . على أن المقتول هو الشبه . وان الحال عند صالبيه اشتبه . وان المسيح رفعه الله تعالى ، قبل القتل ، إليه . لشرفه عنده ومكانته لديه . قال الله تعالى في بيان حال اليهود : ( وما قتلوه وما صلبوه . . . ) الآية . وفي الإنجيل أن رئيس الكهنة أقسم على المأخوذ بالله أءنت المسيح بن الله ؟ فقال له : أنت قلت . ولم يجبه بأنه المسيح . فلو كان المقسم عليه هو المسيح لقال له : نعم . ولم يور ولم يتلعثم . وهو محلف بالله . لاسيما وهو بزعمهم الإله . الذي نزل لخلاص عباده بافداء نفسه ودخول الجحيم ولأواه .

وقال لوقا في الفصل التاسع من انجيله .

28-{[2564]} إن المسيح صعد قبل الصلب إلى جبل الخليل ومعه بطرس ويعقوب ويوحنا .

29-{[2565]} فبينما هو يصلي إذ تغير منظر وجهه عما كان عليه وابيضت ثيابه وصارت تلمع كالبرق .

/ 30-{[2566]} وإذا موسى بن عمران وايليا .

31-{[2567]} قد ظهرا له وجاءت سحابة فأظلتهم .

32- {[2568]}وأما الذين كانوا مع المسيح فوقع عليهم النوم فناموا .

وهذا من أوضح الدلالات على رفعه وحصول الشبه الذي نقول به . إذ لا معنى لظهور موسى وايليا ووقوع النوم على أصحابه إلا رفعه . ألا ترى أن اليهود كانوا يسمعون منه ، عليه السلام ، أن ايليا يأتي . فلما رفعوه على الخشبة ، كما في الأناجيل ، قالوا : دعوه حتى نرى أن ايليا يأتي فيخلصه . فصاروا في شك يريدون تحقيقه . فإن أتى ايليا فما رفعوه هو المسيح . وان لم يأت فهو غيره كما في ظنهم . فلما لم يأت ازدادوا ريبة في أمره . ومن رآه الحواريون بعد يقظتهم ، يجوز أن يكون طورا من أطوار روحه . لأنه عليه السلام لا يبعد أن يكون له قوة التطور . وتشكل الروح بعد الموت أمر ممكن . لاسيما وقد صدرت على يديه معجزات أعظم من ذلك . كإحياء الموتى وكثرة الخبز والحيتان وإبراء الأكمه والأبرص .

وقال يوحنا التلميذ .

1-{[2569]} كان يسوع مع تلاميذه بالبستان فجاء اليهود في طلبه .

4-{[2570]} فخرج إليهم يسوع وقال لهم : من تريدون ؟

قالوا : يسوع . ( وقد خفي شخصه عنهم ) . فقال : أنا يسوع . وفعل ذلك مرتين وقد نكروا صورته .

فانظر أيها العاقل كيف اعترف هنا أنه يسوع لما علم أن الله تعالى تولى حراسته منهم ، وأنهم لا يقدرون أن ينالوه بسوء . وكيف لم يعترف بأنه المسيح لما سأله رئيس الكهنة عن نفسه . فعدم اعترافه هناك واعترافه هنا دليل واضح على أن ما قاله الله سبحانه في القرآن العظيم هو الحق .

ثم من الأدلة على عدم قتله ما اشتملت عليه الأناجيل من اختلاف المباني والمعاني والمقاصد والاضطراب في حكاية هذه الواقعة والتناقض في ألفاظها . كدعواهم الألوهية مع قوله عليه الصلاة والسلام ( عند صلبه بزعمهم ) : الهي ! الهي ! لم تركتني . وقوله كما في الفصل السادس والعشرين من ( انجيل متى ) :

يا أبتاه إن كان لا يمكنك أن تفوتني هذه الكأس أي : الموت ولا بد لي أن أشربها فلتكن مشيئتك . وقام يصلي . وقوله لرئيس الكهنة : إنكم من الآن لا ترون ابن الإنسان حتى ترونه جالسا عن يمين القوة وآتيا في سحاب السماء . يريد بالقوة البارئ تعالى شأنه . وفي الفصل السابع من ( إنجيل يوحنا ) : إن المريسيين ورؤساء الكهنة أرسلوا شرطا ليقبضوا على المسيح ( يعني ليقتلوه كما قال مفسروهم ) قال أنا ماكث أيضا معكم زمانا . ثم انطلق إلى من أرسلني وتطلبونني فلا تجدونني . وحيثما أكن فلا تستطيعون إليه سبيلا . قال اليهود في ذواتهم : فإلى أين ؟ هذا عتيد أن ينطلق حتى لا نجده نحن ، قال مفسروهم أي : يصعد إلى السماء . وغير ذلك مما لو أردنا ذكره والتنقير عنه لطال البحث .

ثم نقل خير الدين نحوا مما أسلفناه عن أناجيلهم وقال بعد ذلك : فأجل في تناقضها قداح فكرك . وفي تهافتها خيول ذهنك . لترى في هذه القصة ما يدلك على وقوع الشبه ونجاة المسيح عقلا ونقلا . كما قال تعالى : ( ولكن شبه لهم ) {[2571]} . وليتبين لك عبوديته ورسالته عليه السلام . فإن ذلك ظاهر من العبارات . ولنزدك في البيان وضوحا بما ننبهك عليه بكلمات يسيرة مقدوحا ومشروحا .

منها : قولهم انه صلب قبل الغروب يوم الجمعة ودفن مساءها . ولما جاءت النسوة عشية السبت المسفر صباحه عن الأحد ، وجدنه فارغا ، وقد قام منه المدفون . مع أن النصارى يزعمون ، كما في أناجيلهم ، أنه يبقى في قبره ، ثلاثة أيام . كما بقي يونان ، أي : يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام بلياليها ، فما هذا إلا دليل على الاختلاق والتهافت في هذا الأمر .

ومنها : سؤاله اليهود مرتين من تطلبون ؟ وهم يقولون : يسوع الناصري . فلم يعرفوه وهو يقول لهم : أنا .

ومنها : أن يهوذا ارتشى ليدلهم عليه . وجعل العلامة على تعيينه لهم تقبيل يده . فلو كان معلوما لهم لعرفوه بلا دلالة وبلا سؤال . مع أنه كان بين أظهرهم وفي غالب الأيام في هيكلهم .

ومنها : أنه لما أقسم عليه رئيس الكهنة أنه هو المسيح لم يقل له : أنا المسيح . بل قال له : أنت قلت .

/ ومناه : إنكار بطرس له وهو من أعظم رسله . وإنكاره كفر .

ومنها : أنه لما سأله الوالي : أنت هو ؟ لم يرد له جوابا . فلو كان هو لاعترف وأقر .

ومنها : أنه لما كان أخذه ليلا ، وقد شوهت صورته وتغيرت محاسنه بالضرب والنكال ، فهي حالة توجب اللبس بين الشيء وخلافه . فكيف بين الشيء وشبهه ؟ فمن أين يحصل القطع بأنه هو ؟ لا سيما والنصارى قد حكموا أن المسيح عليه السلام قد أعطي قوة التحول من صورة إلى صورة . ويحتمل أن المسيح ذهب في الجماعة الذين أطلقهم الأعوان ، وكان المتكلم معهم تلميذ أراد أن يبيع نفسه من الله تعالى وقاية للمسيح . فألقى الله تعالى عليه الشبه . وأتباع الأنبياء يفدون أنفسهم لأنبيائهم . وهذا أفدى نفسه لالهه ، بزعم النصارى .

ومنها : أنه يحتمل أن الأعوان ارتشوا على إطلاقه كما ارتشى يهوذا على الدلالة عليه . وأخذوا غيره ممن يريد أن يفدي نفسه للمسيح . والدليل عليه عدم اعترافه بأنه المسيح .

ومنها : قوله عليه السلام الذي تقدم آنفا : أنا ماكث معكم زمانا . ثم أنطلق إلى من أرسلني . فتطلبوني فلا تجدوني . وحيثما أكن فلا تستطيعون إليه سبيلا . فهذا صريح في أنهم سيطلبونه ولا يجدونه ولا ينالون منه شيئا ، لأنه سيصعد إلى السماء . ومثله ما في الفصل الثاني عشر من ( انجيل يوحنا ) ما لفظه : قال له الجموع : نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يمكث إلى الأبد . فكيف تقول أنت ابن البشر سوف يرتفع . من هو هذا ابن البشر ؟ قال لهم يسوع : إن النور معكم زمانا آخر يسيرا . امشوا ما دام لكم النور . لئلا يدرككم الظلام . ومن يمش في الظلام فلا يدري أين يذهب . آمنوا بالنور ما دام لكم النور . قال يسوع وذهب متواريا عنهم . انتهى .

ففي هذا الكلام أدلة كثيرة مؤيدة لقوله تعالى : ( بل رفعه الله إليه ) {[2572]} .

منها : أن اليهود قالوا لعيسى : إن المسيح المذكور في العهد القديم يمكث إلى الأبد . / أي : فإن كنت أنت المسيح فأنت لا تموت في هذا الزمان . بل تبقى إلى قيام الساعة . ولم يكذبهم في نقلهم ذلك . والمسلمون يقولون : انه رفع حيا إلى السماء وهو الآن حي فيها . وسينزل آخر الزمان عند قرب الساعة ويقتل الدجال ويحكم بالشريعة المحمدية . ويتوفى ويدفن عند النبي صلى الله عليه وسلم . فهو حي إلى الأبد ، يعني إلى قرب قيام الساعة . ونزوله وموته من إمارات الساعة الكبرى . وفي هذا القول دلالات ظاهرات أيضا على أنه ليس بإله :

أحدهما : أنه قال : ابن البشر . يعني لا تظنوا أني أدعي الألوهية وان أحييت الموتى . لأن ذلك معجزة خلقها الله تعالى على يده للإيمان بنبوته .

ثانيها : لو كان إلها لما توارى منهم خائفا من قتلهم له . لأن الإله هو خالق لهم ولعملهم . وعالم بزمن قدرتهم عليه . فكيف يفر وهو يعلم وقت موته ؟ وهو خالق الموت والحياة ؟ ثم انه يحتمل أن الله تعالى ألقى شبهه على شيطان أو مارد من مردة الجن ليخلص نبيه ورسوله من أيدي أعدائه ، ويرفعه إليه محفوظا مكرما . كما أجرى على يديه إحياء الموتى ، وخلقه من غير أب ، وأبرأ الأكمه والأبرص . لاسيما وهو بزعمهم اله العالم وخالق الإنس والجن وبني آدم . فأي ضرورة تدعو لإثبات أنواع الاهانة والعذاب ، على ما زعموا ، لرب الأرباب . مع وجود التناقض فيما نقلته أناجيلهم في هذا الفصل والباب .

عجبا للمسيح بين النصارى *** والى أي والد نسبوه

أسلموه إلى اليهود وقالوا : *** إنهم بعد ضربه صلبوه

فإذا كان ما يقولون حقا *** وصحيحا ، فأين كان أبوه ؟

حين خلى ابنه رهين الأعادي *** أتراهم أرضوه أم أغضبوه ؟

فلئن كان راضيا بأذاهم *** فاحمدوهم لأنهم عذبوه

ولئن كان ساخطا فاتركوه *** واعبدوهم لأنهم غلبوه

وفي كتاب ( الفاصل بين الحق والباطل ) ما نصه : وفي الذي اتخذتموه شهيدا على صلبه من / كلام عاموص النبي . إن الله تعالى قال على لسانه : ثلاثة ذنوب أقبل لبني اسرائيل . والرابعة لا أقبلها . بيعهم الرجل الصالح –حجة عليكم لا لكم . لأنه لم يقل بيعهم اياي . ولا قال بيعهم إلها متساويا معي .

ويجري تأويل ذلك على وجهين : إما أن يكون عنى بالمبيع عيسى كما تزعمون فقولوا حينئذ انه ( الرجل الصالح ) كما قال عاموص ، وليس بالإله المعبود . وإما أن يريد بالمبيع غيره وهو الذي شبه لليهود فابتاعوه وصلبوه . ويلزمكم وقتئذ إنكار صلوبية عيسى عليه السلام . كيف لا ونصوص الانجيل والكتب النصرانية متضافرة دالة على عدم الصلب لعيسى عليه السلام . ووقوع الشبه على غيره . وذلك من وجوه :

أحدها : يوجد في الانجيل أن عيسى عليه السلام صعد إلى جبل الجليل ومعه بطرس ويعقوب ويوحنا . فبينما هو يصلي إذ تغير منظر وجهه عما كان عليه وابيضت ثيابه فصارت تلمع كالبرق . وإذا بموسى بن عمران وايليا قد ظهرا له وجاءت سحابة فأظلتهم . فوقع النوم على الذين معه . فأي مانع يمنع من أن يكون ذلك قد وقع في اليوم الذي طلبته فيه اليهود . وإنما قد اختلفتم في نقلها كما اختلفتم وتناقضتم في غير ذلك . وغيرتم الكلم عن مواضعه . وظهور الأنبياء عليه السلام وتظليل السحابة ووقوع النوم على التلاميذ ، يكون حينئذ دليلا ظاهرا على الرفع إلى السماء وعدم الصلب . وإلا فلا معنى لظهور هذه الآيات .

وثانيها : ما في الانجيل أيضا أن المصلوب قد استسقى اليهود فأعطوه خلا مضافا بمر . فذاقه ولم يشربه . فنادى : الهي الهي لم خذلتني ؟ والأناجيل كلها مصرحة بأنه عليه السلام كان يطوي أربعين يوما وأربعين ليلة . ويقول للتلاميذ : إن لي طعاما لستم تعرفونه . ومن يصبر على العطش والجوع أربعين يوما وليلة كيف يظهر الحاجة والمذلة لأعدائه بسبب عطش يوم واحد ؟ هذا لا يفعله أدنى الناس ، فكيف بخواص الأنبياء ؟ أو كيف بالرب على ما تدعونه ؟ فيكون حينئذ المدعي للعطش غيره . وهو الذي شبه لكم .

وثالثها : قوله : الهي الهي لم خذلتني وتركتني ؟ هو كلام يقتضي عدم الرضا بالقضا ، وعدم التسليم لأمر الله تعالى . وعيسى عليه السلام منزه عن ذلك . فيكون المصلوب غيره . لا سيما وأنتم تقولون : إن المسيح عليه السلام إنما نزل ليؤثر العالم على نفسه ، ويخلصه من الشيطان ورجسه . فكيف تروون عنه ما يؤدي إلى خلاف ذلك ، مع روايتكم في توراتكم أن إبراهيم وإسحاق وموسى وهارون ، عليهم السلام ، لما حضرهم الموت كانوا مستبشرين بلقاء ربهم ، فرحين بانقلابهم إلى سعيهم ، لم يجزعوا من الموت ولم يستقيلوا منه . ولم يهابوا مذاقه . مع أنهم عبيده . والمسيح بزعمكم ولد ورب . فكان ينبغي أن يكون أثبت منهم . ولما لم يكن كذلك دل على أن المصلوب غيره ، وهو الذي شبه لكم .

فصل

فيما روي عن سلفنا الكرام رضي الله عنهم

في تفسير هذه الآية

قال الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى في ( تفسيره ) هنا ما نصه : وكان من خبر اليهود ، عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه ، أنه لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى ، حسدوه على ما آتاه الله تعالى من النبوة والمعجزات . التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي الموتى باذن الله . ويصور من الطين طائرا ثم ينفخ فيه فيكون طائرا يشاهد طيرانه باذن الله عز وجل . إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه . ومع هذا كذبوه وخالفوه وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم . حتى جعل نبي الله عيسى عليه السلام لا يساكنهم في بلدة . بل يكثر السياحة هو وأمه عليهما السلام . ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان ، وكان رجلا مشركا من عبدة الكواكب ، وكان يقال لأهل ملته اليونان ، وأنهوا إليه أن في بيت المقدس رجلا يفتن الناس ويضلهم ويفسد على الملك رعاياه . فغضب الملك من هذا وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور . وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه . ويكف أذاه عن الناس . فلما وصل الكتاب امتثل والي بيت المقدس ذلك ، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى عليه السلام . وهو في جماعة من أصحابه اثني عشر أو ثلاثة عشر وقيل سبعة عشر نفرا . وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت . فحصروه هنالك . فلما أحس بهم ، وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم ، قال لأصحابه : أيكم يلقى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة ؟ فانتدب لذلك شاب منهم . فكأنه استصغره عن ذلك . فأعادها ثانية وثالثة . وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب . فقال : أنت هو . وألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو . وفتحت روزنة من سقف البيت . وأخذت عيسى سنة من النوم فرفع إلى السماء . وهو كذلك كما قال الله تعالى : ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي . . . ) الآية .

