تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ ٱخۡرُجۡ مِنۡهَا مَذۡءُومٗا مَّدۡحُورٗاۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (18)

{ 18 } { قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ }

أي : قال اللّه لإبليس لما قال ما قال : { اخْرُجْ مِنْهَا } خروج صغار واحتقار ، لا خروج إكرام بل { مَذْءُومًا } أي : مذموما { مَدْحُورًا } مبعدا عن اللّه وعن رحمته وعن كل خير .

{ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ } منك وممن تبعك منهم { أَجْمَعِينَ } وهذا قسم منه تعالى ، أن النار دار العصاة ، لا بد أن يملأها من إبليس وأتباعه من الجن والإنس .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ ٱخۡرُجۡ مِنۡهَا مَذۡءُومٗا مَّدۡحُورٗاۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (18)

وقوله تعالى : { قال اخرج منها } الضمير في { منها } عائد على الجنة و { مذءوماً } معناه معيباً يقال ذأمه إذا عابه ومنه الذأم وهو العيب .

وفي المثل : «لن تعدم لحسناء ذاماً » أي عيباً ، وسهلت فيه الهمزة ، ومنه قول قْيل حمير : أردت أن تذيمه فمدهته يريد فمدحته ، وحكى الطبري أنه يروى هذا البيت : [ الطويل ]

صَحِبْتُكَ إذ عيني عليها غِشاوةٌ*** فلمّا انجلتْ قَطعتُ نفسي أُذيمُها

قال القاضي أبو محمد : والرواية المشهورة ألومها . ومن الشاهد في اللفظ قول الكميت : [ الخفيف ]

وهمُ الأقربونَ من كلّ خيرٍ*** وَهُمُ الأبعدونَ من كل ذامِ

ومن الشاهد في مدحور قول الشاعر : [ الوافر ]

ودحرت بني الحصيب إلى قديد*** وقد كانوا ذوي أشر وفخر

وقرأ الزهري وأبو جعفر والأعمش في هذه الآية «مذوماً » على التسهيل ، و { مدحوراً } معناه مقصياً مبعداً . وقرأت فرقة «لَمن تبعك » بفتح اللام وهي على هذه لام القسم المخرجة الكلام من الشك إلى القسم ، وقرأ عاصم الجحدري والأعمش «لِمن تبعك » بكسر اللام ، والمعنى لأجل من تبعك { لأملأن جهنم منكم أجمعين } فأدخله في الوعيد معهم بحكم هذه الكاف في { منكم } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ ٱخۡرُجۡ مِنۡهَا مَذۡءُومٗا مَّدۡحُورٗاۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (18)

أعاد الله أمره بالخروج من السّماء تأكيداً للأمرين الأولِ والثّاني : قال : { اهبط منها } إلى قوله { فاخرج } [ الأعراف : 13 ] .

ومذءوم اسم مفعول من ذَأمه مهموزاً إذا عابَه وذمَّه ذَأماً وقد تسهل همزة ذأم فتصير ألفاً فيقال ذَام ولا تسهل في بقيّة تصاريفه .

مدحور مفعول من دَحره إذا أبعده وأقصاه ، أي : أخرجُ خروجَ مذمُوم مطرود ، فالذّم لِمَا اتّصف به من الرّذائل ، والطّرد لتنزيه عالم القُدس عن مخالطته .

واللاّم في { لمن تبعك } موطئة للقسم .

و ( مَن ) شرطية ، واللاّم في لأمْلأنّ لام جواب القسم ، والجواب ساد مسد جواب الشّرط ، والتّقدير : أُقسِم من تبعك منهم لأمْلأنّ جهنّم منهم ومنك ، وغُلِّب في الضّمير حال الخطاب لأنّ الفرد الموجود من هذا العموم هو المخاطَب ، وهو إبليس ، ولأنّه المقصود ابتداء من هذا الوعيد لأنّه وعيد على فعله ، وأمّا وعيد اتّباعه فبالتّبع له ، بخلاف الضّمير في آية الحجر ( 43 ) وهو قوله : { وإن جهنّم لموعدهم أجمعين } [ الحجر : 43 ] لأنّه جاء بعد الإعراض عن وعيده بفعله والاهتمام ببيان مرتبة عباد الله المُخْلَصين الذين ليس لإبليس عليهم سلطان ثمّ الإهتمام بوعيد الغاوين .

وهذا كقوله تعالى في سورة الحجر ( 41 ، 43 ) : { قال هذا صراط عليّ مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين } والتّأكيد بأجمعين للتّنصيص على العموم لئلا يحمل على التّغليب ، وذلك أنّ الكلام جرى على أمّة بعنوان كونهم إتباعاً لواحد ، والعرب قد تجري العموم في مثل هذا على المجموع دون الجمع ، كما يقولون : قتلت تميمٌ فُلاناً ، وإنّما قتله بعضهم ، قال النّابغة في شأن بني حُنّ ( بحاء مهملة مضمومه ) :

وهُمْ قتلوا الطاءِى بالجَوّ عَنْوَة