تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱضۡمُمۡ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخۡرَىٰ} (22)

{ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ } أي : أدخل يدك في جيبك ، وضم عليك عضدك ، الذي هو جناح الإنسان { تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } أي : بياضا ساطعا ، من غير عيب ولا برص { آيَةً أُخْرَى }

قال الله : { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱضۡمُمۡ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخۡرَىٰ} (22)

ثم أمره الله عز وجل أن يضم يده إلى جنبه وهو الجناح استعارة ومجازاً ومنه قول الراجز : [ الرجز ]

«أضمه للصدر والجناح » . . . {[8101]} وبعض الناس يقولون الجناح اليد وهذا كله صحيح على طريق الاستعارة ، ألا ترى أن جعفر بن أبي طالب يسمى ذا الجناحين بسبب يديه حين أقيمت له الجناحان مقام اليدين بجناح طائر{[8102]} وكل مرعوب من ظلمة أو نحوها فإنه إذا ضم يده إلى جناحه فتر رعبه وربط جأشه فجمع الله لموسى عليه السلام تفتير الرعب مع الآية في اليد ، وروي أن يد موسى خرجت بيضاء تشف وتضيء كأنها الشمس . وقوله { من غير سوء } ، أي من غير برص ولا مثله بل هو أمر ينحسر ويعود لحكم الحاجة إليه .


[8101]:لم أقف على قائل هذا الرجز، وفي اللسان (جنح): "وجناح الإنسان: يده، ويدا الإنسان: جناحاه، وفي التنزيل {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}، وفيه: {واضمم إليك جناحك من الرهب}، وقال الزجاج: معنى جناحك العضد، ويقال: اليد كلها جناح، وجمعه أجنحة وأجنح".
[8102]:هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، أخو علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، كان من السابقين إلى الإسلام، وقد حضر معركة مؤتة بالبلقاء في الشام، فنزل عن فرسه وقاتل، ثم حمل الراية وتقدم الصفوف فقطعت يمناه، فحملها بيسراه وقاتل فقطعت أيضا، فاحتضن الراية إلى صدره وقاتل حتى وقع شهيدا وفي جسمه نحو تسعين طعنة ورمية، وقيل: إن الله تبارك وتعالى عوضه عن يديه بجناحين في الجنة، وقال حسان فيه: فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر ولقد لقب جعفر بالطيار، روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت الجنة فرأيت جعفر يطير مع الملائكة وجناحاه مضرجان بالدم).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱضۡمُمۡ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخۡرَىٰ} (22)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: واضمم يا موسى يدك، فضعها تحت عضدك، والجناحان هما اليدان، كذلك رُوي الخبر عن أبي هُريرة وكعب الأحبار. وأما أهل العربية، فإنهم يقولون: هما الجنبان...

وقوله:"تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ" ذكر أن موسى عليه السلام كان رجلا آدم، فأدخل يده في جيبه، ثم أخرجها بيضاء من غير سوء، من غير برص، مثل الثلج، ثم ردّها، فخرجت كما كانت على لونه.

وقوله: "آيَةً أُخْرَى "يقول: وهذه علامة ودلالة أخرى غير الآية التي أريناك قبلها من تحويل العصا حية تسعى على حقيقة ما بعثناك به من الرسالة لمن بعثناك إليه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{من غير سوء} أي من غير برص، كأنهم ذهبوا إلى أن البياض في الإنسان، إذ اشتد به حتى يخالف سائر بدنه، لا يكون إلا بالبرص. لذلك قال: {من غير سوء} أي من غير برص بك.

{آية أخرى} سوى آية العصا. وجائز أن يكون قوله: {من غير سوء} أي من غير آفة وعيب بك وأذى، لأن التغيير إذا وقع في بدن الإنسان لا يكون إلا بعيب وآفة تحل به. وأخبر أن ذلك البياض ليس لآفة بك، ولا عيب في بدنك، ولا فيه أذى ولكن آية لنريها منها، والله أعلم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

... كما أراه آيةً من خارج أراه آيةً من نَفْسِه، وهي قلْبُ يَدِه بيضاءَ؛ إِذْ جَعَلَها في جيبه من غير البَرَص...

وإنما قال: أَدْخِلْ يَدَكَ في جيبِك ولم يقل كُمِّك لأنه لم يكن لِمَا عليه من اللِّباس كُمَّان.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

قيل لكل ناحيتين: جناحان، كجناحي العسكر لمجنبتيه، وجناحا الإنسان: جنباه، والأصل المستعار منه جناحا الطائر. سميا جناحين لأنه يجنحهما عند الطيران. والمراد إلى جنبك تحت العضد، دل على ذلك قوله: {تَخْرُجْ} السوء: الرداءة والقبح في كل شيء، فكني به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوأة، وكان جذيمة صاحب الزباء أبرص فكنوا عنه بالأبرش. والبرص أبغض شيء إلى العرب. وبهم عنه نفرة عظيمة، وأسماعهم لاسمه مجاجة، فكان جديراً بأن يكنى عنه، ولا نرى أحسن ولا ألطف ولا أحز للمفاصل من كنايات القرآن وآدابه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أراه آية في بعض الآفاق، أراد أن يريه آية في نفسه فقال: {واضمم يدك} من جيبك الذي يخرج منه عنقك {إلى جناحك} أي جنبك تحت العضد تنضم على ما هي عليه من لونها وما بها من الحريق، وأخرجها {تخرج}... ولما كان البرص أبغض شيء إلى العرب، قال نافياً له ولغيره، ولم يسمه باسمه لأن أسماعهم له مجاجة، ولأن نفي الأعم من الشيء أبلغ من نفيه بخصوصه: {من غير سوء} أي مرض لا برص ولا غيره، حال كونها {آية أخرى} افعل ما أمرتك به من إلقاء العصا وضم اليد، أو فعلنا ذلك من إحالة العصا ولون اليد من مناداتك لمناجاتك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وصدر الأمر العلوي مرة أخرى إلى عبده موسى: (واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى).. ووضع موسى يده تحت إبطه.. والسياق يختار للإبط والذراع صورة الجناح لما فيها من رفرفة وطلاقة وخفة في هذا الموقف المجنح الطليق من ربقة الأرض وثقلة الجسم لتخرج بيضاء لا عن مرض أو آفة. ولكن: (آية أخرى) مع آية العصا.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ومعلوم أن موسى – عليه السلام – كان أسمر اللون، كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم حينما طلب منه أن يصف الرسل الذين لقيهم في رحلة الإسراء والمعراج، فقال: (أما موسى، فرجل آدم طوال، كأنه من رجال أزد شنوءة)...أي: أسمر شديد الطول؛ لأن طوال يعني: أكثر طولا من الطويل...

ومن هنا كان بياض اليد ونورها في سمرة لونه آية من آيات الله، ولو كان موسى أبيض اللون ما ظهر بياض يده.