فلما رفع ، خرج أولئك النفر . فلما رأى أولئك النفر ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه . وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك . وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك ، لجهلهم وقلة عقلهم . ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه . وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم . حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت . ويقال انه خاطبها . والله أعلم . وهذا كله من امتحان الله عباده ، لما له في ذلك من الحكمة البالغة . وقد أوضح الله الأمر وجلاه وبينه وأظهره في القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله الكريم ، المؤيد بالمعجزات والبينات ، والدلائل الواضحات ، فقال تعالى وهو أصدق القائلين ، ورب العالمين ، المطلع على السرائر والضمائر ، الذي يعلم السر في السماوات والأرض ، العالم بما كان ويكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون : ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) {[2573]} . أي : رأوا شبهه فظنوا أنه إياه . ولهذا قال : ( وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) {[2574]} . يعني بذلك من ادعى انه قتله من اليهود ومن سلمه إليهم من جهال النصارى . كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسعر . ولهذا قال : ( وما قتلوه يقينا ) {[2575]} . أي : وما قتلوه متيقنين أنه هو بل شاكين متوهمين : ( بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا ) {[2576]} . أي : منيع الجناب لا يرام جنابه ولا يضام من لاذ ببابه . ( حكيما ) أي : في جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور التي يخلقها . وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة والسلطان العظيم والأمر القديم . قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان . حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن أبن عباس قال : " لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين . يعني فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء . فقال : إن منكم من يكفر بي اثنى عشر مرة بعد أن آمن بي . قال ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له : اجلس . ثم أعاد عليهم فقام ذلك الشاب . فقال : اجلس . ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال : أنا فقال : هو أنت ذاك . فألقي عليه شبه عيسى . ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء . قال وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه . فكفر به بعضهم اثني عشر مرة بعد أن آمن به . وافترقوا ثلاث فرق . فقالت فرقة : كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء . وهؤلاء اليعقوبية . وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه إليه . وهؤلاء النسطورية . وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه . وهؤلاء المسلمون . فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها . فلم يزل الاسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم " . وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس . ورواه النسائي عن أبي كريب عن أبي معاوية نحوه . وكذا غير واحد من السلف أنه قال لهم : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني وهو رفيقي في الجنة ؟

/ وقال ابن جرير {[2577]}حدثنا ابن حميد . حدثنا يعقوب القمي عن هارون بن عنترة عن وهب بن منبه قال : " أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت . فأحاطوا بهم . فلما دخلوا عليه صورهم الله عز وجل كلهم على صورة عيسى . فقالوا هم : سحرتمونا . لتبرزن لنا عيسى أو نقتلنكم جميعا . فقال عيسى لأصحابه : من يشتري نفسه منكم اليوم بالجنة ؟ فقال رجل منهم : أنا . فخرج إليهم وقال : أنا عيسى . وقد صوره الله على صورة عيسى . فأخذوه فقتلوه وصلبوه . فمن ثم شبه لهم فظنوا أنهم قد قتلوا عيسى . وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى . ورفع الله عيسى من يومه ذلك " . قال ابن كثير : وهذا سياق غريب جدا . ثم قال ابن جرير : وقد روي عن وهب نحو هذا القول وهو {[2578]}ما حدثني المثنى . حدثنا اسحاق . حدثنا اسماعيل عن عبد الكريم . حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا يقول : " إن عيسى بن مريم لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا جزع من الموت وشق عليه . فدعا الحواريين فصنع لهم طعاما فقال : احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة . فلما اجتمعوا إليه من الليل عشاهم وقام يخدمهم . فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضئهم بيده ، ويمسح أيديهم بثيابه . فتعاظموا ذلك وتكارهوه . فقال : ألا من رد علي الليلة شيئا مما أصنع فليس مني وغسلت أيديكم بيدي ، فليكن لكم بي أسوة . فإنكم ترون أني خيركم فلا يتعاظم بعضكم على بعض وليبذل بعضكم لبعض نفسه كما بذلت نفسي لكم . وأما حاجتي الليلة التي استعنتكم عليها ، فتدعون الله لي وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي . فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا ، أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء . فجعل يوقظهم ويقول : سبحان الله ! أما تصبرون لي ليلة واحدة تعينوني فيها . فقالوا : والله ! ما ندري ما لنا ؟ لقد كنا نسمر فنكثر السمر ما نطيق الليلة سمرا . وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه . فقال : يذهب بالراعي وتتفرق الغنم . وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعى نفسه . ثم قال : الحق ، ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات . وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني ! فخرجوا فتفرقوا . وكانت اليهود تطلبه . وأخذوا شمعون أحد الحواريين وقالوا : هذا من أصحابه . فجحد وقال : ما أنا بصاحبه . فتركوه . ثم أخذه آخرون فجحد كذلك . ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه . فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال : ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح ؟ فجعلوا له ثلاثين درهما . فأخذها ودلهم عليه . وكان شبه عليهم قبل ذلك . فأخذوه فاستوثقوا منه وربطوه بالحبل . فجعلوا يقودونه ويقولون له : أنت كنت تحيي الموتى وتنتهر الشيطان وتبرئ المجنون ، أفلا تنجي نفسك من هذا الحبل ؟ ويبصقون عليه ويلقون عليه الشوك . حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها . فرفعه الله إليه . وصلبوا ما شبه لهم . فمكث سبعا . ثم إن أمه والمرأة التي كان يداويها عيسى عليه السلام فأبرأها الله من الجنون ، جاءتا تبكيان حيث المصلوب . فجاءهما عيسى فقال : علام تبكيان ؟ فقلتا : عليك . فقال : إني قد رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير . وان هذا شيء شبه لهم . فأمرا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا . فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر . وفقد الذي كان باعه ودل عليه اليهود فسأل عنه أصحابه فقالوا : انه ندم على ما صنع ، فاختنق وقتل نفسه . فقال : لو تاب لتاب الله عليه . ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له يحنى . فقال : هو معكم ، فانطلقوا فإنه يصبح كل إنسان يحدث بلغة قوم . فلينذرهم وليدعهم " .

قال ابن كثير : سياق غريب جدا . وقال ابن جريج عن مجاهد : " صلبوا رجلا شبه بعيسى . ورفع الله عز وجل عيسى إلى السماء " .

/ فصل

في رد زعم النصارى

أن إلقاء الشبه يفضي إلى السفسطة

قال خير الدين في ( الجواب الفسيح ) قال النصارى : القول بإلقاء الشبه على عيسى عليه السلام قول يفضي إلى السفسطة ، والدخول في الجهالات ، وما لا يليق بالعقلاء . لأنا إذا جوزنا ذلك فينبغي إذا رأى الإنسان ولده أو زوجته لم يثق بأنه ولده أو زوجته . وكذلك سائر المعارف . لا يثق الإنسان بأحد منهم ولا يسكن إليه . ونحن نعلم بالضرورة أن الإنسان يقطع بأن ولده هو ولده . وان كل واحد من معارفه هو ، من غير شك ولا ريبة . بل القول بالشبه يمنع الوثوق بمدينة الإنسان ووطنه إذا دخله . ولعله مكان آخر ألقي عليه الشبه . بل إذا غمض الإنسان عينه عن صديقه بين يديه لحظة ، ثم فتحها ، ينبغي أن لا يقطع بأنه صديقه . لجواز إلقاء الشبه على غيره . وكل ذلك خلاف الضرورة . فالقول بإلقاء الشبه على غير عيسى خلاف الضرورة . كالقول بأن الواحد نصف العشرة مثلا ، فلا يسمع .

والجواب عنه من وجوه :

أحدها : أن هذا تهويل ليس عليه تعويل . بل البراهين القاطعة ، والأدلة الساطعة قائمة على أن الله تعالى خلق الإنسان وجملة أجزاء العالم . وان حكم الشيء حكم مثله : فما من شيء خلقه الله تعالى في العالم إلا هو قادر على خلق مثله . لتعذر خلقه في نفسه . فيلزم أن يكون خلق الإنسان مستحيلا . بل جملة العالم . وهو محال بالضرورة . وإذا ثبت أن الله تعالى قادر على خلق مثل لكل شيء في العالم ، فجميع صفات جسد عيسى عليه السلام لها أمثال في حيز الإمكان في العدم ، يمكن خلقها في محل آخر غير جسد المسيح . فيحصل الشبه قطعا . فالقول بالشبه قول بأمر ممكن . لا بما هو خلاف الضرورة . ويؤنس ذلك أن التوراة مصرحة بأن الله تعالى خلق جميع ما للحية في عصا موسى عليه السلام . وهو أعظم من الشبه . فإن جعل حيوان يشبه حيوانا ، وإنسان يشبه إنسانا –أقرب من جعل نبات يشبه حيوانا . وقلب العصا مما أجمع عليه اليهود والنصارى . كما أجمعوا على قلب النار بردا وسلاما . وعلى قلب لون يد موسى عليه السلام .

وعلى انقلاب الماء خمرا وزيتا للأنبياء عليهم السلام . وإذا جوزوا مثل هذا فيجوز إلقاء الشبه من غير استحالة . على أن عيسى عليه السلام قد خولفت عادة الله تعالى الأغلبية في خلقه من ماء واحد . ونفخ جبريل في جيب مريم . فجعل شبهه على غيره ليس بأبعد عن العادة ، من خلقه . على أن إحياءه للموتى وإبراءه للأبرص والأكمه أعظم من إلقاء شبهه على غيره . على أن عروجه إلى السماء بناسوته وخرق السماء والتئامها ، ليس بأهون من ذلك . على أن رد الشمس ليوشع بن نون ، ومشي عيسى وحواريه على الماء ، وسائر معجزات أنبياء بني اسرائيل ، ليس بأهون مما هنالك . وإذا صح عند النصارى انقلاب الخبز إلى جسد المسيح ، والخمر إلى دمه في العشاء السري ، لم لا يمكن أن يوقع شبهه على أحدهم ؟ كما لا يخفى .

وثانيها : أن الانجيل ناطق بأن المسيح عليه السلام نشأ بين ظهراني اليهود . وحضر مرارا عديدة في مواسمهم وأعيادهم وهياكلهم . يعظهم ويعلمهم ويناظرهم . ويتعجبون من براعته وكثرة تحصيله . حتى إنهم ( كما في الانجيل ) يقولون : أليس هذا ابن يوسف ؟ أليست أمه مريم ؟ أليس إخوته عندنا ؟ فمن أين له هذه الحكمة ؟ وإذا ، كان في غاية الشهرة والمعرفة عندهم . وقد نص الانجيل على أنهم عند ارادة الصلب لم يحققوه ، حتى دفعوا لتلميذه ثلاثين درهما ليدلهم عليه . فما حاجتهم حينئذ أن يكتروا رجلا من تلاميذه ليعرفهم شخصه ؟ لولا وقوع الشبه الذي نقول به .

وثالثها : أنه كما تقدم في الأناجيل ، أخذ في حندس من الليل المظلم في حالة وشوهت صورته وغيرت محاسنه وهيئته ، بالضرب والسحب وأنواع النكال الموجبة لتغير الحال . ومثل ذلك يوجب اللبس بين الشيء وخلافه . فكيف بين الشيء وشبهه ؟ حتى أن رئيس الكهنة عند احضاره أقسم عليه هل هو يسوع المسيح ابن الله ؟ فلم يجبه . ولو كان هو لأجابه . فمن أين للنصارى واليهود القطع بأن المصلوب هو عين عيسى عليه السلام دون شبهه ؟ بل إنما يحصل الظن والتخمين كما قال تعالى في كتابه المبين : ( وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه ) .

رابعها : قد تقدم في الأناجيل انه لما جاء اليهود إلى محله خرج إليهم وقال : من تريدون ؟ قالوا : يسوع . وقد خفي شخصه عليهم . ففعل ذلك مرتين وهم ينكرون صورته . وهذا دليل الشبهة ، ورفع عيسى عليه السلام . ولا سيما وقد نقل غير واحد من العلماء عن بعض النصارى القول بان المسيح عليه السلام كان قد أعطي قوة التحول من صورة إلى صورة .

خامسها : قول متى في ( الفصل الخامس والعشرين ) من ( انجيله ) ما لفظه : حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكون في هذه الليلة . لأنه مكتوب إني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية . ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل . فأجاب بطرس وقال له : وان شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدا . قال له يسوع : الحق أقول لك . انك هذه الليلة ، قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات . انتهى .

فقد شهد عليهم بالشك . بل خيرهم بطرس الذي هو خليفة عليهم ، شك . فقد انخرمت الثقة بأقوالهم . وصح قوله تعالى : ( وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن ) .

سادسها : إن في ( الفصل السابع والعشرين ) من ( انجيل متى ) ما لفظه : حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ، ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ . قائلا : قد أخطأت إذ سلمت دما بريئا . فقالوا : ما علمنا : أنت أبصر . فطرح الفضة في الهيكل وانصرف . ثم مضى وخنق نفسه . انتهى .

فهذه الأناجيل ليست قاطعة في صلبه . بل فيها اختلافات . فيحتمل أن يهوذا كذب عليهم في قوله : ( هو هذا ) ويدل على وقوع ذلك ، ويقر به ظهور ندمه بعد هذا . ولا سيما / وهو من جملة الاثني عشر الذين شهد لهم المسيح بالسعادة الأبدية . والسعيد لا يتم منه مثل هذا الفساد العظيم . فيلزم اما أن يهوذا ما دل عليه ، أو كون المسيح ما شهد لهم بالسعادة الدائمة . أو ان أناجيلهم محرفة مبدلة . ويحتمل أن احد أتباع المسيح باع نفسه من الله تعالى وقاية للمسيح عليه السلام . وادعى أنه هو . ومثل هذا كثير في أتباع الأنبياء . حيث يريدون أن يفدوا أنفسهم بدل أنبيائه . ويحتمل أن الأعوان أخذوا عليه رشوة وأطلقوه ، وأخذوا بدله . كما أن يهوذا ، مع أنه صديقه ورسوله ، أخذ رشوة ودلهم عليه . ويحتمل أن الله تعالى أرسل شيطانا على صورته وصلبوه . ويحتمل أن الملك الذي نزل عليه ليقويه ، كما تقدم في ( انجيل لوقا ) بزعمهم ، صار فداء له . ويحتمل أن هذا الذي نزل انما نزل لرفعه . لأنه لو كان نازلا لتقويته لقواه . فلما لم نر أنه قواه فيقتضي أنه رفعه إلى السماء ، أو فدى نفسه له .

وقال بعض الأفاضل : ومن الأدلة على رفعه وصلب شبهه ما في الفصل التاسع من ( انجيل لوقا ) ما لفظه : أن المسيح صعد إلى جبل ليصلي وأخذ بطرس ويوحنا ويعقوب معه . وفيما هو يصلي صارت هيئته ووجهه متغيرة ، ولباسه مضيئا لامعا . الخ .

فهذا فيه دلالة على رفعه وحصول الشبه الذي نقول به . إذ لا معنى لظهور موسى وايلياء ، ووقوع النوم على أصحابه ، وتغير وجهه واضاءة لباسه ، الا رفعه . ورؤيتهم له بعد ذلك ، انما هو من تطور روحه . لأنه عليه السلام كان له قوة التطور : وهذا من أحكام الروح والنفس .

ولئن قلنا انه لا يدل على الرفع بالوجه التام ، غير أنا نتنزل ونقول : ما دام في هذه المرة تغيرت هيئته ووجهه ولباسه ، واجتمع بالأنبياء وسمع من الغمامة هذا الصوت ، فلا أقل من أن يكون ذلك مقدمة لرفعه ومقياسا ، ومبدأ لتقويته وايناسا . واليهود لم يتحققوا من أنفسهم أنه هو المسيح . بل اعتمدوا على قول يهوذا كما تقدم لك . ويهوذا قوله قول فرد ، وغير صالح للاحتجاج . للاحتمالات والأدلة التي ذكرناها لك . فلم يبق في قول الفرقتين حجة أن المصلوب هو المسيح عليه السلام ، لا شبهه . وأناجيلهم حالها معلوم لديك . وبيان اشتباههم المحكي لك في القرآن ، لا يخفى عليك . انتهى .

وهنا سؤال يورده بعض النصارى وهو : أن عيسى عليه السلام إذا كان لم يصلب حقيقة ، وانما صلب رجل ألقي عليه شبهه ، ورفع هو إلى السماء ، فلم لم يخبر الحواريين بذلك قبل رفعه أو بعده ؟

والجواب : أن عيسى عليه السلام لم يخبر بذلك لعلمه بأن أناسا سيفترون عليه ويقولون بألوهيته . فأبهم الأمر ليكون ذلك أدل على كونه عبدا من عبيد الله . لا يقدر على جلب نفع ولا دفع ضر . بخلاف ما لو أخبر أنه لا يصلب ، وأن المصلوب شبهه ، فإنه ربما كان ذلك مقويا لشبهة أولئك الجماعة . ولعدم كون هذه المسألة من المسائل الاعتيادية في الأصل . إذ لو اعتقد أحد ، قبل إرسال نبينا عليه الصلاة والسلام ، بصلب عيسى ، لم يضره ذلك . لكن لما ورد نبينا الذي لا ينطق عن الهوى ، أبان خطأ النصارى في الوجهين :

أحدهما : اعتقاد أن عيسى اله .

والأخر : اعتقاد أنه قد قتل وصلب . وأبان انه عبد من عبيد الله تعالى تولاه بالرسالة ، واصطفاه وحفظه من أيدي أعدائه وحماه ، كذا في ( منية الإذكاء في قصص الأنبياء ) .

فصل

في سقوط دعواهم التواتر في أمر الصلب

قال القرافي : اعلم أن النصارى قالوا : انهم واليهود أمتان عظيمتان طبقوا مشارق الأرض ومغاربها . وكلهم يخبر أن المسيح عليه السلام صلب . وهم عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب . والانجيل أيضا مخبر عن الصلب . فإن جوزتم كذبهم ، وكذب ما يدعى أنه الانجيل ، وان مثل هؤلاء ممكن تواطؤهم على الكذب –لزم المحال من وجوه :

أحدها : أنه يتعذر عليكم أيها المسلمون ، جعل القرآن متواترا .

وثانيها : أن قاعدة التواتر تبطل بالكلية . فإن غاية خبر التواتر يصل إلى مثل هذا .

وثالثها : أن إنكار الأمور المتواترة . جحد للضرورة ، فلا يسمع . فلو قال إنسان : الخبر عن وجود بغداد ودمشق كذب ، لم يسمع ذلك منه ، وعد خارجا عن دائرة العقلاء . وحينئذ يتعين أن القول بالصلب حق وأن إخبار المسلمين والقرآن عن عدم ذلك ، مشكل .

والجواب من وجوه : أحدها : أن جميع النصارى واليهود يوردون هذا السؤال ولا يعلمون حقيقة التواتر ولا شروطه . وإنما فهم ذلك وغيره هذه الأمة المحمدية والملة الإسلامية ، لعلو قدرها وشرفها واختصاصها بمعاقد العلوم وأزمتها . دون غيرها . كما هو مسلم عند كل دري ( كذا ) منصف . وها نحن نوضح ذلك إن شاء الله تعالى فنقول : إن التواتر له شروط :

الشرط الأول : أن يكون المخبر عنه أمرا محسوسا . ويدل على اعتبار هذا الشرط ، أن الأمة العظيمة قد تخبر عن القضايا الجسيمة وهي باطلة . كإخبار المعطلة عن عدم الصانع والفلاسفة عن قدم العالم . مع بطلان ذلك عند أمم كثيرة . وسببه أن مجال النظر يكثر فيه وقوع الخطأ . فلا يثق الإنسان بالخبر عن العقليات ، حتى ينظر فيجد البرهان العقلي يعضد ذلك الخبر . فحينئذ يقطع بصحة ذلك الخبر . أما الأمور المحسوسة ، مثل المبصرات ونحوها فشديدة البعد عن الخطأ . وإنما يقع الخلل من التواطؤ على الكذب . فإذا كان المخبرون يستحيل تواطؤهم على الكذب حصل القطع بصحة الخبر .

الشرط الثاني : استواء الطرفين والواسطة . وتحرير هذا الشرط أن المخبرين لنا ، إذا كانوا يستحيل تواطؤهم على الكذب وكانوا هم المباشرين لذلك الأمر المحسوس ، المخبر عنه ، حصل العلم بخبرهم . وان لم يكن المخبر لنا هو المباشر لذلك الأمر المحسوس ، بل ينقلون عن غيرهم أنه أخبرهم بذلك ، فلا بد أن يكون الغير المباشر عددا يستحيل تواطؤهم على الكذب ، فإن جاز الكذب عليه ، وهو أصل هؤلاء المخبرين لنا ، فإذا لم يبق الأصل لم يبق المفرع عليه . فلا يلزم من كون المخبر لنا يستحيل تواطؤهم على الكذب حصول العلم بخبرهم . لجواز فساد أصلهم المعتمدين عليه . فيتعين أن يكون الأصل عددا يستحيل تواطؤهم على الكذب . فهذا معنى قولنا : ( استواء الطرفين ) في كونهما عددا يستحيل تواطؤهما على الكذب –شرط . فإن كان المخبر لنا عددا يستحيل تواطؤهم على الكذب ، وأصلهم الذي ينقلون عنه كذلك ، عددا يستحيل تواطؤهم على الكذب أيضا . لما تقدم . وفي هذه الصورة حصل طرفان وواسطة . فالطرفان المخبر لنا . والمباشر الأول الواسطة الذي بينهما . فيجب استواء الطرفين والواسطة . والوسائط تكثرت في كونهم عددا يستحيل تواطؤهم على الكذب . فينقسم ، بهذا التحرير ، التواتر إلى طرف فقط ، والى طرفين بلا واسطة ، والى طرفين وواسطة . والثلاثة أقسام مشتركة في هذا الشرط . فإذا تقرر حقيقة التواتر فنقول : الحس إنما يتعلق بأن هذا مصلوب على هذه الخشبة . وأما أنه عيسى عليه السلام نفسه أو غيره ، فهذا لا يفيده الحس البتة . بل إنما يعلم بقرائن الأحوال إن وجدت ، أو بأخبار الأنبياء عليهم السلام عن الله تعالى الذي أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا . والذي يدل على أن الحس لا يفرق بين المتماثلات ، أنا لو وضعنا في إناء رطلا من الماء مثلا . وأريناه لانسان ، ثم رفعنا ذلك الماء ووضعنا فيه رطلا آخر من ذلك الماء ثم أريناه ذلك الانسان . وقلنا له : هذا الماء هو عين الماء الأول أو مثله ؟ فإنه إذا أنصف يقول : الذي أدركه بحسي أن هذا ماء بالضرورة . أما أنه عين الأول أو غيره مماثلا له ، فلا أعلم . لكون الحس لا يحيط بذلك . هذا في المائعات . وكذلك كف من تراب أو أوراق الأشجار أو أنواع الحبوب . كالحنطة مثلا . إذا أخذ منها حفنتان ونحو ذلك . وكذلك الحيوانات الوحشية والطيور شديدة الالتباس على الحس . إذا اتحد النوع في اللون والسن والغلظ . وإنما كثرت الفروق في الحيوانات الإنسية كالفرس ونحوها .

مطلب :

وسر ذلك أن أسباب النشأة في الوحشية مشتركة بالمياه والمراعي والبراري . والحيوان الانسي يختلف ذلك فيه ، بحسب مقتنيه ، اختلافا كثيرا . فينشأ بحسب دواعي بني آدم في السعة والضيق ، وايثار نوع من العلف على غيره ، ومكان مخصوص على غيره ، وإلزام الحيوان أنواعا من الأعمال والرياضة دون غيرها ، فيختلف الحيوان الانسي بحسب ذلك . ثم يتصل ذلك بالنطف في التوليد . مضاف إلى ما يحصل للولد من داعية مريبة فيعظم الاختلاف . والحيوان الوحشي سلم عن جميع ذلك . فتشابهت أفراد نوعه . ولا يكاد الحس يفرق بين اثنين منه البتة . فإذا تقرر أن الحس لا سلطان له على الفرق بين المثلين ، ولا التمييز بين الشيئين ، فيجب القطع أن كون المصلوب هو خصوص عيسى عليه السلام دون شبهه أو مثله –ليس مدركا بالحس . وإذا لم يكن مدركا بالحس ، جاز أن يخرق الله تعالى العادة لعيسى عليه السلام شبهه في غيره . كما خرق له العادة في إحيائه الموتى وغيره . ثم يرفعه ويصونه عن اهانة أعدائه . وهو اللائق بكريم آلائه . في إحسانه لخاصة أنبيائه وأوليائه . وإذا جوز العقل مثل هذا مع أن الحس لا مدخل له في ذلك ، بقي إخبار القرآن الكريم عن عدم الصلب سالما عن المعارض . مؤيدا بكل حجة . وسقط السؤال بالكلية .

وثانيها : سلمنا أن الحس يتعلق بالتفرقة بين المثلين . والتمييز بين الشبهين . لكن لا نسلم أن العدد المباشر للصلب كانوا بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب . ويدل على أنهم ليسوا كذلك ، أن الحواريين فروا عنه . لأنه لو وجد أحد منهم لقتله اليهود . فحينئذ عدد التواتر متعذر من جهة شيعة النصارى عن أسلافهم . لا يفيد علما بل هو ظن وتخمين لا عبرة به . لذلك قال الله سبحانه في قرآنه المبين : ( وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه ) . أي : هم لا يتيقنون ذلك . بل يحزرون بالظن والتخمين . وأما من جهة الملة اليهودية ، فلأن المباشر منهم للصلب إنما هو الوزعة واعوان الولاة . وذلك في مجرى العادة يكون نفرا قليلا . كالاثنين أو الثلاثة ونحوها . يجوز عليهم الكذب ولا يفيد خبرهم العلم بكون العادة وخرج الصلب عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب يفتقر إلى نقل متواتر . فإنه لو وقع ونقل بأخبار الآحاد لم يحصل لنا علم بالصلب . فإن المتواترات إذا نقلت بأخبار الآحاد ، سقط اعتبارها في إفادة العلم . لجواز كذب الناقل . فلا يكون عدد التواتر حاصلا في نفس الأمر . والنصارى واليهود إنما يعتمدون على التوراة والانجيل . ولا يوجد يهودي ولا نصراني على وجه الأرض يروى التوراة والانجيل ، عدلا عن عدل ، إلى موسى وعيسى عليهما السلام . وإذا تعذرت عليهم رواية العدل عن العدل ، فأولى أن يتعذر التواتر . ولم يبق في الكتابين إلا أخبار وتواريخ بعيدة الزمان جدا . بحيث أن التواريخ الإسلامية أصح منها ، لقرب عهدها . مع أنه لا يجوز الاعتقاد في فروع الديانات على شيء من التواريخ . فضلا عن أصول الأديان . وإذا ظهر أن مستند هاتين الأمتين العظيمتين في العدد ، في غاية الضعف –كانت أخبارها في نفسها في غاية الضعف . لأن الفرع لا يزيد على أصله .

وثالثهما : أن نصوص الانجيل مشعرة بعدم صلب عيسى عليه السلام بخصوصه . كما نقلنا بعضها آنفا . وقال في ( تخجيل الأناجيل ) : فيقال للنصارى : ما ادعيتموه من قتل المسيح وصلبه ، أتنقلونه تواترا أم آحادا ؟ فإن زعموا أنه آحاد لم يقم بذلك حجة ، ولم يثبت العلم الضروري . إذ الآحاد لم يأمن عليهم فيها السهو والغفلة والتواطؤ على الكذب . وإذا كان الآحاد يعرض عليهم ذلك ، فلا يحتج بهم في القطعيات . وان عزوا ذلك إلى التواتر ، قلنا لهم : شرط التواتر استواء الطرفين فيه والوسط . وهو أن ينقل الجم الغفير عن الجم الغفير الذين شاهدوا المشهود به ، وهو المصلوب . وعلموا أنه هو ضرورة . فإن اختل شيء من ذلك فلا تواتر . فإن زعم النصارى أن خبرهم في قتل المسيح وصلبه بهذه الصفة ، أكذبتهم صوص أناجيلهم التي بأيديهم . إذ قال لهم نقتلها الذين دونوها لهم وعليها معولهم : انه لما أخذ فقتل كان في شرمذة يسيرة من تلاميذه . فلما أقبل عليه هربوا بأسرهم . ولم يتبعه الا بطرس من بعيد . ولما دخل الدار حيث اجتمعوا نظرت جارية منهم إلى بطرس فعرفته . فقالت : هذا كان مع يسوع . فحلف أنه لا يعرف يسوع بقوله . وخادعهم حتى تركوه . وذهب ولم يكد يذهب . وان شابا آخر تبعه وعليه إزار فتعلقوا به . فترك إزاره بأيديهم وذهب عريانا . فهؤلاء أصحابه وأتباعه ، لم يحضر منهم ولا رجل واحد بشهادة أناجيلهم . وأما أعداؤه اليهود ، الذين تزعم النصارى أنهم حضروا الأمر ، فلم يبلغوا عدد التواتر . بل كانوا آحادا وأفرادا . لأن عموم الناس الذين حضروا لا يرون إلا شخصا على خشبة ومعه لصان مصلوبان . ولا شك أن هيئتهم وصفتهم متغيرة عن الحالة التي قبل أخذهم . وأما المشايخ ونحوهم فلم يعرفوه أيضا . ففي الأصحاح الثاني والعشرين من ( انجيل لوقا ) ما لفظه : فلما كان النهار اجتمع مشايخ الشعب ورؤساء الكهنة وأدخلوه إلى مجمعهم . وقالوا له : إن كنت أنت المسيح فقل لنا . قال لهم : إن قلت لكم لم تؤمنوا لي . وان سألتكم لم تجيبوني ولم تخلوني . انتهى .

وهذا يحتمل أنهم يسألونه عن ذاته أو عن رسالته . على أنا لو سلمنا كثرة عددهم وصدق معرفتهم فيمكن تواطؤهم على الكذب . لأنهم لما لم يجدوه هو ، ولم يعلموا محل المسيح ، وكان ذلك من تلاميذه ، واستحلوا قتله أيضا ، أشاعوا أنه هو المسيح ليترك الناس متابعته ، ولئلا يتخذوا المسيح نبيا . وصمموا ، أنهم إذا وجدوا المسيح بعد هذا أيضا ، يعملون به كما عملوا بصاحبه . ويؤيد هذا أنهم جعلوا على القبر حراسا لئلا ينبش القبر ويرى أنه غير المسيح . ومما يزيد الأمر وضوحا قول ( انجيل متى ) في ( الأصحاح الثامن والعشرين ) : أن مريم لما جاءت لزيارة القبر رأت ملكا قد نزل من السماء برجة عظيمة . فدحرج الحجر عن فم القبر . وجلس عنده . فكاد الحراس أن يموتوا من هيبته . وبادروا من فورهم إلى المشايخ فأعلموهم بالقصة . فأرشاهم المشايخ برشوة أن يستروا القصة وأن يشيعوا أن التلاميذ سرقوه ونحن نيام . فما يؤمنكم أن تكون هذه العصابة من اليهود . كما أنهم ستروا الآية التي ذكرتم ، صلبوا شخصا من أتباعه وأوهموا الناس أنه المسيح . فإذا تبين عدم الاحتجاج باجماع اليهود والنصارى الآن على صلبه ، فنرجع إلى القرائن العقلية والنقلية . فأما العقل فلا يجوز أن الإله القادر على كل شيء يقتله أذل عباده ، وهم اليهود . ويضربونه ويعملون به ما هو محرر في أناجيل النصارى المضطربة المحرفة المكتوبة بعد رفعه بسنين عديدة وأعوام مديدة . مع أنه يفر منهم مرات كثيرة ويستغيث ويطلب من الله تعالى تأخير أجله بقوله : أجز عني هذه الكاس . ويصرخ ويقول : إلهي ! إلهي ! لم تركتني ؟ ويسلم روحه . وعند الصلب يطلب منهم الماء لكثرة عطشه . فيعطوه خلا بدله . وأي خلاص لعباده في هذه الحالة ، وهو بزعمهم أتى ليخلص العالم من الخطيئة . بل صار موقعا لهم في الاثم بسبب عدم ايمانهم به . فكيف يكون مخلصا بنفسه ؟ وأما النقل ، فقد تبين لك تهافت أناجيلهم واضطرابها ، والدلالة على عدم المعرفة به ، وعدم وجوده في قبره . والأعظم من ذلك عند كل ذي عقل سليم قوله تعالى : ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) . وأما قول متى في ( الأصحاح السابع والعشرين ) : فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح ، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل ، والأرض تزلزلت ، والصخور تشققت والقبور تفتحت ، وقام كثير من الأجساد القديسين الراقدين ، وخرجوا من القبور بعد قيامته ، ودخلوا المدينة المقدسة ، وظهروا للكثيرين –فهو قول بهت ومحال . لا يخفى بطلانه على ذوي العقول من النساء والرجال . لأنه لو كان صحيحا لأطبق الناس على نقله . ولم يتفق إخفاء مثله . ولزال الشك عن تلك الجموع في أمر يسوع . فحيث داموا على الجحد له والتكذيب ، دل على كذب ما نقله عباد الصليب . وإذا كان اليهود أعطوا دراهم رشوة ، كما علمت سابقا ، لحراس القبر حتى لا يخبروا القائد وسائر الناس بملك نزل من السماء على قبر يسوع ، كي لا يظن براءته مما نسب إليه أعداؤه ، فكيف تكون هذه الآيات العظيمة ؟ وتقوم الأموات من قبورها ؟ ويدخلون المدينة ؟ ولا يكون ذلك حجة على من لا يؤمن به إذ ذاك ؟ وأيضا ، ما معنى تفتح القبور وقيام القديسين من قبورهم ؟ فهل كان استبشارا بمصابه ؟ فهم إذ ذاك ليسوا من أحبابه . أو كان جزعا على مماته ؟ وخرجوا إعانة له قبل قواته ؟ فواعجبا لرب أحياهم بعد أن كانوا رفاتا . ولم يعينوه حتى قضى ومات . وأحيى الرمم ، وصرخ عند تسليم الروح . ولم يقدر على ابراء ما فيه من جروح . وليت شعري ما عمل هؤلاء القديسون ؟ أبقوا في المدينة المقدسة ؟ أم كروا إلى قبورهم فهم راجعون ؟ وهل التأم الهيكل والصخور ؟ أم دامت على انشقاقها إلى كثير من الدهور ؟ فإن قيل : إنما لم يشتهر ذلك ، لأن أصحاب المسيح لم يحضر منهم احد خوفا من اليهود ، والذين شاهدوا هذه الآيات من اليهود تواطؤوا على الكتمان حسدا وبغيا . قلنا : مثل هذه الآيات العظيمة إذا وقعت ، علمها من حضر ومن غاب ، من الأعداء والأحباب . لأنها آيات نهارية . ومعجزات تشتهر في البرية . ويتناقلها أهل البلدان . وتبقى مؤرخة بكل لسان . في سائر الملل بكل أرض وزمان . فعلم بالضرورة أن هذه الأقوال . مما اخترعها وحررها أئمة الضلال . ليخدعوا بها ضعفاء العقول . ويتوصلوا إلى جذب الدنيا بالكذب على هذا الرسول . انتهى .

وقال الإمام ابن حزم رحمه الله في كتابه ( الملل ) عند الكلام على النصارى : ومما يعترض به علينا اليهود والنصارى ، ومن ذهب إلى إسقاط الكواف ( جمع كافة ) من سائر الملحدين ، أن قال قائلهم : قد نقلت اليهود والنصارى أن المسيح عليه السلام قد صلب وقتل . وجاء القرآن بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل ولم يصلب . فقولوا لنا : كيف كان هذا ؟ فإن جاوزتم على هذه الكواف العظام المختلفة الأهواء والأديان والأزمان والبلدان والأجناس ، نقل الباطل فليست بذلك أولى من كافتكم التي نقلت أعلام نبيكم وشرائعه وكتابه . فإن قلتم : اشتبه عليهم فلم يتعمدوا نقل الباطل ، فقد جوزتم التلبيس على الكواف . فلعل كافتكم أيضا ملتبس عليها . فليس سائر الكواف أولى بذلك من كافتكم ، وقولوا لنا : كيف فرض الاقرار بصلب المسيح عندكم قبل ورود الخبر عليكم ببطلان صلبه وقتله ؟ فإن قلتم : كان الفرض على الناس الاقرار بصلبه ، وجب من قولكم الاقرار أن الله فرض على الناس الاقرار بالباطل . وأن الله تعالى فرض على الناس تصديق الباطل والتدين به . وفي هذا ما فيه . وان قلتم : كان الفرض عليكم الإنكار لصلبه ، فقد أوجبتم أن الله تعالى فرض على الناس تكذيب / الكواف . وفي هذا ابطال قول كافتكم . بل إبطال جميع الشرائع . بل ابطال كل خبر كان في العالم ، عن كل بلد وملك ، ونبي وفيلسوف وعالم ، ووقعتم . وفي هذا ما فيه .

وقال أبو محمد رضي الله عنه : هذه الالزامات كلها فاسدة في غاية الحوالة والاضمحلال بحمد الله تعالى . ونحن مبينون ذلك بالبراهين الضرورية بيانا لا يخفى على من له أدنى فهم بحول الله تعالى وقوته .

فنقول وبالله التوفيق : ان صلب المسيح لم يقله قط كافة . ولا صح بالخبر قط . لأن الكافة التي يلزم قبول نقلها هي اما الجماعة التي يوقن أنها لم تتواطأ ، لتنابذ طرقهم ، وعدم التقاءهم ، وامتناع اتفاق خواطرهم ، على الخبر الذي نقلوه عن مشاهدة ، أو رجع إلى مشاهدة ، ولو كانوا اثنين فصاعدا . واما أن يكون عدد كثير يمتنع منه الاتفاق في الطبيعة على التمادي على السنن ما تواطؤوا عليه ، فأخبروا بخبر شاهدوه ، ولم يختلفوا فيه ، فما نقلوه أحد أهل هاتين الصفتين على مثل احداهما . وهكذا حتى يبلغ إلى مشاهدة . فهذه صفة الكافة التي يلزم قبول نقلها ، ويضطر خبرها سامعها إلى تصديقه . وسواء كانوا عدولا أو فساقا أو كفارا . ولا يقطع على صحته الا ببرهان . فلما صح ذلك نظرنا فيمن نقل خبر صلب المسيح عليه السلام ، فوجدناه كواف عظيمة . صادقة بلا شك في نقلها جيل بعد جيل . إلى الذين ادعوا مشاهدة صلبه . فإن هناك تبدلت الصفة ورجعت إلى شرط مأمورين مجتمعين . مضمون منهم الكذب وقبول الرشوة على قول الباطل . والنصارى مقرون بأنهم لم يقدموا على أخذه نهارا خوف العامة . وانهم أخذوه ليلا عند افتراق الناس عن الفصح . وأنه لم يبق في الخشبة الا ست ساعات من النهار . وانه أنزل أثر ذلك . وأنه لم يصلب الا في مكان نازح عن المدينة . في بستان فخار متملك للفخار . ليس موضعا معروفا بصلب من يصلب . ولا موقوفا لذلك . وأنه بعد هذا كله رشي الشرط على أن يقولوا ان أصحابه سرقوه . ففعلوا ذلك . وان مريم المجدلانية ، وهي امرأة من العامة ، لم تقدم على حضور موضع صلبه . بل كانت واقفة على بعد تنظر . هذا كله في نص الانجيل عندهم . فبطل ان يكون صلبه منقولا بكافة . بل بخبر يشهد ظاهره على انه مكتوم متواطأ عليه . وما كان الحواريون ليلتئذ ، بنص الانجيل ، إلا خائفين على أنفسهم ، غيبا عن ذلك المشهد ، هاربين بأرواحهم مستترين . وان شمعون الصفا غرر ودخل قيقان الكاهن بضوء النهار . فقال له : أنت من أصحابه ؟ فانتفى وجحد وخرج هاربا عن الدار . فبطل ان ينقل خبر صلبه أحد تطيب النفس عليه . على أن نظن به الصدق . فكيف أن ينقله كافة . وهذا معنى قوله تعالى : ( ولكن شبه لهم ) . إنما عنى تعالى ان أولئك الفساق ، الذين دبروا هذا الباطل ، وتواطؤوا عليه ، هم شبهوا على من قلدهم . فأخبروهم أنهم صلبوه وقتلوه . وهم كاذبون في ذلك . عالمون إنهم كذبة . ولو أمكن إن يشبه ذلك على ذي حاسة سليمة ، لبطلت النبوات كلها . إذ لعلها شبهت على الحواس السليمة . ولو أمكن ذلك لبطلت الحقائق كلها . ولأمكن أن يكون كل واحد منا يشبه عليه فيما يأكل ويلبس وفيمن يجالس . وفي حيث هو فلعله نائم ، أو مشبه على حواسه . وفي هذا خروج إلى السخف وقول السفسطائية والحماقة . وقد شاهدنا نحن مثل ذلك . وذلك أننا أنذرنا للجبل لحضور دفن المؤيد هشام بن الحكم المستنصر . ورأيت أنا وغيري نعشا فيه شخص مكفن . وقد شاهد غسله شيخان جليلان حكمان من حكام المسلمين ومن عدول القضاة ، في بيت . وخارج البيت أبي رحمه الله وجماعة عظماء البلد . ثم صلينا في ألوف من الناس عليه . ثم لم يلبث شهورا نحو السبعة حتى ظهر حيا . وبويع بعد ذلك بالخلافة . ودخلت عليه أنا وغيري وجلست بين يديه . ورأيته . وبقي ثلاثة أعوام غير شهرين وأيام .

قال أبو محمد رضي الله عنه : وأما قوله : قد جوزتم التمويه على الكافة ، فقد بينا أنها لم تكن كافة قط . وحتى لو صح أنها كافة فكيف لا يجوز ذلك في كل آية تحيل الطبائع والحواس ؟ فهو ضرورة على الممكنات . فلو صح أنها كانت كافة لكان خبر الله تعالى أنه شبه لهم ، حاكما على حواسهم ومحيلا لها . كخروج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة هاجر بحضرة مائة رجل من قريش . وقد حجب الله تعالى أبصارهم عنه فلم يروه . وأما ما لم يأت خبر عنه عن الله عز وجل بأنه شبه على الكافة ، فلا يجوز أن يقال ذلك . لأنه قطع على المحال وإحالة طبيعة . وإحالة الطبائع لا تدخل في الممكن . إلا ان يأتي بذلك يقين عن الله عز وجل ، فيلزم قبوله . وأما التشبيه على الواحد والاثنين ونحو ذلك فإنه جائز . وكذلك فقد العقل والسخافة يجوز ذلك على الواحد والاثنين ونحو ذلك . ولا يجوز على الجماعة كلها . وقوله تعالى : ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) ، إنما هو إخبار عن الذين يقولون تقليدا لأسلافهم من النصارى واليهود انه عليه السلام قتل وصلب . فهؤلاء شبه لهم القول . أي : أدخلوا في شبهة منه . وكان المشبهون لهم شيوخ السوء في ذلك الوقت . وشرطهم المدعون أنهم قتلوه . وهم يعلمون أنه لم يكن ذلك . وانما أخذوا من أمكنهم فقتلوه وصلبوه في استتار ومنع من حضور الناس . ثم أنزلوه ودفنوه تمويها على العامة التي شبه الخبر لها .

ثم نقول لليهود والنصارى ، بعد أن بينا بحول الله وقوته بيان ما شنعوه في هذه المسألة : ان كوافكم قد نقلت عن بعض أنبيائكم فسوقا ووطء اماء . وهو حرام عندكم . وعن هارون عليه السلام انه هو الذي عمل العجل لبني اسرائيل وأمرهم بعبادته والرقص أمامه . وقد نزه الله تعالى الأنبياء عليهم السلام عن عبادة غيره . وعن الأمر بذلك ، وعن كل معصية ورذيلة . فإذا جوزوا كلهم هذا على أنبياء ، منهم موسى عليه السلام وسائر أنبيائهم –كان كل ما أمروهم به ، مع جنس عمل العجل والرقص والأمر بعبادته . ومن جنس وطء الإمام وسائر ما نسبوه إلى داود وسليمان عليهما السلام وسائر أنبيائهم . لاسيما وهم يقرون بأن العجل كان يخور بطبعه . وأما نحن فجوابنا في هذا كله بأن ليس شيء منه نقل كافة . ولكن نقل آحاد كذبوا فيه . وأما خوار العجل فإنما هو على ما روينا عن ابن عباس رضي الله عنه ، من أنه إنما كان صفير الريح تدخل من فيه وتخرج من دبره . لا انه خار بطبعه قط . وحتى لو صح أنه خار بطبعه ، لكان ذلك من أجل القوة التي كانت في القبضة التي قبضها السامري من أثر جبريل عليه السلام ، والذي يعتمد عليه فهو قول ابن عباس رضي الله عنه الذي ذكرناه . وبالله تعالى التوفيق .

وأما قوله : كيف كان الفرض قبل ورود النص ببطلان صلبه ؟ الإقرار بصلبه أم الإنكار له ؟ فهذه قسمة فاسدة شغبية . قد حذر منها الأوائل كثيرا . ونبه عليها أهل المعرفة بحدود الكلام . وذلك انهم أوجبوا فرضا ثم قسموه على قسمين : إما فرض بإنكار ، واما فرض باقرار . وأضربوا عن القسم الصحيح فلم يذكروه . وهذا لا يرضى به لنفسه الا جاهل أو سخيف مغابط غابن لنفسه ، غاش لمن اغتر به . وانما الحقيقة ههنا أن يقول . هل يلزم الناس ، قبل ورود القرآن ، فرض بالاقرار بصلب المسيح ، أو بإنكار صلبه ، أو لم يلزمهم فرض بشيء من ذلك ؟ فهذه هي القسمة الصحيحة والسؤال الصحيح . وحق الجواب انه لم يلزم الناس قط ، قبل ورود القرآن ، فرض بشيء من ذلك . لا باقرار ولا بإنكار . وإنما كان خبرا لا يقطع العذر ولا يوجب العلم الضروري . ممكن صدق قائله . فقد قتل أنبياء كثيرة وممكن أن يكون ناقله كذب في ذلك . وهو بمنزلة شيء مغيب في دار . فليقل لهذا المعرض بهذا السؤال الفاسد : ما الفرض على الناس فيما في هذه الدار ؟ الإقرار بأن فيها رجلا أم الإنكار لذلك ؟ فهذا كله لا يلزم منه شيء . ولم ينزل الله عز وجل كتابا قبل القرآن بفرض اقرار بصلب المسيح صلى الله عليه وسلم ولا بإنكاره . وإنما ألزم الفرض بعد نزول القرآن بتكذيب الخبر بصلبه . فإن قالوا : قد نقل الحواريون صلبه وهم أنبياء وعدول . قيل لهم وبالله التوفيق : الناقلون لنبوتهم وأعلامهم ولقولهم بصلبه عليه السلام ، هم الناقلون عنهم الكذب في نسبه والقول بالتثليث الذي من قال به فهو كاذب على الله تعالى ، مفتر عليه ، كافر به . فإن الناقل لذلك عنهم صادقا أو كانوا كافة ، فما كان يوحنا ومتى وبولس إلا كفارا كاذبين . وما كانوا قط من صالحي الحواريين . وان كان ناقل ما ذكرنا عنهم كاذبا ، فالكاذب لا يقوم بنقله حجة . فبطل التمويه المتقدم . والحمد لله رب العالمين .

/ فصل

أخذ بعض نصارى هذا العصر يتذبذب في الاعتقاد . فطفق يرد على المسيحيين قولهم بتثليث الآلهة . وأنه مضاد لصريح نصوص الوحي . أخذ يسلم بحقية القرآن وكذا التوراة والانجيل الموجودين وانهما لم يحرفا تحريفا جوهريا . واعتقد بصلب المسيح يقينا . وصار يناقش المفسرين فيما فسروا به الآية المذكورة ، أعني آية الصلب . زاعما أن المنفي عن اليهود فيها هو نسبة الفعل لهم توبيخا لتهكمهم وازدرائهم . ورد فعل الصلب إليه تعالى . وقد توسع في هذا الموضوع وألف كتابا سماه ( المعتقد الصحيح في صلب السيد المسيح ) ولما كان مبحثه غريبا جدا ، أردت أن أورد هنا بعض تمويهاته في رسالته . وأعقبها بما فوق عليه من سهام ردود تهافته .

قال في أول رسالته : إن التباس فهم آية الصلب هو غالبا في تقدير نائب الفاعل لفعل ( شبه لهم ) فانا ان قدرنا نائب الفاعل مصدرا مأخوذا من الفعل السابق المذكور في الآية ( وما قتلوه وما صلبوه ) وكان التقدير : شبه لهم أنهم قتلوه وانهم صلبوه . أو شبه لهم قتلهم له وصلبهم اياه . والمعنى أنه مثل أو خيل لهم أنهم كانوا هم القاتلين وهم الصالبين –انحلت المسألة تقريبا . وزالت كل صعوبة تأويل . حيث أن السيد المسيح لم يقتل أصلا . ولا صلب قهرا . أو مات جبرا . أو اضطرارا . بل هو من نفسه ( على زعمه ) قدم ذاته للصلب عن رغبته واختياره ورضاه . فكأن اليهود لم يفعلوا شيئا بقدرتهم ومجرد إرادتهم . حتى يحق لهم الافتخار بأنهم قتلوه . وأما ان قدر المسيح نائب الفاعل ل ( شبه ) تعقدت المسألة وضاع السياق اللغوي . لأنه لا وجه ، لغويا ، في الآية يثبت وقوع الصلب على رجل آخر غيره . إذ لم يذكر صريحا ولا إشارة .

ثم ذكر في الفصل السادس أن القرآن العزيز لم يؤنب النصارى ، ولا مرة ، على ضلال اعتقادهم بصلب المسيح وموته وقيامته . ولا كذب الانجيل أو الحواريين . ولا لام الذين آمنوا بصلب المسيح . حال كونه نبههم مرارا على غير ضلالات عندهم .

وذكر فيه أيضا : لم ترد أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفي صلبه . وفيه أيضا : أن هذه الآية يصح تأويلها ايجابيا طبقا لما في الإنجيل . بما أن عدة آيات أخرى قرآنية مجانسة لها أوت بخلاف ظاهرها اللفظي . كأفعال المبايعة والرمي والموت والحياة . وما أشبه ذلك . التي نشبت صريحا لغير فاعلها الظاهر .

وقال في الفصل العاشر : أما قولنا ان القرآن العزيز قصد نفي نسبة فعل الصلب لليهود واسناده لله حقيقة ، فهو استناد على قوله : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) {[2579]} .

وقوله : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) {[2580]} فهنا الفاعل الظاهر حسا وفعلا إنما هو الرسول محمد عليه الصلاة والسلام . ولكن الفاعل الحقيقي إنما هو الله الفاعل كل شيء في الكل .

ثم قال : وربما يعترض أنه ذكر في الآية نفسها أن الله رمى ، وانه تعالى هو المبايع ، فنقول : كذلك في آي الصلب واخباره مرارا عديدة صرح في الانجيل أن الفاعل والمسلم والبازل والحاكم والآذن في أمر الصلب إنما هو الله جل جلاله .

ثم قال : نقول أخيرا : إن آية الصلب القرآنية هي صحيحة في ذاتها تماما وكمالا . ومطابقة أشد المطابقة لما ورد في نفس القرآن بهذا الشأن ولكل فحوى أسفار الميثاقين أو العهدين بكل بيان . انما تفسيرها بمطلق النفي كان وما زال غلطا وضد الحقيقة والذوق اللغوي . وضد ما جانسها في الآي الأخرى من نفس القرآن . ومن نصوص سائر الكتب المنزلة . ولا سيما الانجيل ، الذي زبدته وروحه وقوامه وخلاصته هي كون المسيح صلب ومات وقام وعرج إلى السماء . وأرسل البارقليط الآخر الرسول محمدا مبلغ القرآن العظيم ، الحاوي روح الصدق والحق ، والمذكر بكل ما قال المسيح في الانجيل الشريف .

ثم قال : ان انكار أمر الصلب أو اثباته ليس من الأركان في الدين عند المحمديين . ولا هو محرم قطعا الاختلاف في تفسير بعض آيات . وقد وجد ويوجد عدة اختلافات عند اليهود والنصارى والمسلمين . وليس ذلك محرما الا إذا آل لانكار أو لافساد نفس الآيات . أو ايقاع الشبهة على ذات نصوص الوحي . ففي آية الصلب ليس شيء من ذلك . بل بالعكس تأييد كل النصوص الالهية .

هذا خلاصة ما أورده في رسالته . وقد رد عليه من الفضلاء المسلمين عدد وافر ، في تآليف بديعة منها كتاب ( السيوف البتارة ) اعتمد مؤلفها في ايراد حججها على التواريخ الافرنجية المعول عليها . فإن الافرنج أعرف من غيرهم بحقيقة ما يهمهم ، وأبعد عن مظنة التشيع في شهادتهم على أنفسهم ، في أمر دينهم .

قال رعاه الله : يعلم الواقف على حقائق التاريخ أن مسألة الصلب من أهم المسائل التي ولدت الشقاق والنفرة فيما بين النصارى عموما ونصارى مصر والشام في الأجيال الأولى خصوصا . فإنهم كانوا غالبا يرفضون حصول الصلب رفضا باتا . لأن بعضهم كان يعتبره اهانة لشرف المسيح ، ونقصا فاضحا . والبعض الآخر كان يجحده ارتكانا على الأدلة التاريخية . وهؤلاء الجاحدون للصلب طوائف كثيرة . منها الساطرنيوسيون والمركيونيون والبارديسيانيون و التاتيانيسيون والكاربوكراتيون والمانيسيون والبارسكاليونيون والبوليسيون . إذ كلهم اعتقدوا ، مع كثيرين غيرهم ، بأنه لا يمكنهم أن يسلموا بنوع من الأنواع ، أن المسيح سمر فعلا ، أو مات على الصليب حقيقة . حتى استخفوا بالصليب والصلب . وقال بعض المؤرخين الأفاضل : إن الخلاف الذي وقع بين النصارى في مبدأ الأمر كان سببا في انسلاخ جملة طوائف وتشتتها واعتبارها في رأي الآخرين مارقة من الدين . ولكن هذه الطوائف المضطهدة المهضومة كانت أفكارها منطبقة على الأصول النصرانية عقلا ونقلا . بخلاف أفكار مضطهديهم ، فإن هذه الطوائف بنت على ألوهية عيسى عليه الصلاة والسلام أنه لا يجوز أن يمتهن . واستنتجت من هذا انه لم يصلب قطعا . وأن ألفاظ التوجع والتضجر ، التي نسبتها إليه كتب النصارى المتأخرين ، لم يتوفه بها ولا تصح نسبتها إليه . وبالجملة إن الشخص المصلوب غير عيسى قطعا . وأنه عليه الصلاة والسلام لم تسلط عليه أيد مضطهديه . بل رفع إلى السماء . ومن القائلين بهذه الأفكار الدوسيتية والمرسيونية والفلنطانيائية . وغير خاف أنه حتى على فرض البنوة فقط ، لا يمكن عقلا أن يتصور صلبه ، انتهى .

ويؤيد هذا ما قاله الباحث الشهير الموسيو ادوار سيوس ، أحد أعضاء ( الأنستيتو دي فرنس ) في باريس . المشهور بمعارضته المسلمين في كتابه ( عقيدة المسلمين في بعض المسائل النصرانية ) صحيفة ( 49 ) : ان القرآن ينفي قتل عيسى وصلبه . ويقول بأنه ألقى شبهه على غيره . فغلط اليهود فيه وظنوا أنهم قتلوه . وان ما قاله القرآن موجود عند طوائف النصرانية منهم الباسيليديون . كانوا يعتقدون ، بغاية السخافة ، أن عيسى وهو ذاهب لمحل الصلب ، ألقى شبهه على سيمون السيرناي تماما . وألقى شبه سيمون عليه . ثم أخفى نفسه ليضحك استهزاء على مضطهديه الغالطين . ومنهم السيرنتيون ، فانهم قرروا أن أحد الحواريين صلب بدل عيسى . وقد عثر على فصل من كتب الحواريين . وإذا كلامه نفس كلام الباسيليديين . وقد صرح ( انجيل القديس برنابا ) باسم الذي صلب بدل عيسى فقال : انه يهوذا . انتهى .

ولم يرد المؤرخ ، المترجم كلامه ، على هذا الانجيل ، إلا بدعوى أنه كلام لا يعول / عليه . وهذا الرد من الرد من رجل صدر نفسه للرد على المسلمين غير كاف . فيستفاد من جميع ما ذكر أن جما غفيرا من طوائف النصارى ذوات البال والأهمية ، كانت تنبذ عقيدة صلب المسيح نبذا ، وتفندها تنفيدا . وما زالوا كذلك حتى جاء الإسلام فدخلوا فيه أفواجا . لانكار القرآن . وما أنكروه من الصلب وغيره . وبالجملة فإن أغلب الشعوب الشرقية ، قبل الفتح الاسلامي ، رفضت القتل والصلب . حتى قال ياسيليوس ابلاسليدي : ان نفس حادثة القيامة ، المدعى بها بعد الصلب الموهوم ، هي من ضمن البراهين الدالة على عدم حصول الصلب . ومن المعلوم أن نصارى الشام هم الذين وقعت هذه الحادثة بينهم . فهم أقرب الناس إلى العلم بحقيقتها . وكذلك من جاورهم من نصارى المصريين وغيرهم . لحصول الجوار وقرب المسافة . فكيف لا تكون شهادتهم هي عين الصواب ؟ وبذلك يتبين أن دعوى ( صاحب جريدة شهادة الحق ) الإجماع على الصلب وانفراد القرآن بنفيه –غير مسلمة ، مع وجود هذه الطوائف المنازعة في الصلب . وقد صرح القرآن بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم انما بعث لتصديق ما بين يديه من الحق وتبيين ما اختلف فيه طوائف النصارى مع اليهود ، والنصارى مع بعضهم بعضا . ولو حكمنا التاريخ لشهد لهؤلاء الناس وبرر أقوالهم . وذلك أن أهل فلسطين كانوا يعبدون الأوثان ويخالفون بني اسرائيل في ديانتهم . فكان من مبادئهم ، العاملين عليها في سياستهم العمومية ، بذل المجهود وافراغ الوسع في معاكسة عقائد اليهود . لادخالهم في الديانة الوثنية وتقويض دعائم الشريعة الموسوية . والضغط على شعائرهم الملية . يشهد لهذا أقوال الكاتب الشهير ( أرنست رنان ) العضو في ( الأكادمي الفرنساوية ) المنفرد بالاجادة والشهرة ، في رسالة نشرت في جريدة العالمين في 15 مارس 1893 . معنونة ب ( اليهود تحت حكم الرومان ) حيث قال : ان كل المناصب ذوات المرتب الباهض كانت غنيمة باردة لليهود الذين يطرحون دينهم ظهريا . ويجعلون شعائرهم الملية شينا . ويعتنقون ديانة الرومان الوثنية . فكان من / ضغط الرومان ومن تزلف اليهود إليهم ، ومن اطماعهم إلى الرتب والألقاب ، أن ارتد غالب سواد اليهود وعبدوا جوبيتير الألومبي . وكان الواحد منهم يخفي الاختتان بعملية شاقة جدا ( ذكرها سلس المؤرخ الروماني الشهير ) ثم يتزيى بزي الرومان ويسحب ذيوله تيها واعجابا بنفسه وبعوائد الرومان . وازدراء واحتقارا لبني جلدته وذوي ملته . فرحا بلقمة يلتقمها . أو مرتبة يتربع في دستها . وما زالت اليهود تترومن حتى أن الأحبار غادروا الهيكل والمجامع . واشتغلوا بملاعب الرومان الرياضية . وأخيرا آل الأمر ، قبل وجود عيسى عليه السلام ، إلى ادخال صنمهم الأكبر ووضعه في محل تقريب القربان نفسه . بحيث أن القربانات كانت تعمل أمامه . حتى كادت معالم اليهودية أن تنمحي من صحيفة الوجود . ووقع ذلك سيء الوقع وأثر أردأ تأثير في نفوس البقية القليلة من اليهود التي اعتصمت بدينها . انتهى .

وبهذا يعلم مقدار ضغط الرومان على اليهود لمحو آثار دينهم من الوجود . فليس من المعقول أن الحكومة ، وهي على ما ترى من الكراهة الدينية لليهود ، تجيبهم إلى ما طلبوا من تنفيذ أمر الصلب . أو تعيره أدنى ذرة من الأهمية . خصوصا والحاكم الروماني على فلسطين في ذاك الوقت ، كان يكره اليهود كما يكره أن يلقى في النار . وهم يكرهونه أشد من ذلك . دليلنا على ذلك ما كتبه المسيو رنان المذكور في كتابه المشهور المسمى ( حياة المسيح ) حينما تكلم على شكاية اليهود من عيسى بدعوى أنه غير التوراة . وكان ذلك على زعمهم ليستوجب قتله . حيث قال : ان حاكم فلسطين المسمى ( بونسيوس ) الملقب ( بيلاطس ) –أظهر عدم زعمهم بمنازعات اليهود الداخلية وشكاويهم وخصوماتهم . بل كان يعتبر أن هذه الأعمال صادرة عن عقول مختلة وأفكار معتلة . وبالاجمال ، كان يكره اليهود وهم يكرهونه أشد من كراهته لهم . لأنهم كانوا يجدونه قاسيا ذا أنفة وكبر . غيرمكترث بهم . ولقد رموه وعابوه بجنايات لا يسعها عقل عاقل . والمتمسكون بدينهم منهم رأوا أن غرض بيلاطس هذا ، سحق أثر الشريعة الموسوية سحقا ومحوها محوا . وتعصبهم الأعمى وكراهتهم الدينية له جعلاه يأنف من أفكارهم . فإنه كان يميل كل الميل إلى الأحكام الوضعية الرومانية . التي كانت نهاية فخر كل روماني في ذلك الحين . وكان يرى أفكار اليهود سخيفة تقهقرية . لأنه كلما هم بجلب النافع العام ، وسن مشروع يضمن الراحة والرفاهية ، قام الأحبار عن آخرهم وعارضوه بتفسير التوراة التي كانت تسد في وجهه أبواب التحسين والتغيير . فلم يعتن بجرح حواسهم ومس شرفهم ومعالمهم الدينية . وعاملهم بالقسوة والكبر وعدم تنفيذ رغباتهم . فانشعب الأمر ودام الفشل . وأخيرا اضطرت الحكومة إلى إقالته من منصبه بسبب قيامة اليهود عليه . ولقد كانت نفس بيلاطس تضيق ، وصدره يحرج عند مجيء شكوى ضد عيسى عليه الصلاة والسلام . حيث كان لا يسمح بتنفيذ أمر القتل عليه . وعيسى ضد اليهود ، ويعيب التوراة كما يقولون . فكان ذلك عن رغبة الحاكم . وجل ما يتمنى . فكيف يكون هو الآمر والمنفذ لقتله ؟ مع أنه كان قادرا على تنفيذ رغباته المضادة لليهود على خط مستقيم . والحقيقة أن بيلاطس كان ميالا كل الميل لخلاص السيد من هؤلاء الظلمة . ولعله رأى ما فيه من جميل الشيم والأخلاق الكريمة الطاهرة . فراقه ذلك ، زيادة عن كراهته لليهود . فعمل على خلاصه من الصلب . كما يتضح من ( انجيل متى ) 27 و24 . و ( لوقا ) 23 و12 . و ( يوحنا ) 13 و23 . وفي بعض آيات الانجيلين أن عيسى سوعد من زوجة بيلاطس الحاكم القائلة ( كما هو مذكور في ( انجيل متى ) 27 و19 ) : إياك وهذا البار . لأني تألمت اليوم كثيرا في حلم من أجله . ولعلها رأته فبهرها كماله ووقاره وحشمته وبلوغه الغاية في الأدب والشمائل الطاهرة . والظاهر أنها رأت هذا الشاب البريء المبجل من إحدى نوافذ قصرها المطلة على أفنية هيكل سليمان عليه السلام . فظهر لها بكماله الحقيقي . فاستفظعت إهدار دم هذا البريء الوقور . وكيفما كان السبب ، فالذي لا يشك فيه أحد ، أن بيلاطس كان محبا لعيسى عليه السلام حبا شديدا . ولذلك سأله بكمال اللطف والأدب ليفرغ ما في وسعه لتبرئته . انتهى .

فيؤخذ من كلام ( رنان ) أن الحاكم المنوط به الأمر والتنفيذ ، كان مضادا للصلب . فلا غرابة في عدم حصوله للمسيح عليه السلام ، وتبديله بآخر . وكراهة هذا الحاكم لليهود مشهورة لا تحتاج لزيادة إيضاح . حتى أن ترتوليانوس ، أحد آباء الكنيسة النصرانية ، جزم بأن بيلاطس الحاكم كان نصرانيا في الباطن . وفي الجزء الأول من تاريخ الديانة النصرانية لمؤلفه ( ملمن ) : إن تنفيذ الحكم كان في وقت الغلس وإسدال ثوب الظلام . فيستنتج من ذلك أيضا إمكان استبدال السيد المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس ، منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم . كما اعتقد بعض الطوائف . وصدقهم القرآن . ولقد جرى على هذا الرأي جماعة من المؤرخين المهمين ( كالمسيو شارل بيكار ) و ( أرنست دي بونس ) وغيرهما . فإن الأول قال : إن مسألة صلب المسيح كلها مبتكرة مخترعة لا غير . لتوافق اعتقادات قديمة . مآلها أن الله لا يسكن غضبه إلا بسفك دم القربان من بني آدم . وكانت اليهود تقدم أولادها للذبح استجلابا لإسكان غضب الخالق وجلب رضاه . ويقول : إنهم ربما أكلوا لحوم القربان الآدمي وشربوا دمه . ولما قامت الأنبياء في بني إسرائيل واضطهدت هذه العادة الشنعاء ، بدل ذبح الآدمي قربانا بذبح الحيوان . وأطال المسيو ( بيكار ) في شرح ارتباط تضحية سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام مع هذه العوائد القديمة . فأفاد أن نفس الصليب كان مستعملا رمزا عن شيء عندهم اسمه ( اللنجام ) وهو عبارة عن خشبتين متصلبتين متداخلتين في بعضهما .

وأما المسيو ( أرنست دي بونس الألماني ) فإنه قال في كتابه المسمى ب ( النصرانية الحقة ) صحيفة 142 ما معناه : إن جميع ما يختص بمسائل الصلب والفداء ، هو من مبتكرات ومخترعات بولس ومن شابهه ، من الذين لم يروا المسيح عليه الصلاة والسلام . لا من أصول النصرانية الأصلية .

فوضح وضوح الشمس لذي عينين أن التاريخ ، فضلا عن كونه لم يثبت مسألة الصلب والقتل ، يرجح نفي حصوله رجحانا لا يكاد يفارق اليقين الحقيقي . ومعلوم أن أخذ الأمور التاريخية في هذا الصدد عن طوائف مصر والشام أولى ، لأنهم أبناء جلدتها ، وأدرى بحوادث بلادهم الحقيقية . فيؤخذ من كل ذلك :

أولا : أن كافة الظروف التي حصل فيها تنفيذ الحكم كانت مساعدة لتخليص المسيح عليه الصلاة والسلام . وبالأخص اضطهاد الحكومة الرومانية للعقائد الموسوية . وعدم الاعتناء بها لا يسهل تنفيذها .

ثانيا : وقت الغلس الذي حصل فيه ذلك الصلب الموهوم .

وكان يمكننا لدرس هذا الموضوع التكلم على جملة مسائل تفند دعوى الصلب تفنيدا لا مزيد عليه . ومن ضمنها ، أن نصارى اليوم تدعي أن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام حكم من مجمع اليهود بالقتل بسبب تغييره لأحكام التوراة . ومن المعلوم أن الحكم ، في ذلك الموضوع ، الرجم لا الصلب . فهذا مما يرتكن عليه مثل الموسيو ( شارل بيكار ) في ادعائه أن النصارى الحديثين احتاجوا لعلامة الصليب رمزا لبعض عقائد كانوا يريدون إدخالها في الديانة . وهي مسألة الفدا . انتهى كلام صاحب ( السيوف البتارة ) .

ولما اطلع عليها ذلك النصراني المذبذب المردود عليه ، أعياه من الطريقة التاريخية ، فأخذ يرد عليها تشبثا بأسباب واهية . فعد ، كل من رفض الصلب من نصارى الأيام الأول ، هرطوقيا . أي : مارقا من الدين . ورمي أصحاب التواريخ من أهل أوروبا الذين وافقوا المسلمين في عدم حصول الصلب بأنهم كفرة الافرنج . ثم تمسك بالأناجيل الأربعة الرسمية وقال : يلزم حينئذ تأويل ما جاء في القرآن المجيد حتى يصل للوفاق .

فعاد صاحب ( السيوف البتارة ) وألف رسالة ثانية في شهادة علماء الافرنج بحفظ القرآن وتحريف ما سواه . تكملة للأول . فتوسع جزاه الله خيرا في هذا الموضوع ثم قال : ( في كلام على الانجيل ) ما لفظه : أما الانجيل فإنه أبعد عن الصحة من التوراة بكثير . إذ لا يفهم أحد للآن كيف تعدد الانجيل الأصلي إلى نسخ شتى متباينة . ولأي مرجح استحسنت منها النصارى الحاليون أربعة أناجيل ، مختلفة كل الاختلاف ، متضاربة كل التضارب . ولا يدري لماذا عدلوا عن ( انجيل برنابا ) مثلا الذي وافق القرآن قبل ظهوره في المسائل التي أبتها الكتب الحالية . فانا نجد هذا الانجيل يخبر أن السيد المسيح نبي ، عبد ، مخلوق . ليس بإله . وأنه لم يصلب . وفيه البشارة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مذكور بلفظه ( كذا ) . وهاك ما قاله السيد المسيح في الانجيل المذكور ( واني وان كنت بريا ، لكن بعض الناس لما قالوا في حقي انه الله وابن الله ، كره الله هذا القول واقتضت مشيئته بأن لا تضحك الشياطين يوم القيامة علي ولا يستهزؤون . فاستحسن بمقتضى لطفه ورحمته أن يكون الضحك والاستهزاء في الدنيا بسبب موت يهوذا . ويظن كل شخص أني صلبت . لكن هذه الاهانة والاستهزاء تبقيان إلى أن يجيء محمد رسول الله . فإذا جاء في الدنيا ينبه كل مؤمن على هذا الغلط . وترتفع هذه الشبهة من قلوب الناس ) .

وقد استشهد العلامة ( سيل ) الانكليزي ، المشهور في أوروبا بترجمة المصحف الشريف ، بهذه الآية الانجيلية ، تفسيرا لقوله تعالى في سورة آل عمران : ( ومكروا ومكر الله * والله خير الماكرين ) {[2581]} و ( انجيل برنابا ) أثبته العلماء قبل الإسلام بنحو ثلاثمائة سنة . حتى أن العالم الانكليزي ( تولاند ) قال : وعلى النصرانية السلام ، بمجرد رؤيته هذا الانجيل . ثم قال : قال العلامة ( هيردر ) وجماعة آخرون : ان الانجيل الأصلي كان واحدا . إلا أنه لم يكتب . بل قاله المسيح مشافهة . رواه الحواريون عنه للناس شفاهيا أيضا . فحفظ الخلق منه بعض أقوال أضافوا إليها ما استحسنوه من السير والقصص . ونقصوا منها ما لم يوافق أذواقهم . وما زالت تنتقل الروايات المختلفة من شخص إلى آخر ، ومن زمن إلى غيره حتى تشعبت ، وكتب أخيرا منه أناجيل شتى ، فاختارت الكنائس منها أربعة جعلتها الرسمية .

/ ثم قال مؤلف ( السيوف البتارة ) : فوضح وضوحا تاما لذي بصيرة ، أن الحجة على دعوى صلب المسيح قد سقطت سقوطا لا تقوم بعده أبدا . سواء من جهة التاريخ الصحيح الذي دحضها وخذل مدعيها بأجلى برهان ، أو من جهة الأناجيل المعتبرة عندهم . لذهاب أصلها أدراج الرياح ، بثبوت التحريف والتغيير لها .

ثم قال : وأما قوله ( يعني التذبذب ) . بأن طوائف النصارى الرافضة للصلب هراقطة – فغريب . لأنهم مثله في العقيدة لا يمتازون إلا بإنكارهم الصلب الحقيقي للمسيح . وهل الاقتصار ، في الرد من باحث ، على قوله ( كفرة ) يعد من باب نقض الدليل وتزييف الحجة بالحجة ؟ أو من باب المكابرة في المحسوس والانقطاع عن المناظرة للعجز الواضح . وإذا جاز إطلاق ( كفرة ) على هؤلاء وهم أمناء النصرانية واليهودية – جاز أن تصف بهذه الصفة كل يهودي ونصراني . وحينئذ لا يصح احتجاجك بإجماعهم ولا بشيء من آرائهم . وتكون في ردك بكلمة ( هراقطة . كفرة ) أشبه بمن اقتصر في مناظرة خصمه على كلمة ( لا ) فقط . فهو يكررها ولا يسأم من الرد بها .

ثم قال : فقد برح الخفاء وانكشف الغطاء وبان للقراء أن لا إجماع بين النصارى أنفسهم على حصول الصلب منذ تكلم الناس فيه حتى الآن . وتفرقت فيه آراؤهم أيدي سبا . وذهبوا فيه كل مذهب . فلا تكاد تجد قولا لأحدهم في أي عصر إلا وهو مضاد لأقوال آخرين منهم على خط مستقيم . حتى لا ترى إلا غوغاء وجلبة المناقضات . فلم يتفقوا على كيفية الصلب ولا على معناه ولا على المراد منه . ولا اجتمع فيه رأيان . كان ذلك من باب التقليد والتسليم ، الذي لا يقام عليه دليل أعظم من أن يقال : إن الدين ينبغي أن لا يفهم ولا يدخل معناه السري تحت تصور . هذا مع أن الصلب عند النصارى هو قلب دينهم ( كما يقولون ) وأساس معتقدهم . حتى كأنه بمنزلة التوحيد عند المسلمين . ومع أن نفي الصلب عندنا ليس من الأصول التي انبنى عليها ديننا في شيء ، بل لا تخرج مسألته عن كونها من قصص الأولين ، كالأخبار عن نوح وإبراهيم وموسى ، مما سيق لنحو الوعظ والاعتبار –فلم يهجس بخلد مسلم منذ وجد الإسلام إلى يومنا هذا أن عيسى صلى الله عليه وسلم صلب أو قتل . ولم يخرق إجماع المسلمين على ذلك واحد منهم في كل عصر ومكان . وما ذلك إلا لضبط القرآن الكريم وصيانته . ولو حكمنا غير متدين في هذه المسألة ، ونظر لأهميتها عند النصارى ، مع عدم قدرتهم على اثباتها ، ولفرعيتها عند المسلمين ، مع إجماعهم على نفيها إجماعا لا مثيل له في العالم –لانبهر من همة المسلمين في ضبط وحفظ كتابهم ، وثباتهم في صغير الأمر وكبيره . وتمنى أن تتدلى الأنجم الزهر ليصوغ منها عقود ثناء ومدح لهم ، على عنايتهم بدينهم إلى هذا الحد الذي لا نظير له . ولم يسعه إلا أن يقلب أكف الأسف ، ويعض بنان الندم على تزعزع دين غيرهم . لدرجة أن أعظم أصل فيه لا يثبت إلا في مخيلات بعض المقلدين . من غير استناد على دليل نقلي صحيح . أو عقلي مسلم ، حتى قام عقلاؤهم نافضين غبار التقليد ، ناشدين الحقيقة . فانجلت ، لكثير منهم ، عن تدمير هذا البناء التقليدي . والرجوع إلى ما ثبت بالدليل في ديانة غيرهم . ومما هو جدير بالتنبه له أن بولس الذي عزا إليه كل محققي التاريخ من الافرنج وغيرهم ، أنه وحده المخترع لمسائل الصلب والفداء ، وألوهية عيسى إلى غير ذلك – قد أبان أن الصلب والقتل ليسا حقيقيين . كما جاء في رسالته لأهل غلاطية . حيث قال : انتم الذين رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبا . وقال في رسالته لأهل رومية : نحن نقوم بشبه موته . إلى أن قال : فدفنا معه بالمعمودية ، لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته ، نصير أيضا بارتفاعه ، عالمين أن إنساننا العتيق قد صلب معه الخ . فيستفاد من مجموع أقوال بولس هذه أن المسيح لم يصلب ولم يقتل حقيقة . وإنما ذلك مجاز عن الشبه المقتول المصلوب . كما جاء في ( انجيل برنابا ) . وقد يدعوك حب التمسك بهذه المسألة إلى أن تؤول كلام بولس بما لا يحتمله اللفظ والسياق . وأنت لاه عن أنه متى وقع الاحتمال سقط الاستدلال . وإنما أتينا بكلامه تنزلا معك على التسليم الجدلي بصحة ما روي عنه في رسالته لأهل غلاطية . فنقول : حتى على فرض صحة ما روى عن بولس نفسه ، فإنه يشهد لنفي الصلب والقتل . لا لحصولهما حقيقة . هذا ولو قارنت دعوى الصلب والفداء بما جاء في التوراة من قولها : ( الشرير فدية الصديق ) لكان معناه ، على مقتضى زعمك ، أن عيسى شر بالإضافة لكل أحد . وهذا لا يجوز لا عقلا ولا شرعا . فوجب ، أخذا من عبارة التوراة ، أن يكون المصلوب شريرا فداء لصديق ، هو عيسى عليه الصلاة والسلام . كما جاء في ( انجيل برنابا ) . انتهى ملخصا .

ولن يعدم الحق أنصارا ، والباطل خزيا وانكسارا .

فصل

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه في كتابه ( الفرقان ) وهو آخر مصنفاته . صنفه بقلعة دمشق ، ما لفظه : ( فان قيل ) فإذا كان في كتب الأناجيل التي عندهم أن المسيح صلب وأنه بعد الصلب بأيام أتى إليهم ، وقال لهم : أنا المسيح . ولا يقولون إن الشيطان تمثل على صورته – فالشيطان ليس هو لحم وعظم . وهذه أثر المسامير . أو نحو هذا الكلام – فأين الانجيل الذي قال الله عز وجل فيه : ( وليحكم أهل الانجيل بما انزل الله ) {[2582]} وقال قبل هذا : ( وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة * وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين * وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه * ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) {[2583]} . وقال قبل هذا : ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك * وما أولئك بالمؤمنين * إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ){[2584]} . وقال أيضا : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) {[2585]} . وقال أيضا : ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل إليكم من ربكم * وليزيدن كثيرا منهم ما انزل إليك من ربك طغيانا وكفرا * فلا تأس على القوم الكافرين ){[2586]} . وهذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بان يقول لأهل الكتاب ، الذين بعث إليهم ، وهو من كان في وقتهم ومن يأتي من بعدهم إلى يوم القيامة . لم يؤمر أن يقول ذلك لمن قد تاب منهم . وكذلك قوله : ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ) {[2587]} ، إخبار عن اليهود الموجودين وأن عندهم التوراة فيها حكم الله . وكذلك قوله : ( وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه ) {[2588]} ، هو أمر من الله على لسان محمد لأهل الانجيل . ومن لا يؤمر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، قيل قبل هذا : انه قد قيل ليس في العالم نسخة بنفس ما أنزل الله في التوراة والانجيل بل ذلك مبدل . فإن التوراة انقطع تواترها . والإنجيل إنما أخذ عن أربعة . ثم من هؤلاء من زعم أن كثيرا مما في التوراة والانجيل باطل ليس من كلام الله . ومنهم من قال : بل ذلك قليل . وقيل : لم يحرف احد شيئا من حروف الكتب وإنما حرفوا معانيها بالتأويل . وهذان القولان ، قال كلا منهما كثير من المسلمين . والصحيح القول الثالث ، وهو أن في الأرض نسخا صحيحة وبقيت إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسخا كثيرة محرفة . ومن قال : انه لا يحرف شيء من النسخ فقد قال ما لا يمكنه نفيه . ومن قال : جميع النسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم حرفت فقد قال ما يعلم أنه خطأ . والقرآن يأمرهم أن يحكموا بما أنزل الله في التوراة والانجيل ويخبر أن فيهما حكمه . وليس في القرآن خبر أنهم غيروا جميع النسخ . وإذا كان كذلك فنقول : هو سبحانه قال : ( وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه ) {[2589]} وما انزل الله هو ما تلقوه عن المسيح . فأما حكايته لحاله بعد أن رفع فهو مثلها في التوراة ذكر وفاة موسى عليه السلام . ومعلوم أن هذا الذي في التوراة والانجيل ، من الخبر عن موسى وعيسى بعد توفيهما . وهذا خبر محض من الموجودين بعدهما عن حالهما ، ليس هو مما أنزله الله عليهما ، ولا هو مما أمرا به في حياتهما ، ولا مما أخبر به الناس . وكذلك{[2590]} : ( لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) . وقوله{[2591]} : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) . فإن إقامة الكتاب ، العمل بما أمر الله به في الكتاب ، ومن التصديق بما أخبر به على لسان الرسول .

وما كتبه الذين نسخوه من بعد وفاة الرسول ومقدار عمره ونحو ذلك ، ليس هو مما أنزله الله على الرسول ، ولا مما أمر به ، ولا أخبر به . وقد يقع مثل هذا في الكتب المصنفة . يصنف الشخص كتابا فيذكر ناسخه . في آخره ، عمر المصنف ونسبه وسنه . ونحو ذلك مما ليس هو من كلام المصنف . ولهذا أمر الصحابة والعلماء بتجريد القرآن . وأن لا يكتب في المصحف غير القرآن . فلا يكتب أسماء السور ولا التخميس والتعشير ولا ( آمين ) . ولا غير ذلك . والمصاحف القديمة والتي كتبها أهل العلم ، على هذه الصفة . وفي المصاحف من قد كتب ناسخها أسماء السور والتخميس والتعشير والوقف والابتداء . وكتب في آخر المصحف تصديقه . ودعا وكتب اسمه ونحو ذلك . وليس هذا من القرآن . فهكذا ما في الانجيل من الخبر عن صلب المسيح وتوفيه ومجيئه بعد رفعه إلى الحواريين ، ليس هو مما قاله المسيح ، وانما هو مما رآه من بعده . والذي أنزله الله هو ما سمع من المسيح المبلغ عن الله . فإن قيل : فإذا كان الحواريون قد اعتقدوا أن المسيح صلب ، وأنه أتاهم بعد أيام ، وهم الذين نقلوا عن المسيح الانجيل والدين ، فقد دخلت الشبهة .

قيل : الحواريون وكل من نقل عن الأنبياء ، إنما يجب أن يقبل منهم ما نقلوه عن الأنبياء ، فإن الحجة في كلام الأنبياء . وما سوى ذلك فموقوف على الحجة . ان كان حقا قبل وإلا رد . ولهذا كان ما نقله الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والحديث يجب قبوله . لاسيما المتواتر ، كالقرآن وكثير من السنن . وأما ما قالوه ، فما أجمعوا عليه فإجماعهم معصوم . وما تنازعوا فيه ، رد إلى الله والرسول . وعمر قد كان أولا أنكر موت النبي صلى الله عليه وسلم . حتى رد ذلك عليه أبو بكر . وقد تنازعوا في دفنه حتى فصل أبو بكر بالحديث{[2592]} الذي رواه . وتنازعوا في تجهيز جيش أسامة . وتنازعوا في قتال{[2593]} مانعي الزكاة . فلم يكن هذا قادحا فيما نقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم . والنصارى ليسوا متفقين على صلب المسيح . ولم يشهد أحد منهم صلبه . فإن الذي صلب إنما صلبه اليهود . ولم يكن أحد من أصحاب المسيح حاضرا . وأولئك اليهود الذين صلبوه قد اشتبه عليهم المصلوب بالمسيح . قد قيل إنهم عرفوا أنه ليس هو المسيح . ولكن هم كذبوا وشبهوا على الناس . والأول هو المشهور وعليه جمهور الناس . وحينئذ فليس عند النصارى خبر عمن يصدقونه بأنه صلب . لكن عمدتهم على ذلك ، الشخص الذي جاء الشيطان بعد أيام وقال : أنا المسيح . وذاك شيطان . وهم يعترفون بأن الشياطين كثيرا ما تجيء ويدعي ( كذا ) انه نبي أو صالح . ويقول : أنا فلان النبي والصالح . ويكون شيطانا . وفي ذلك حكايات متعددة مثل حكاية الراهب الذي جاءه جاء وقال : أنا المسيح . جئت لأهديك . فعرف أنه الشيطان . فقال : أنت قد بلغت الرسالة ونحن نعمل بها . فإن جئت اليوم بشيء يخالف ذلك لم نقبل منك . فليس عند النصارى واليهود علم بأن المسيح صلب . كما قال تعالى : ( وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن ){[2594]} . وأضاف الخبر عن قتله ، إلى اليهود بقوله : ( وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ) {[2595]} فإنهم بهذا الكلام يستحقون العقوبة . إذ كانوا يعتقدون جواز قتل المسيح . ومن جوز قتله فهو كمن قتله . فهم في هذا القول كاذبون . وهم آثمون . وإذا قالوه فخرا لم يحصل لهم الفخر . لأنهم لم يقتلوه . وحصل الوزر لاستحلالهم ذلك وسعيهم فيه . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :{[2596]} " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . قالوا : يا رسول الله ! فما بال المقتول ! قال : انه كان حريصا على قتل صاحبه " .

وقوله : ( وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ) : قيل هم اليهود والنصارى . والآية تعم الطائفتين . وقوله : ( لفي شك منه ) . قيل : من قتله : وقيل : منه ، أي : في شك منه . هل صلب أم لا ؟ كما اختلفوا فيه . فقالت اليهود : هو ساحر . وقالت النصارى : انه إله . فاليهود والنصارى اختلفوا هل صلب أم لا ؟ وهم في شك من ذلك ما لهم به من علم . فإذا كان هذا في الصلب فكيف في الذي جاء بعد الرفع وقال انه هو المسيح ؟

فان قيل : كان الحواريون الذين أدركوه قد حصل هذا في إيمانهم ، فأين المؤمنون به الذين قال فيهم : ( وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا ) {[2597]} . وقوله : ( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) {[2598]} . ( قيل ) ظن من ظن منهم انه صلب لا يقدح في إيمانه . إذا كان لم يحرف ما جاء به المسيح . بل هو مقر بأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه –فاعتقاده بعد هذا أنه صلب لا يقدح في إيمانه . فإن هذا اعتقاد موته على وجه معين . وغاية الصلب أن يكون قتلا له . وقتل النبي لا يقدح في نبوته . وقد قتل بنو إسرائيل كثيرا من الأنبياء . وقال تعالى : ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير . . . ) {[2599]} الآية . وقال تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) . {[2600]}وكذلك اعتقاد من اعتقد منهم أنه جاء بعد الرفع وكلمهم . هو مثل اعتقاد كثير من مشايخ المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في اليقظة . فإنهم لا يكفرون بذلك . بل هذا كان يعتقده من هو من أكثر الناس إتباعا للسنة وأتباعا لها . وكان في الزهد والعبادة أعظم من غيره . وكان يأتيه من يظن أنه رسول الله فهذا غلط منه لا يوجب كفره ، فكذلك ظن من ظن من الحواريين أن ذلك هو المسيح ، لا يوجب خروجهم عن الإيمان بالمسيح ، ولا يقدح فيما نقلوه عنه . وعمر –لما كان يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت ، {[2601]} ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى ، وأنه لا يموت حتى يموت أصحابه –لم يكن هذا قادحا في إيمانه . وإنما كان غلطا ورجع عنه . وقوله تعالى : ( وما لهم به من علم إلا إتباع الظن ) هو ذم لهم على إتباع الظن بلا علم . انتهى كلام ابن تيمية رضي الله عنه .

ولإمام الأدباء ، شرف الدين البوصيري رحمه الله ، قصيدة في هذا المقام . نظمها في سلك ما تقدم تكملة للمرام . قال قدس سره :

جاء المسيح من الإله رسولا *** فأبى أقل العالمين عقولا

قوم رأوا بشرا كريما فادعوا *** من جهلهم لله فيه حلولا

وعصابة ما صدقته وأكثرت ، *** بالافك والبهتان ، فيه القيلا

لم يأت فيه مفرط ومفرط *** بالحق تجريحا ولا تعديلا

فكأنما جاء المسيح إليهم *** ليكذبوا التوراة والانجيلا

فاعجب لأمته التي قد صيرت *** تنزيهها لإلهها التنكيلا

وإذا أراد الله فتنة معشر *** وأضلهم ، رأوا القبيح جميلا

هم بجلوه بباطل فابتزه *** أعداؤه بالباطل التبجيلا

وتقطعوا أمر العقائد بينهم *** زمرا . ألم تر عقدها محلولا

هو آدم في الفضل إلا أنه *** لم يعط حال النفخة التكميلا

أسمعتموا أن الإله لحاجة *** يتناول المشروب والمأكولا ؟

وينام من تعب ويدعو ربه *** ويروم من حر الهجير مقيلا

ويمسه الألم الذي لم يستطع *** صرفا له عنه ولا تحويلا

يا ليت شعري ، حين مات بزعمهم *** من كان بالتدبير عنه كفيلا ؟

هل كان هذا الكون دبر نفسه *** من بعده أم آثر التعطيلا ؟

زعموا الإله فدى العبيد بنفسه *** وأراه كان القاتل المقتولا

أجزوا اليهود بصلبه خيرا . ولا *** تجزوا ( يهوذالمألم

) الآخذ البرطيلا

أيكون قوم في الجحيم ويصطفي *** منهم كليما ربنا ، وخليلا

وإذا فرضتم أن عيسى ربكم *** أفلم يكن لفدائكم مبذولا ؟

وأجل روحا قامت الموتى به *** عن أن يرى بيد اليهود قتيلا

فدعوا حديث الصلب عنه ودونكم *** من كتبكم ما وافق التنزيلا

شهد الزبور بحفظه ونجاته *** أفتجعلون دليله مدخولا ؟

أيكون من حفظ الإله مضيعا *** أو من أشيد بنصره مخذولا ؟

أيجوز قول منزه لإلهه : *** سبحان قاتل نفسه مقتولا ؟

أو جل من جعل اليهود بزعمكم *** شوك القتاد لرأسه إكليلا

ومضى لحبل صليبه مستسلما **** للموت مكتوف اليدين ذليلا

كم ذا أبكتكم ولم تستنكفوا *** أن تسمعوا التبكيت والتخجيلا

ضل النصارى في المسيح وأقسموا *** لا يهتدون إلى الرشاد سبيلا

وهي سابغة الذيل ، كلها من هذا النفس البديع .


[2411]:(2) وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يقتلونه. لأنهم خافوا العب.
[2412]:(38) وكان الشعب يبكرون اليه في الهيكل ليسمعوه. الأصحاح الثاني والعشرون
[2413]:(37) يجمل بنا أن نسوق هنا النص الحرفي منقولا عن نسخة الكتاب المقدس. أي: كتب العهد القديم والعهد الجديد، المطبوعة في بيروت (الطبعة الرابعة) سنة 1875 مسيحية (وهي الطبعة المتداولة المترجمة من اللغة اليونانية). انجيل لوقا الأصحاح الحادي والعشرون وكان في النهار يعلم في الهيكل وفي الليل يخرج ويبيت في الجبل الذي يدعى جبل الزيتون. وقرب عيد الفطير الذي يقال له الفصح.
[2414]:(3) فدخل الشيطان في يهوذا الذي يدعي الاسخريوطي وهو من جملة الاثنى عشر.
[2415]:(4) فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه اليهم.
[2416]:(5) ففرحوا وعاهدوه ان يعطوه فضة.
[2417]:(6) فواعدهم. وكان يطلب فرصة ليسلمه اليهم خلوا من جمع.
[2418]:(7) وجاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفصح.
[2419]:(8) فأرسل بطرس ويوحنا قائلا اذهبا واعدا لنا الفصح لنأكل.
[2420]:(9) فقالا له أين تريد أن نعد.
[2421]:(10) فقال لهما اذا دخلتما المدينة يستقبلكما انسان حامل جرة ماء. اتبعاه الى البيت حيث يدخل.
[2422]:(11) وقولا لرب البيت يقول لك المعلم أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي.
[2423]:(12) فذاك يريكما علية كبيرة مفروشة. هناك أعدا.
[2424]:(13) فانطلقا ووجدا كما قال لهما. فأعدا الفصح.
[2425]:(14) ولما كانت الساعة اتكأ والاثنا عشر رسولا معه.
[2426]:(15) وقال لهم شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم.
[2427]:(16)لأني أقول لكم اني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله.
[2428]:(17)ثم تناول كأسا وشكر. وقال خذوا هذه الكرمة حتى يأتي ملكوت الله.
[2429]:(18) لأني أقول لكم اني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله.
[2430]:(19) وأخذ خبزا وشكر وكسر وأعطاهم قائلا هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكري.
[2431]:(20) وكذلك الكأس أيضا بعد العشاء قائلا هذه للكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم.
[2432]:(21) ولكن هوذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة.
[2433]:(22) وابن الانسان ماض كما هو محتوم. ولكن ويل لذلك الانسان الذي يسلمه.
[2434]:(23) فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من ترى منهم هو المزمع أن يفعل هذا.
[2435]:(24) وكانت بينهم أيضا مشاجرة من منهم يظن انه يكون أكبر.
[2436]:(25) فقال لهم: ملوك الأمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين.
[2437]:(28) أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي.
[2438]:(28) أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي.
[2439]:(29) وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتا.
[2440]:(30) لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر.
[2441]:(31) وقال الرب سمعان هو ذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة.
[2442]:(32) ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى ايمانك. وأنت متى رجعت ثبت اخوانك.
[2443]:(33) فقال له يا رب اني مستعد أن امضي معك حتى الى السجن والى الموت.
[2444]:(34/ فقال أقول لك يا بطرس لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني.
[2445]:(39) وخرج ومضى كالعادة الى جبل الزيتون. وتبعه أيضا تلامذته.
[2446]:(40) ولما صار الى المكان قال لهم صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة.
[2447]:(41) وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى.
[2448]:(42/ يا أبتاه ان شئت أن تجيز عني هذه الكأس. ولكن لتكن لا ارادتي بل ارادتك.
[2449]:(43) وظهر له ملاك من السماء يقويه.
[2450]:(44) واذا كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض.
[2451]:(45) ثم قام من الصلاة وجاء الى تلامذته فوجدهم نياما من الحزن.
[2452]:(46) فقال لهم: لماذا أنتم نيام. قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة.
[2453]:(47) وبينما هو يتكلم اذا جمع، والذي يدعى يهوذا أحد الاثني عشر يتقدمهم. فدنا من يسوع ليقبله.
[2454]:(48) فقال له يسوع: يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الانسان.
[2455]:(48) فقال له يسوع: يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الانسان.
[2456]:(50) وضرب واحد منهم عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى.
[2457]:(51) فأجاب يسوع وقال: دعوا الى هذا. ولمس أذنه وأبرأها.
[2458]:(52) ثم قال يسوع لرؤساء الكهنة وقواد جند الهيكل والشيوخ المقبلين عليه: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي.
[2459]:(53) اذ كنت معكم كل يوم في الهيكل لم تمدوا علي الأيادي. ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة.
[2460]:(54) فأخذوه وساقوه وأدخلوه الى بيت رئيس الكهنة. وأما بطرس فتبعه من بعيد.
[2461]:(54) فأخذوه وساقوه وأدخلوه الى بيت رئيس الكهنة. وأما بطرس فتبعه من بعيد.
[2462]:(55) ولما أضرموا نارا في وسط الدار وجلسوا معا جلس بطرس بينهم.
[2463]:(56) فرأته جارية جالسا عند النار فتفرست فيه وقالت: وهذا كان معه.
[2464]:(57) فأنكره قائلا: لست أعرفه يا امرأة.
[2465]:(58) وبعد قليل رآه آخر وقال: وأنت منهم. فقال بطرس: يا انسان لست أنا.
[2466]:(59) ولما مضى نحو ساعة واحدة أكد آخر قائلا: بالحق ان هذا أيضا كان معه لأنه جليلي أيضا.
[2467]:(60) فقال بطرس: يا انسان لست أعرف ما تقول. وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك.
[2468]:(60) ) فقال بطرس: يا انسان لست أعرف ما تقول. وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك.
[2469]:(61) فالتفت الرب ونظر الى بطرس. فتذكر بطرس كلام الرب كيف قال له: انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات.
[2470]:(62) فخرج بطرس الى خارج وبكى بكاء مرا.
[2471]:(63) والرجال الذين كانوا ضابطين كانوا يستهزؤون به وهم يجلدونه.
[2472]:(64) وغطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين تنبأ. من هو الذي ضربك.
[2473]:(65) وأشياء أخر كثيرة كانوا يقولون عليه مجدفين.
[2474]:(66) ولما كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة وأصعدوه الى مجمعهم.
[2475]:(67) قائلين ان كنت أنت المسيح فقل لنا. فقال لهم: ان قلت لكم لا تصدقون.
[2476]:(68) وان سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني.
[2477]:(69) منذ الآن يكون ابن الانسان جالسا عن يمين قوة الله.
[2478]:(70) فقال الجميع: أفأنت ابن الله. فقال لهم: انتم تقولون اني أنا هو.
[2479]:(71) فقالوا ما حاجاتنا بعد الى شهادة لأننا نحن سمعنا من فمه. الأصحاح الثالث والعشرون
[2480]:(1) فقام كل جمهورهم وجاؤوا به الى بيلاطس.
[2481]:(2) وابتدؤوا يشتكون عليه قائلين: اننا وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطي جزية لقيصر قائلا انه هو مسيح ملك.
[2482]:(3) فسأله بيلاطس قائلا: أنت ملك اليهود. فأجابه وقال: أنت تقول.
[2483]:(4) فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع: اني لا أجد علة في الانسان.
[2484]:(5) فكانوا يشددون قائلين: انه يهيج الشعب وهو يعلم في كل اليهودية مبتدئا من الجليل الى هنا.
[2485]:(6) فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل سأل هل الرجل جليلي.
[2486]:(7) وحين علم أنه من سلطنة هيرودس أرسله الى هيرودس اذ كان هو أيضا تلك الأيام في أورشليم.
[2487]:(8) واما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جدا لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة وترجي أن يرى آية تسمع منه.
[2488]:(9) وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء.
[2489]:(10) ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد.
[2490]:(11) فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به وألبسه لباسا لامعا ورده الى بيلاطس.
[2491]:(12) فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما.
[2492]:(13) فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب.
[2493]:(14) وقال لهم: قد قدمتم الي هذا الانسان كمن يفسد الشعب. وها أنا قد فحصت قدماكم ولم أجد في هذا الانسان علة ممن تشتكون به عليه.
[2494]:(15) ولا هيرودس أيضا. لأني أرسلتكم اليه. وها لا شيء. يستحق الموت صنع منه.
[2495]:(16) فأنا أؤدبه وأطلقه.
[2496]:(17) وكان مضطرا أن يطلق لهم كل عيد واحدا.
[2497]:(18) فصرخوا بجملتهم قائلين: خذ هذا وأطلق لنا باراباس.
[2498]:(19) وذاك كان قد طرح في السجن لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتل.
[2499]:(20) فناداهم أيضا بيلاطس وهو يريد أن يطلق يسوع.
[2500]:(21) فصرخوا قائلين: اصلبه اصلبه.
[2501]:(22) فقال لهم ثالثة: فأي شر عمل هذا؟ اني لم أجد فيه علة للموت. فأنا أؤدبه وأطلقه.
[2502]:(23) فكانوا يلجون بأصوات عظيمة طالبين أن يصلب. فقويت أصواتهم وأصوات رؤساء الكهنة.
[2503]:(24) فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم.
[2504]:(25) فأطلق لهم الذي طرح في السجن لأجل فتنة وقتل والذي طلبوه وأسلم يسوع لمشيئتهم.
[2505]:(32) وجاؤوا أيضا باثنين آخرين مذنبين ليقتلا معه. (33) ولما مضوا به الى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحدا عن يمينه والآخر عن يساره. (35) وكان الشعب واقفين ينظرون. والرؤساء أيضا معهم يسخرون به قائلين: خلص آخرين فليخلص نفسه ان كان هو المسيح مختار الله.
[2506]:(36) والجند أيضا استهزؤوا به وهم يأتون ويقدمون له خلا.
[2507]:(37) قائلين: ان كنت أنت ملك اليهود فخلص نفسك.
[2508]:(38) وكان عنوان مكتوب فوقه بأحرف يونانية ورومانية وعبرانية: هذا هو ملك اليهود.
[2509]:(44) وكان نحو الساعة السادسة فكانت ظلمة على الأرض كلها الا الى الساعة التاسعة.
[2510]:(45) وأظلمت الشمس، وانشق حجاب الهيكل من وسطه.
[2511]:46) ونادى يسوع بصوت عظيم وقال: يا أبتاه في يديك أستودع روحي. ولما قال هذا أسلم الروح.
[2512]:(47) فلما رأى قائد المئة ما كان مجد الله قائلا: بالحقيقة كان هذا الانسان بارا.
[2513]:(48) وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لما أبصروا ما كان رجعوا وهم يقرعون صدورهم.
[2514]:(49) وكان جميع معارفه ونساءكن قد تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك.
[2515]:(50) واذا رجل اسمه يوسف وكان مشيرا ورجلا صالحا بارا.
[2516]:(51) هذا لم يكن موافقا لرأيهم وعملهم. وهو من الرامة مدينة اليهود. وكان هو أيضا ينتظر ملكوت الله.
[2517]:(52) هذا تقدم الى بيلاطس وطلب جسد يسوع.
[2518]:(53) وأنزله ولفه بكتان في قبر منحوت حيث لم يكن أحد وضع قط.
[2519]:(54) وكان يوم الاستعداد والسبت يلوح.
[2520]:(55) وتبعته نسائكن قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده.
[2521]:(56) فرجعن وأعددن حنوطا وأطيابا. وفي السبت استرحن حسب الوصية. الأصحاح الرابع والعشرون
[2522]:(1) ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين الى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس.
[2523]:(2) فوجدن الحجر مدحرجا عن القبر.
[2524]:(3) فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع.
[2525]:(4) وفيما هن مختارات في ذلك اذا رجلان وقفا بهم ثياب براقة.
[2526]:(5) واذ كن خائفات ومنكسات وجوههن الى الأرض قال لهن: لماذا تطلبن الحي من الأموات.
[2527]:(6) ليس هو ههنا لكنه قام. اذكرن كيف كلمكن وهو بعد الجليل.
[2528]:(7) قائلا انه ينبغي أن يسلم الانسان في أيدي أناس خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم. فتذكرن كلامه. ورجعن الى القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين كله.
[2529]:(10) وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات اللواتي قلن هذا للرسل.
[2530]:(12) فقام بطرس وركض الى القبر ونظر الأكفان موضوعة وحدها فمضى متعجبا في نفسه مما كان.
[2531]:(13) وان اثنين منهم كانا سائرين في ذلك اليوم الى قرية اسمها عماوس بعيدة عن أورشليم ستين غلوة.
[2532]:(14) وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث.
[2533]:(15) وفيما هما يتكلمان ويتحاوران اقترب منهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما.
[2534]:(16) ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته.
[2535]:(17) فقال لهما: ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين.
[2536]:(18) فأجاب أحدهما الذي اسمه كليوباس وقال له: هل أنت متغرب وحدك في أورشليم ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها هذه الأيام؟
[2537]:(19) فقال لهما: وما هي؟ قالا: المختصة بيسوع الناصري الذي كان انسانا نبيا مقتدرا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب.
[2538]:(20) كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه.
[2539]:(21) ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي اسرائيل. ولكن مع هذا كله، اليوم ل ثلاثة أيام منذ حدث ذلك.
[2540]:(22) بل بعض النساء منا حيرتنا اذ كن باكرا عند القبر.
[2541]:(23) ولما لم يجدن جسده أتين قائلات: انهن رأين منظر ملائكة قالوا: انه حي.
[2542]:(24) ومضى قوم من الذين معنا الى القبر فوجدوا هكذا كما قالت أيضا النساء. وأما هو فلم يروه.
[2543]:(25) فقال لهما: أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان بجميع ما تكلم به الأنبياء.
[2544]:(26) أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل الى مجده.
[2545]:(27) ثم ابتدأ، من موسى وجميع الأنبياء، يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب.
[2546]:(28) ثم اقتربوا الى القرية التي كانا منطلقين اليها وهو تظاهر كأنه منطلق الى مكان أبعد.
[2547]:(29) فألزماه قائلين: امكث معنا لأنه نحو المساء وقد مال النهار. فدخل ليمكث معهما.
[2548]:(30) فلما اتكأ معهما أخذ خبزا وبارك وكسر وناولهما.
[2549]:(31) فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما.
[2550]:(32) فقال بعضهما لبعض: ألم يكن قلبنا ملتهبا فينا اذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب. (33) فقاما في تلك الساعة ورجعا الى أورشليم ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم.
[2551]:(34) وهم يقولون: ان الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان.
[2552]:(35) وأما هما فكانا يخبران بما حدث في الطريق وكيف عرفاه عند كسر الخبز.
[2553]:(36) وبينما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم: سلام لكم.
[2554]:(37) فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحا.
[2555]:(38) فقال لهم: ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم.
[2556]:(39) انظروا يدي ورجلي اني أنا هو. جسوني، وانظروا فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي.
[2557]:(40) وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه.
[2558]:(41) وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون قال لهم: أعندكم ههنا طعام؟
[2559]:(42) فناولوه جزءا من سمك مشوي وشيئا من شهد عسل.
[2560]:(43) فأخذ وأكل قدامهم.
[2561]:(50) وأخرجهم خارجا الى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم.
[2562]:(51) وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأصعد الى السماء.
[2563]:|4/ النساء/ 157|.
[2564]:(28) الأصحاح التاسع: وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام، أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد الى جبل ليصلي.
[2565]:(29) وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضا لا معا.
[2566]:(30) واذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وايليا.
[2567]:(31) اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيدا أن يكلمه في أورشليم.
[2568]:(32) وأما بطرس واللذان معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم. فلما استيقظوا رأوا مجده والرجلين الواقفين معه. انجيل يوحنا الأصحاح الثامن عشر
[2569]:(1) قال يسوع هذا وخرج مع تلاميذه الى عبروادي قدرون حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه.
[2570]:(4) فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال لهم: من تطلبون. (5) أجابوه يسوع الناصري. قال لهم يسوع: أنا هو. وكان يهوذا مسلمه أيضا واقفا معهم. (6) فلما قال لهم اني أنا هو رجعوا الى الوراء وسقطوا على الأرض. (7) فسألهم أيضا من تطلبون، فقالوا: يسوع الناصري. (8) أجاب يسوع قد قلت لكم اني أنا هو. فان كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء هؤلاء يذهبون.
[2571]:|4/ النساء/ 157|.
[2572]:|4/ النساء/ 158|.
[2573]:|4/ النساء/ 157|.
[2574]:|4/ النساء/ 157|.
[2575]:|4/ النساء/ 157|.
[2576]:|4/ النساء/ 158|.
[2577]:الأثر رقم 10779 من تفسير ابن جرير.
[2578]:الأثر رقم 10780 من تفسير ابن جرير.
[2579]:|8/ الأنفال/ 17| ونصها: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه يلاء حسنا ان الله سميع عليم17).
[2580]:|48/ الفتح/ 10| ونصها: (ن الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما10).
[2581]:|3/ آل عمران/ 54|.
[2582]:|5/ المائدة/ 47|.
[2583]:|5/ المائدة/ 46 و47|.
[2584]:|5/ المائدة/ 43 و44| (... فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون44).
[2585]:|5/ المائدة/ 66| (... منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون66).
[2586]:|5/ المائدة/ 68|.
[2587]:|5/ المائدة/ 43| (... ثم يتولون من بعد وما أولئك بالمؤمنين43).
[2588]:|5/ المائدة/ 47| (... ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون47).
[2589]:|5/ المائدة/ 47| (... ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون47).
[2590]:|5/ المائدة/ 68| ونصها: (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما انزل اليكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين68).
[2591]:|5/ المائدة/ 66| (... منهم امة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون66).
[2592]:أخرجه الامام مالك في الموطأ في: 16 –كتاب الجنائز، الحديث 27 (طبعتنا) ونصه: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء. وصلى عليه الناس أفذاذا. لا يؤمهم أحد. فقال ناس: يدفن عند المنبر. وقال آخرون: يدفن بالبقيع. فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما دفن قط نبي الا في مكانه الذي توفي فيه". فحفر له فيه. فلما كانوا عند غسله، أرادوا نزع قميصه فسمعوا صوتا يقول: لا تنزعوا القميص. فلم ينزع. وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم. اه. قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه من الوجوه، غير بلاغ مالك هذا. ولكنه صحيح من وجوه مختلفة، وأحاديث شتى، جمعها مالك.
[2593]:أخرجه البخاري في: 24 –كتاب الزكاة، 1 –باب وجوب الزكاة، حديث 743 و744 ونصهما: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبو بكر رضي الله عنه. وكفر من كفر من العرب. فقال عمر بن الخطاب: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الله. فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه الا بحقه وحسابه. على الله"؟ فقال: والله، لأقاتلكن من فرق بين الصلاة والزكاة. فان الزكاة حق المال. والله، لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلهم على منعها. قال عمر رضي الله عنه: فوالله! ما هو الا ان قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه، فعرفت أنه الحق.
[2594]:|4/ النساء/ 157|.
[2595]:|4/ النساء/ 157|.
[2596]:أخرجه البخاري في: 2 –كتاب الايمان، 22- باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها الا بالشرك، حديث 29 ونصه: عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل. فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل. قال: ارجع. فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" فقلت: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "انه كان حريصا على قتل صاحبه".
[2597]:|3/ آل عمران/ 55| ونصها: (اذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة ثم الي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون55).
[2598]:|61/ الصف/ 14| ونصها: (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري الى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني اسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين14).
[2599]:|3/ آل عمران/ 146| ونصها: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين146).
[2600]:|3/ آل عمران/ 144| (... ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي اله الشاكرين144).
[2601]:أخرجه البخاري في: 62 –كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، 5 –باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لو كنت متخذا خليلا" حديث 664 و665 وهذا نصهما: عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسنح (يعني بالعالية) فقام عمر يقول: والله! ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وقال عمر: والله! ما كان يقع في نفسي الا ذاك. وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله. قال: بأبي أنت وأمي. طبت حيا وميتا. والذي نفسي بيده! لا يذيقك الله الموتتين أبدا. ثم خرج فقال: أيها الحالف! على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر. فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم، فان محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت. وقال: (انك ميت وانهم ميتون30) |39/ الزمر/ 30| وقال: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفاين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين144) |3/ آل عمران/ 144|. قال:فنشج الناس يبكون... الخ.